ظاهرة غياب شخصية تاريخية في السودان

 


 

طاهر عمر
25 January, 2022

 

من الظواهر العجيبة و غريبة في السودان و في ظل تقدم الشعب و سقوط النخب ها هو الشعب السوداني يرفع شعاراته ضد إنقلاب البرهان ليؤكد على أنه حي الشعور و معانق لارادة الحياة رافض للذل و الهوان و مقاوم لجبار الصدف الذي يحول ما بينه و بين إمكانية استعادة مساره منذ كان فصاعدا كيف لا و الشعب السوداني من الشعوب القديمة التي قد ساهمت في ترسيخ تراث الانسانية منذ كانت ركائزه قائمة على فكرة في البدئ كانت الأسطورة ثم مرور ا بحقبة تقاوم القديم رافعة في البدئ كانت الكلمة و ها هي شعوب العالم الحر تتحدث عن لحظة الميلاد الثانية لانسانية قائمة على تجربة الانسان و ضمير الوجود بفضل فلاسفة أجابوا على سؤال ما التنوير؟
غياب عقل الأنوار و فكر الحداثة يجعلنا في ليل حالك قدس أقداسه خط سنار أي دولة الفونج و المهدية و الانقاذ الثمرة المرة للحركة الاسلامية السودانية هذا الخط يمثل للشعب السودان جبار الصدف الذي يحول ما بينه و بداية مشوار الحياة و لا يمكن الوصول الى بداية مشوار الحياة ما لم نحطم جبار الصدف الذي يحول ما بيننا و بين الحياة و ها هو الشعب السوداني في ثورة ديسمبر في قراره و إختياره قد أنشد حرية سلام و عدالة و قد استجاب له القدر فها هي شعوب العالم الحر و أحرار العالم يساندون الشعب السوداني الذي ينشد لحظة ميلاده الثاني في غياب شخصية تاريخية سودانية و هذا محزن للغاية لأن في لحظات الميلاد في العادة تكون تحت إيقاع فلاسفة و مفكرين يمثلون دور الشخصية التاريخية كما تحدثت عنها مدرسة الحوليات الفرنسية. و هنا يجر السؤال السؤال كما يقول الفيتوري و اتمنى الا تبدو الاجابة نفس الاجابة و لا يكون ذلك بغير تحطيم قدس الأقداس و هو خط سنار المهدية الحركة الاسلامية مثلث أقانيم يحرسه كهنة بسببهم قد أصبحت الساحة الفكرية في السودان عقيم و إذا سألت ايها القارئ ما هو مثلث الأقانيم الذي يجب تحطيمه؟
أنه يا سادة المثلث الذي يحرسه كهنة و هم تلاميذ عبد الله الطيب و يوسف فضل و تلاميذه الذين لم يخرج من بينهم من يحطم المنهجية التاريخية لذلك كانوا متصالحين مع رجال الدين و وحل الفكر الدين و مجافين لفكر علماء الاجتماع و الانثروبولوجيين بسبب كره عبد الله الطيب لهم و محاولاته البائسة لإرجاع الأبهة لرجال الدين كما رأينا شغفه في مهاجمة علماء الاجتماع و الانثروبولوجيين في الجزء الأول و الجزء الثاني من المرشد لفهم أشعار العرب و صناعتها أما الضلع الثالث فهم تلاميذ الترابي و لم يفعلوا شئ غير أنهم زرعوا في الأرض التي حرثها لهم عبد الله الطيب و تلاميذه و يوسف فضل و تلاميذه و لم تنتج غير الانقاذ الثمرة المرة للحركة الاسلامية السودانية و في ظل مثلث الأقانيم السودانية غابت الشخصية التاريخية و حلت محلها شخصيات مايعة لم تنتج غير أدب معارضة المعارضة كما رأينا كيف كانت صحبة عبد الله علي ابراهيم للاسلاميين.
على العموم المجتمع البشري كظاهرة تغشاها مسألة تحول المفاهيم و تكون هناك لحظات إنقلاب و هنا تظهر مسألة أهمية تاريخ الذهنيات و كيف تولد الشخصية التاريخية مثل مسألة مارتن لوثر و فكرة الاصلاح الديني و كانت شروط نجاحه انه قد صادف اماني البرجوازية الصغيرة لذل عبرت أفكاره و غيرت ملامح التاريخ و قد واصلت مسيرها الى أن عبر عنها ماكس فيبر في فكرة زوال سحر العالم حيث لم يعد للفكر الديني أي بعد بنيوي على صعد السياسة و الاجتماع و السياسة.
و بالمناسبة ماكس فيبر يعتبر مفصل مهم و شخصية تاريخية انتقد الماركسية و قد تأثر بأفكاره غرامشي و كانت أفكار ماكس فيبر مفصلية لأنها عقبت الحرب العالمية الأولى و قد اختفت أمبراطوريات بسببها و ظهرت أفكار تفتح على عالم جديد لكى يتحقق فكره أحتاج لزمن ما بين الحربيين و لكن فصّل ملامحمه و فسّر مفاصله فلاسفة كثر من بينهم كينز في محاولة تفسير ظاهرة الكساد الاقتصادي العظيم و هذا يشابه حالة السودان الآن بعد ثورة عظيمة كثورة ديسمبر تحتاج لمن يفسر مسيرها و يفصل فكرها و هذه هي الشخصية التاريخية الغائبة من مشهد الفكر في السودان.
و الشعب السوداني بثورة ديسمبر أثبت أنه شعب حي ينشد الحرية و التقدم و الازدهار إلا أن الشخصية التاريخية غائبة و جميع الشعوب تحتاج لشخصية تاريخية مثلا كيف ظهر المهاتما غاندي في الهند و مانديلا في جنوب أفريقيا كما قاد روزفلت الامة الامريكية لحظة الكساد الاقتصادي العظيم و طبق مفاهيم اقتصادية لكي يعبر لحظة الكساد التي كادت أن تكون ضد ما يؤمن به من قيم فيما يتعلق بالاقتصاد و لكنه شخصية تاريخية لم يتردد في انقاذ شعبه و لو بقيم معاكسة لقيمه فيما يتعلق بفكرة الضمان الاجتماعي و أنه القدر كما يردد ضمير الشخصيات التاريخية التي تعبر بشعوبها و لو بقيم ضد قيمها التي قد آمنت بها إلا أن سير الزمن قد أثبت تكلسها.
و من علامات تأخر ميلاد شخصية تاريخية في السودان ظهور بعض بقايا النخب الفاشلة في دفاع باهت عن الاحزاب السودانية المتمثلة في يسار رث و يمين غارق في وحل الفكر الديني و هذا يدل على غيبوبة طال أمدها و قد غطت على إعمال العقل في ساحة الفكر في السودان و إلا كيف يقبل عقل النخب الفاشلة بأن تلاميذ يوسف فضل فيما يتعلق بفكرة صحيح الدين قد ساهموا في نجاح الحركة الاسلامية في الوصول الى الحكم بإنقلاب الانقاذ و كتابات محمد ابراهيم ابو سليم عن منشورات المهدية كيف مهدت الطريق الى قبول الصادق المهدي كرجل دين بين المفكريين السياسين و هيهات و غيرهم كثر من مؤرخين سودانيين ساهموا في ترسيخ وحل الفكر الديني.
في ظل كتابات يوسف فضل و محمد ابراهيم ابوسليم سيطول غياب الشخصية التاريخية التي ترتقي بالفكر في السودان الى مستوى الشخصيات التاريخية في الشعوب الحية و ليس أمام الشعب السوداني غير طريق واحد و هو رفض منظمومة القيم القديمة التي قد أسس لها عبد الله الطيب و تلاميذه و يوسف فضل و تلاميذه و الترابي و تلاميذه و لا يمكن ان ننتظر فجر خلاص بغير دحر ليل فكر عبد الله الطيب و يوسف فضل و الترابي و محمد ابراهيم ابوسليم لأنها لا تنتج غير فكر كما رأينا مساومة الشفيع خضر و مؤالفة النور حمد ما بين العلمانية و الدين و مهادنة الحاج وراق للطائفية و نسخة الشيوعية السودانية في عدم ايمانها بفكرة الدولة من الأساس و لهذا السبب تجد ان الشيوعيين السودانيين في حيرة و عدم تخطيط الى لحظة تحقيق انقلاب البرهان لبغيتهم إسقاط حكومة حمدوك.
و هذا يدلل على أن لا ضؤ يظهر في الأفق كنجم بشارة بظهور شخصية تاريخية تأخذ بيد الشعب السوداني في لحظة يتوق فيها للحرية و التقدم و الازدهار كما كانت فرنسا في زمن ديغول أو ما بعد الحرب العالمية الثانية و كيف حررها من النازية أو كما فعل روزفلت في قيادة الشعب الامريكي و هو يشق ليل الكساد الاقتصادي العظيم بمساعدة مشرعين غيابهم عن ثورة عظيمة كثورة ديسمبر قد وضح كيف لعب القانونيين السودانيين أضعف حلقة في حلقات ثورة ديسمبر و بسبب غياب التشريع الذي يعقب ثورة عظيمة كثورة ديسمبر يظهر الأقزام امثال البرهان و جبريل و مناوي و أردول و ترك ناظر الهدندوة و لا خلاص بغير ظهور شخصية تاريخية و فكر يتجاوز استهبال النخب السودانية و أصنامها الذهنية المتمثلة في عبد الله الطيب و يوسف فضل و الترابي و أبوسليم لأنهم قد أبّدوا و عبّدو طريق العبودية و هو خط سنار المهدية الانقاذ و قد أبدوا و عبدوا طريق كساد الفكر في السودان.
سينتصر الشعب السوداني على إنقلاب البرهان و سيقفل الباب على تاريخ الكساد الفكري و على النخب بأن يكون نشاطها واعي حتى يكون السير الى أهداف الثورة السودانية طريق قصير و إلا لدخل السودان الى حقبة زمنية قد تطول بمستوى حقبة ما بين الحربين العالمتين لاوروبا حتى تلتقط انفاسها و تحقق تقدم و سلام و أزدهار و هذا ممكن اي أن نتفادى الزمن الطويل لتحقيق أهداف ثورة ديسمبر و هذا لا يكون بغير وعي النخب بأن منظمومة قيمها المتجسدة في أحزاب وحل الفكر الديني و النسخة المتحجرة من الشيوعية السودانية قد أصبت تهئ أتباعها للخروج من التاريخ.

taheromer86@yahoo.com

 

آراء