عاصمتنا المثلثة ستسكنها الفراشات الملونة والأزهار الجميلة !

 


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

husseinabdelgalil@gmail.com

سيصدم الكثيرون منا عند إستيعابهم لحجم الدمار الذي أصاب عاصمتنا المثلثة. دمار نتخيله الآن ونري بعضه في الصور و الفيديوهات و رغم ذلك سنحبط إحباطا شديدا و سيصاب بعضنا بإكتئاب مدمر عندما نري عيانا بيانا ثم بعد ذلك نستوعب حجم الدمار الذي أصاب عاصمتنا! آجلا أو عاجلا- و أسأل الله أن يكون ذلك عاجلا- ستنتهي الحرب فماذا نحن فاعلون حينها؟
يستحضرني هنا قول محبب لنفسي قالته الاديبة و الشاعرة الزنجية الأمريكية مايا أنجلو وهو
Anything that works against you can also work for you once you understand the Principle of Reverse
و ترجمة ذلك هو: " كل شيء يعمل ضدك يمكنك أن تجعله يعمل لمصلحتك هذا إن عرفت قانون الانعكاس له " .
فهناك أمورا كثيرة لم تكن علي مايرام في خرطوم ماقبل الحرب وألآن -بعد الدمار- سنحت لنا فرصة لاتتهيأ إلا مرة واحدة في العمر لاعادة بناء و ترتيب ألأمور في الخرطوم علي نحو أفضل مما كانت عليه من قبل!

الوزارات الفيدرالية المنتشرة في شارع النيل و التي أصاب بعضها دمارا شديد يمكن نقلها لاماكن أخري بعيدا عن أماكنها الحالية, فالمواقع الحالية للوزارات بشارع النيل لها قيمة أستثمارية عالية جدا و سيتنافس المستثمرون السودانيين و الأجانب لشراءها لتحويلها لفنادق و لغير ذلك من الاستثمارات التجارية. لذا يمكن للولاية بيع تلك المواقع أو الشراكة مع المستثمرين في تطويرها وبذلك سترفد ولاية الخرطوم خزينتها بمئات الملايين من الدولارات لتنفقها في أعادة التعمير.

جزء من المال الوارد من بيع الوزارات بشارع النيل يمكن استخدامه للبدء بأنشاء شبكة تصريف حديثة لمياه الامطار بولاية الخرطوم وذلك لحل المشكلة المتكررة كل خريف. بحيث تغطي الشبكة كل العاصمة المثلثة وضواحيها. ما أقترحه كجزء من هذا المشروع هو الا يتم تفريغ مياه شبكة الأمطار التي سيتم إنشاؤها في نهر النيل، بل يتم إنشاء بحيرة صناعية ضخمة شرق النيل يتم فيها تخزين/ حصاد هذه المياه واي مياه أخري تنتج عن فيضان النيلين الأبيض والأزرق (في الغالب الأعم فلن يفيض النيل الأزرق بعد اكتمال سد النهضة، الا أن النيل الأبيض سيستمر في الفيضان و تدمير ما حوله في كل خريف تكون أمطاره غزيرة، ولو تم توجيه المياه الفائضة لهذه الشبكة لأمكن تجنب ذلك الدمار).

بالطبع سيتطلب إنشاء البحيرة الصناعية الضخمة شرق النيل جهدا هندسيا لتمرير الأنابيب الضخمة الحاملة لمياه الشبكة الجديدة أسفل النيلين ونحو شرق النيل و ربما دعا الأمر لإنشاء توربينات لدفع المياه في الأنابيب الكبيرة التي ستتوجه بها نحو البحيرة. يمكن استغلال البحيرة الضخمة لري مشروع كبير لزارعة الخضر والفواكه وتربية الأبقار ذات السلالات المدرة للألبان. هذا المشروع يمكن أن يصمم لجذب الزراعيين والبياطرة من الشباب وأسرهم، وربما ينتج عنه في سنوات قليلة وبالتدريج، قيام مدينة جديدة متكاملة بمدارسها ومستشفياتها وشوارعها، تماما كما نتج عن إنشاء مصنع سكر كنانة قيام مدينة جديدة قربه.

في تقديري أن مشاكل السودان يجب حلها بالتفكير خارج الصندوق، اي بتفكير غير تقليدي وعلينا أن نفكر في مشاريع كبري يسهل تنفيذها في بلادنا، وهذا المشروع هو نموذجا لذلك . فهو يستغل مالدينا من مياه الخريف التي تعتبر نقمة في ولاية الخرطوم وذلك بتحويلها إلي نعمة، ايضا المشروع المقترح يحول فيضان النيل الأبيض المدمر جنوب الخرطوم لنعمة. ونحن إن فعلنا ذلك سنحصد مياها كثيرة ولن نحتاج لأذن مصر أو لاتفاقية مياه النيل لأستخدامها، فهي مياه أمطار نزلت ببلادنا. ثم بعد ذلك نستغل الأراضي الواقعة شرق الخرطوم بحري حيث يبدأ سهل البطانة وهو ربما يكون أكبر قطعة أرض مسطحة ومنبسطة لمئات الكيلومترات في العالم، مما يجعل الزراعة وإنسياب المياه فيه سهلا. ثم بعد ذلك نستغل العدد الكبير من الزراعيين و البياطرة الذين تخرجهم جامعاتنا -ولايجدون عملا- ونُمَلِكْ كل منهم عددا محددا من الفدانات (ربما بين 5-10 فدان) لكل مزرعة وبذلك نقلل من نسبة العطالة وسط الشباب. حاليا توجد شركة سودانية واحدة لديها التقنية، المعدات، والخبرة لإنشاء وتخطيط وري مثل هذا المشروع ومن ثم توزيعه للشباب. وأعني بذلك شركة زادنا. رغم أن البعض ربما يحتج بكون شركة زادنا مملوكة للجيش إلا أنها شركة تكونت من مال الشعب السوداني وعليها خدمته . ويمكن أن يكون هذا المشروع هو النواة الأولي لجهد متواصل لتحديث الزراعة في بلادنا ولجذب الشباب والشابات للعمل في هذا الحقل الهام وتحديثه ليكون رافعة لبلادنا لمصاف الدول الغنية.

أيضا فأن نجاح مشروع حصاد المياه المتمثل في البحيرة الصناعية شرق الخرطوم بحري سيجعل تكرار قيام مشاريع مماثلة في مناطق أخري من بلادنا لتخزين مياه الامطار سهلا وذلك بدلا من ضياعها بالتبخر أو أنسيابها للنيل الأزرق، الأبيض، أو لنهر النيل. علما بأن معظم المناطق الزراعية الضخمة في العالم تعتمد علي حصاد وتخزين مياه الأمطار لسقي زراعتها، فمثلا ولاية كالفورنيا الأمريكية التي تجني من الزراعة أضعاف مايجنيه السودان من الزراعة لايمر بها أي نهر رئيسي، بل هي تعتمد إعتمادا كليا في ري مشاريعها الزراعية علي مياه البحيرات الصناعية وعلي حصاد مياه الأمطار.

قبل الحرب كان منظر أماكن بيع الشاي لستات الشاي, و الذي يتكون في معظم الأحيان من عريشة خيش قبيحة المنظر يتجمع حولها شاربي الشاي و القهوة, يعتبر منظرا قبيحا لا يلائم عاصمتنا، أضافة لانعدام وسائل النظافة في تلك ألأماكن و تمكن كل من تريد، سودانية كانت أم أجنبية، من نصب تعريشتها في أي مكان تريد وبدأ عملها في أي وقت تشاء. إن كان ذلك الوضع غير ملائم صحيا و جماليا لعاصمتنا فماذا نحن فاعلون؟
أعتقد أنه بعد انتهاء الحرب يمكن لولاية الخرطوم تنظيم تلك المهنة و السماح بممارستها لعدد محدد من السيدات و في أماكن محددة. فبدلا من تعريشات الخيش القبيحة المنظر يمكن للولاية بناء عدد من الأكشاك الصغيرة جميلة المنظر المزودة ببعض وسائل النظافة الاساسية و تأجيرها لستات الشاي لممارسة مهنتهن منها (يمكن أجراء مسابقة و اختيار أجمل التصميمات لتلك الاكشاك).

خلال سنين الإنقاذ العجاف التي سادت فيها الفوضى و السبهللية معظم مرافق العمل العام, حدث تدهورا مريعا لحال أسواق الخرطوم التي كانت جميلة و منظمة قبل ذلك، و ما حال سوق شارع الجمهورية الا مثالا صارخا لذلك الانهيار الكبير. كمواطن سوداني درس و تربي بمدينة الخرطوم قبل اغترابه منها، أصاب بغم شديد في كل مرة أضطر فيها لزيارة أي سوق بالخرطوم خاصة الأسواق القديمة منها كسوق السجانة مثلا. فقد أستغل أصحاب المحلات في تلك الأسواق انعدام الرقابة عليهم و لم يكتفوا بعرض بضائعهم داخل محالهم كما كان الحال عليه سابقا بل تغولوا علي عدة أمتار من الشارع العام قبالة محالهم ونشروا فيه بضاعتهم من سيراميك و مفروشات و أواني منزلية و غير ذلك. بسبب ذلك ضاقت الشوارع قبالة محالهم و أصبحت حركة المرور حول تلك الأسواق في غاية الصعوبة.

عند إعادة بناء و تعمير تلك الأسواق التي دمرت و حرقت و نهبت لابد أن تراعي الولاية عدم تكرار تلك الفوضى التي أشرت اليها أعلاه، ولابد أن تكون سلطات ولاية الخرطوم صارمة في تطبيق القانون علي كل من يتعدى علي سنتيمتر واحد خارج محله أو منزله حيث أن نفس هذا التعدي مارسه بعض سكان منازل ولاية الخرطوم الذي مددوا مساحات منازلهم و سوروا أجزاء من الشوارع و الميادين قبالة دورهم دون أي وجه حق.

نبهتنا الحرب لوجود مزارع كثيرة في أطراف الخرطوم يمتلكها بعض أثرياء المدينة وهي مزارع ذات قيمة مالية عالية و بعضها به استراحات فخمة و غير ذلك من وسائل الرفاهية، فهل يا تري تتحصل الولاية حاليا علي ضرائب من مالكي تلك المزارع تماما كما تجبي الدولة ضرائب شهرية من رواتب العمال و الموظفين ذوي الدخل المحدود؟ أيضا هل تفرض الولاية ضرائب علي المستشفيات الخاصة، الجامعات الخاصة و المدارس الخاصة التي تعج بها ولاية الخرطوم و التي تجني لأصحابها مالا كثيرا ؟ أشك في أنهم يفعلون! لو كنت في مكان صانعي القرار بالولاية لقمت بذلك فورا بعد انتهاء الحرب ولأستخدمك ذلك المال لتطوير المواصلات العامة التي تكاد تكون منعدمة في الخرطوم. فلا توجد عاصمة في معظم بلاد العالم (بما فيها بعض الدول الرأسمالية) لا تمتلك و تدير حكومة عاصمتها شركة مواصلات عامة تشمل اسطولا من الباصات الحديثة . قبل الحرب كان مواطني العاصمة المثلثة يعتمدون في تنقلهم علي وسائل مواصلات فردية بدائية مثل الرقشات و العربات الصغيرة و قد حان الوقت لتغيير ذلك والاعتماد علي سائل مواصلات عامة فاعلة. وفي اعتقادي أنه بعد رفد المواصلات العامة ببعض مال الضرائب المشار اليها أعلاه فيمكنها تغطية مصروفاتها بما ستجمعه من قيمة التذاكر من ركاب تلك الباصات.

رغم الدمار الشديد و القتل البشع الذي نراه اليوم منتشرا في الخرطوم فان المؤمن لايقنط من رحمة الله وهذا هو مبعث التفاؤل الذي سيتشعره و ربما سيدهش له قارئ هذا المقال . لكن الايمان بوعد الله تعالي بأن بعد العسر يسرا يجب أن نستصحب معه قوله تعالي (فاذا فرغت فانصب) أي أذا فرغت من أي عمل صالح فابدأ في عمل آخر يزيدك قربا له و ماتعمير الارض بعد خرابها الا من الاعمال التي ترضي الخالق. لذا فأن ثقتنا في وعد الله و رحمته تجعلنا أكثر يقينا بأن عاصمتنا ستعود أجمل مما كانت عليه. و بعد أعادة تعميرها بعونه تعالي ستنتشر في ربوعها الفراشات الملونة و الازهار الجميلة و ضحكات الأطفال الذين لم يولودوا بعد ولن تسكنها أبدا قطعان من القطط الضالة.

مدونتي:
https://hussein-abdelgalil.blogspot.com
/////////////////////////

 

آراء