ظاهرة للتفسير.. رئيس يحارب شعبه!!
خلال فترة التصعيد الاعلامي، الذي صاحب قضية الزميلة الصحافية الشجاعة، والصديقة العزيزة لبنى أحمد حسين؛ رد الله غربتها، أذكر أن الصدفة جمعتنا، وكانت معنا لبنى نفسها بأحد " منسوبي" المؤتمر الوطني، في ذات المكان الذي وقعت فيه حادثة القاء القبض عليها في عام 2009بواسطة شرطة أمن المجتمع، وكان اللقاء مثل كل "لقاء سوداني" لم يخل من مجاملات التحايا، والابتسامات المتبادلة بطيبة، والدعوة للجلوس، وتناول مشروب "بارد، أو ساخن"، لكن فجأة تحول الحوار إلى مواجهة، والنقاش إلى اتهامات، حيث عبر منسوب الحزب الحاكم عن غضبه الشديد من لبنى، وسألها بنبرات تحمل كثيراً من العداء، " انت ليه بتشيني في سمعة بلدك يا لبنى؟". كل ما نفتح فضائية نشوفك تتكلمي عن انو قبضوك لابسة بنطلون؟. وكاننا نعيش في القرون الوسطى؟". فتملكنا شعور مزيج من الدهشة، والطرافة!. مع أن الدهشة في زمن الانقاذ قد انتهت ، وما عاد هناك شيئ مدهش!، فكل ما هو غير طبيعي في ظرف غير طبيعي سيصير بالعادة والضرورة أمراً طبيعياً، وشيئاً مألوفاً،
وبعد السؤال ردت لبنى بهدوء قائلةً " أنا لم أذهب إلى أمن المجتمع في تلك الليلة كي يقبضوا علي لأحول من نفسيى بطلة، أنا جيت هذا المكان، وأنت كنت موجوداً للمصادفة في ذات اليوم، ودا نفس المكان هسة، يعني مكان عام، ثم يعني شنو اقبضوك في لبس بنطلون؟. وبعدين أنا ما عملت القانون الفاضح داّ.
ومع أنني؛ شخصياً كنت أفضل الصمت، واتابع الحوار، والذي وصل حد "الاشتباك اللفظي"؛ إلا أنني تداخلت وقلت له " طالما أنتم تشعرون بالخجل من " ظهور لبنى في الفضائيات كان الأفضل لكم أن تلغو القوانين دي، أو توقفوا الحملات أياها، وغير ذلك يجب ان تدافعوا عن أفعالكم للنهاية، يعني أن أفعالكم إمّا أن تكون هي أفعال تدعو للخجل، ويجب أن توقفوها، كي لا يستثمرها المعارضون و"المغرضون"، أو أن تعتبروا ما تقوم به أجهزتكم هي أفعال تتسق مع الشريعة واحكامها، ومع توجهات الحكومة، أي أن مثل هذه "الأفعال" تعبر عن سياسة واضحة، وسلوك ممنهج، وبالتالي " ليس هناك ما يجعلكم تشعرون بالحياء، أو الخوف من ظهور فتاة " مجلودة" في الفضائيات، أو أمام منظمات حقوق الانسان، طبعاً هذا ان كنتم مؤمنون بصحة ما تفعلونه!.
وقصة أخرى؛ عند ظهور شريط فتاة الفيديو " الشهير العام الماضي، شن الانقاذيون هجوماً عنيفاً على "الحملات الاعلامية"، والتي اعتبروها بأنها حملات تهدف لتشويه سمعة البلاد"، وسارع المسؤولون، ومن فوق قمة هرم الدولة للدخول في تحدي مع "فتاة صغيرة ومسكينة"؛ ولو أخطأت!. فلوح البعض بملفات قالوا إنهم يمسكونها، وكثر الحديث عن "الاستهداف للشريعة، وللتوجه الاسلامي للدولة، وللمشروع الحضاري"، وكأنّ تلك الفتاة؛ هي التي طالبت بجلدها " خمسين جلدة"ً لم يعرف الناس عن أي حد!، أو أنها هي التي طلبت من "الشباب العتاة الغلاظ" جلدها بتلك الطريقة الوحشية، وأمرت اثنان منهما بالتباري في توزيع لسعات السياط فوق كل أجزاء الجسد، ثم تكتمل خيوط المؤامرة بطلب تصويرها، وهي تصرخ صرخات تهز قلب كل من في قلبه ذرة من الانسانية، أو "الايمان"، وكلنا يعلم بقية القصة.
وقبل أن يجف مداد ما كتب عن "فتاة الفيديو"، والمؤامرة التي تحاك ضد السودان، جاءت الشابة "صفية" تسعى، وتعلن على الملأ تعرضها "لاغتصاب من قبل أجهزة نافذة بالدولة ، مثلما جاء في كل المواقع الالكترونية، واليوتيوب، فتصدى لها نفر من "الانقاذيين"، يؤكدون عدم وقوع الحادثة، وأن "القصة لا تعدو سوى فبركة، أو استغلال سياسي من المعارضة.
لكن؛ وللغرابة فإن من يطلق مثل هذا الكلام، لم يحدثنا عن " تحقيقات"، ولا أتى لنا بحيثيات، بقدرما أورد معلومات بعضها " سري للغاية"، و"شخصي جداً" وإن صب في صالح قضية " صفية" ، ورغم ذلك حولوا الشابة إلى " مجرمة وكاذبة".
ومن القصص الثلاث نخلص إلى أن للانقاذ منهج واحد، وهو الاصرار على "الخطأ" وتحويل الضحايا " إلى " جناة"، وتصوير نظام " الانقاذ " كأنه كتلة واحدة، وعينة واحدة من البشر، أو فنلقل "الملائكة"، الذين لا يأتيهم الباطل من بين يديهم أو من خلفهم، وان أجهزة النظام كلها " مبرأة " من كل عيب، بما في ذلك ضعف النفس البشرية، وهي " أمارة بالسوء"، وبدلاً من اجراء التحقيقات، وكشف الحقيقة، ومعرفة تفاصيل الرواية، تلجأ "الانقاذ" إلى "التخوين" و" القسوة"، والصراخ الهستيري، وتصدر الأحكام من غيرما ما محاكم، وتعلن براءة النظام، ويتحول كل الضحايا إلى "أشرار"، و" متآمرين"، و"أصحاب أحندة، ويعتبر صناع القرار الانقاذي كل من يناقش قضايا برؤى مغايرة لما تطرحه الانقاذ بأنهم " عملاء"، و" وضعاف ايمان".
إن صناع القرار "الانقاذي" ومنذ استيلائهم على السلطة عبر انقلابهم العسكري المشؤوم ظلوا ، يتعاملون مع كل القضايا المثارة ضدهم ،وهي في غالبيتها قضايا رأي عام، بنوع من "الاستخفاف"، أو "الاستعداء، التي تدفعهم إلى ان يضعوا كل مؤسسات الدولة في مواجهة " مواطن واحد"، وتحويل كل "ضحية" إلى " مذنب" يستحق شر العذاب، فتستخدم الانقاذ كل ما تمتلكه من مؤسسات لملاحقة الشخص المعني، والحاق الأذى المادي والجسدي والمعنوي به، وتوظف كل ألتها الاعلامية للتشهير به، وبسمعته، وسمعة أسرته، وربما " قبيلته"!.
لكن يبقى السؤال الذي يجب أن يبحثه الناس ؛ وهو لماذا تفعل الانقاذ هكذا؟.
وقبل أن تجتهدوا في التوصل لاجابات يجب أن ننوه هنا؛ إلى أن العقيد معمر القذافي ظل منذ قيام الانتفاضة الشعبية ضده يرفض الاعتراف بوجود " ثورة شعبية"، ويؤكد أن الشعب يحبه، وان القذافي يستحق الموت حال عدم حب الشعب له، ويوزع "الاتهامات" المعروفة، من خلال" اكليشيهات جاهزة"، "عملاء يستهدفون المجد، وعرب يحقدون على " شعب ليبيا"، و"مؤامرة " دولية تحيط بهذا "الشعب العظيم، والذي بالضرورة هو "القذافي" ، لأنه "هو "ليبيا"، وهو كذلك " المجد"، وهو ما يعكس حالة مرضية نتجت عن استبداد طويل، مثل تلك التي اعترت لويس السادس عشر" أنا الدولة والدولة أنا"، أو مثل خريف البطريرك " انا الرب ، عاش أنا"، وبالتالي تحول هذه الحالة كل أذرع النظام إلى " مؤسسات خيرية ووطنية"، وكل من ينتقدها فهو بالضرورة يتربص "بالشعب"، ويتآمر على "الدولة"، فتشعل "الدولة" الحريق" فيحارب "الزعيم" كل الشعب!.
هذا ربما يساعد في تفسير ظاهرة " محاربة القذافي لشعبه"، ومواجهة الانقاذ لمواطنيها ولو صدقوا!.
Faiz Alsilaik [faizalsilaik@yahoo.com]