عرض لكتاب ويلو جي. بيريدج “الإسلاموية في العالم المعاصر: نهج تاريخي” 

 


 

 

عرض لكتاب ويلو جي. بيريدج "الإسلاموية في العالم المعاصر: نهج تاريخي"

Islamism in the Modern World. A historical Approach by W.J. Berridge

  Amir Syed دكتور أمير سيد

ترجمة بدر الدين حامد الهاشمي

مقدمة: هذه ترجمة لعرض بقلم أمير سيد، الأستاذ المساعد بجامعة بنسلفانيا، لكتاب ويلو جي. بيريدج "الإسلاموية في العالم المعاصر: نهج تاريخي" الذي نشر عام 2019م في المجلد 105، العدد 366 من مجلة

History. Journal of the Historical Association.

وقد صدر هذا الكتاب عام 2019م عن دار نشر بلومزبيري البريطانية (وتُرْجِمَ للغة العربية، وهو الآن قَيْد النشر). ومؤلفة الكتاب هي الدكتورة ويلو جي بيريدج، التي تعمل محاضرة بقسم التاريخ بجامعة نيوكاسل البريطانية، وسبق لها أن درست وعملت في قسم التاريخ بجامعة درم البريطانية، حيث نشرت عددا من المقالات المحكمة عن تاريخ أجهزة الأمن والشرطة والسجون في السودان، ومقالا عن الثورة المصرية على نظام حسني مبارك.  وكانت قد نشرت أيضا عام 2017م كتابا عن دكتور حسن الترابي عنوانه: "حسن الترابي: سياسات الإسلامويين والديمقراطية في السودان. Hasan – al- Turabi: Islamist Politics and democracy in the Sudan."، ونشرت أيضا كتابا عن الانتفاضتين المدنيتين في السودان الحديث، عامي 1964م و1985م بعنوان: Civil uprisings in Modern Sudan.

ويعمل كاتب العرض – بحسب سيرته المبذولة في موقع قسم التاريخ بجامعة فيلادلفيا الأمريكية - كأستاذ مساعد زائر، وكان قد نال درجة الدكتوراه عام 2017م من جامعة ميتشغان – آن أربور.

المترجم

**********  *******

قدمت ويلو جي. بيريدج، في أربعة عشر فصلا، تحليلا متعدد الجوانب للإسلاموية. ومثل هذا الضرب من التحليل ليس شائعا في الأدبيات الأكاديمية المعاصرة. وركزت المؤلفة في تحليلها بالكتاب على تغاير الخواص وعدم التجانس، أكثر من التركيز على الروابط السببية والمفرطة التبسيط بين الفكر الإسلامي والممارسات قديما وحديثا. ولهذا أخذت الكاتبة في اعتبارها عددا كبيرا من التأثيرات الإيديولوجية الأخرى البعيدة عن الإسلام، والتي شملت الماركسية اللينينية والفاشية، وذلك لتفسير ظهور الخطابات والممارسات الإسلاموية في سياقاتها الكولونيالية وما بعد الكولونيالية.

وكانت المؤلفة قد أعدت كتابها هذا ليكون في الأساس كتابا دراسيا لطلاب المرحلة الجامعية الأولى (وطلاب الدراسات العليا. المترجم) ولغير المتخصصين من القراء. ويضم الكتاب مختلف جدالات ووجهات نظر الكثير من العلماء والخبراء الذين تناولوا الإسلاموية (في كتبهم ومقالاتهم)، وقوائما بالمراجع والقراءات الإضافية في المواضيع التي وردت بالكتاب.

وضم الفصل الأول من الكتاب نقاشا مستفيضا للأفكار الرئيسة المعاصرة وتعريفات لمصطلحاتها (التي وصفتها المؤلفة بأنها في حالة من الفوضى. المترجم) مثل "الإسلام الراديكالي" و"الإسلام السياسي" و"الأصولية الإسلامية" وغيرها. ورغم أن الكثير من هذه المصطلحات شديدة التداخل، إلا أن المؤلفة أبانت سبب تفضيلها لمصطلح "الإسلاموية"، والتي عرفتها بأنها تشير لنوع معين من "أدلجة الإسلام" بصورة تحوله إلى أداة سياسية جماهيرية (صفحة 3).

وتركز الفصول الثلاثة التالية على أمثلة مختلفة للتحولات في الفكر والممارسة الإسلامية قبل ظهور الإسلاموية في القرن العشرين. ففي الفصل الثاني أوضحت المؤلفة الخطوط العريضة لعدد من التعبيرات السياسية في التاريخ الإسلامي الباكر. وبسبب هذا التنوع والتغير، أوضحت بيريدج السبب في أن "أي جهد لتتبع أصول الإسلاموية في القرنين العشرين والحادي والعشرين وإرجاعها إلى الفترة التقليديّة (الكلاسيكية) للإسلام هو جهد محفوف بالمخاطر" (صفحة 13).

ونجد في الفصلين الثالث والرابع مقارنةً وتبياناً بين ظاهرتين تاريخيتين مختلفتين هما " الإحيائية / الصحوة الإسلاموية Islamic revivalism" و"الإصلاحية الإسلامية Islamic reformism". وعرفت المؤلفة "الإحيائية الإسلاموية" بأنها ردة فعل لأوجه قصور متصورة في المجتمع المسلم، وتحمل أفكارا تدور حول "تطهير الإسلام من العادات الدخيلة / المستوردة" (صفحة 30). أما "الإصلاحية الإسلامية" فهي – في نظر المؤلفة - قد ابتعدت عن "التركيز على الصحوة الداخلية"، وعوضا عنها جادلت الكاتبة بأن "ازدهار المجتمع الإسلامي سيعتمد على نجاحه في التَأَقْلَم على ذلك النوع من الحداثة الذي أحدثته أوروبا الصناعية في عهد ما بعد التنوير، والتكيف معه" (صفحة 45).

أما الفصل الخامس فقد تتبع بدايات الإسلاموية عبر تحليل لحياة حسن البنا، الذي أسس في عام 1928م جماعة الإخوان المسلمين. وفي تركيزها على أهمية السياق، كتبت أن "ظهور الشيوعية والفاشية ساعد بالتأكيد في تشكيل البيئة السياسية التي عملت فيها حركة الإخوان المسلمين" (صفحة 67).

أما الفصل التالي فهو يتناول، بصورة خاصة، مولانا أبو الأعلى المودودي، مؤسس الجماعة الإسلامية في الهند وهي تحت السيطرة البريطانية في عام 1941م، ويدور حول مفهومين هما: "الجاهلية" و"الحاكمية" (صفحة 92)، قام الإسلامويون لاحقا بإعادة تفسيرهما وتبنيهما.

ويدور الفصل السابع حول تأثر العديد من الإسلامويين (مثل البنا والمودودي) بالأفكار الماركسية – اللينينية. وسعت الكاتبة في هذا الفصل لاستكشاف السياق المعقد للتداخل الإيديولوجي من أجل تفسير الكيفية التي غدا بها الإسلام "أيديلوجية ثورية" (صفحة 106).

 أما الفصول الثامن والتاسع والعاشر فقد خصصتها المؤلفة لسيد قطب، وآية الله الخميني، وحسن الترابي، على التوالي. وبينما نجد أن كثيرا من الإسلامويين يستشهدون بسيد قطب بحسبانه صاحب نفوذ وتأثير أيديولوجي كبير في الدعوة للعنف، إلا أن بيريدج حاولت في كتابها أن تضع حياته في سياقها، بما في ذلك عضويته في جماعة الإخوان المسلمين.، وأتت كذلك على الدور الذي أداه التعذيب الذي ناله على أيدي السلطات المصرية في جعله شديد التطرف والراديكالية. واستخدمت ذلك التحليل لتذكير القراء بأن "الوحشية التي عومل بها سيد قطب تلقي الضوء على دور الدولة الكولونيالية وما بعد الكولونيالية في تشكيل الأجندة الشمولية للأيديلوجية الإسلاموية (صفحة 124). ومثله مثل قطب، كان الخميني قد تأثر أيضا بالكثير من مختلف الاتجاهات السياسية والفكرية، بالإضافة إلى صراعه مع نظام الشاه في إيران. غير أن ما يميز هذا الفقيه الشيعي عن معاصريه من أهْلِ السُّنَّةِ أنه حازَ قَصَبَ السَّبْقِ في إطلاقه لثورة إسلاموية أحدثت تحولات راديكالية على مستوى الدولة والمنطقة. وغدا حسن الترابي شخصية مهمة باعتباره يمثل السياسة الإسلاموية في السودان منذ ستينيات القرن الماضي، وصار لعقود بعد ذلك هو الشخصية المفتاحية الرابطة في عملية تصدير الأيدولوجيات الإسلاموية للخارج. وعلى الرغم من أن كل تلك الشخصيات، التي يتم تعريفها على أنها "إسلاموية"، إلا أن الفصول الثلاثة تلك تلقي الضوء على مواقفهم الإيديولوجية المختلفة، والتي تعطي إشارة إلى ظروفهم السياسية المتفردة والمتغيرة.

وتسْتَطْرَدَ المؤلفة في الفصل الحادي عشر في ذكر العلاقة المعقدة بين "النسوية" و"الإسلاموية". وتزعم المؤلفة بأن عالم السياسة الإسلاموية لم يكن قط عالما ذكوريا خالصا، – فالنساء كن دوما عضوات مناصرات وفاعلات (ومعارضات أيضا) للإيديولوجية الإسلاموية (صفحة 167).

وفي الفصلين الثاني عشر والثالث عشر توسعت الكاتبة في "الكيفية التي ظهرت بها الجماعات الإسلاموية "المتطرفة" في العقدين ونصف الماضية من القرن العشرين، وهي تسعى جاهدة لتعبئة وحشد المسلمين العاديين من أجل إحداث انفصام راديكالي عن النظام السياسي – الاجتماعي القائم" (صفحة 179). وأرجعت المؤلفة تلك التحولات إلى أحداث عديدة وقعت في الفترة التي أعقبت عام 1979م، منها الصراع في أفغانستان في الثمانينيات، وأتت بمقارنة وتباين بين الجماعات المختلفة مثل طالبان والقاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية.

أما الفصل الأخير من الكتاب فتذهب فيه المؤلفة إلى أن إمكانية مثيرة للاهتمام وهي أننا قد وصلنا لمرحلة جديدة هي مرحلة "ما بعد الإسلاموية Post-Islamism". ولاحظت بيريدج أن "ليس كل حركة إسلاموية في الأربعين عاما الماضية أو نحو ذلك كانت قد كرست كل جهدها من أجل قيام حكم الشريعة عبر ثورة متطرفة التوجه" (صفحة 217)، بل صارت بعض تلك الحركات جزءًا من النظام القائم.

وبينما يوضح هذا الكتاب بجلاء أن "الأيديولوجية الإسلاموية ليست شيئا واحدا، خاليا من التنوع" (الصفحة الأولى)، فإنه يقوم أيضا بوضع الأساس اللازم لطرح مزيد من الأسئلة الاستقصائية. فعلى سبيل المثال ذكرت المؤلفة أن "حسن الترابي ... قد استوعب المعارِف الكولونيالية الغربية إضافة للمعارِف الإسلامية التقليدية – بقدر مماثل - خلال أيامه (الباكرة) في السودان. لذا فإن نظرته الكونية للإسلام مستلهمة مما جمعه من الفكرين، وهو في ذلك يشابه المودودي" (صفحة 151). ويؤكد هذا المُقتبَس بوضوح على أن الحداثة الكولونيالية جلبت معها شروطا وأوضاعا جديدة لظهور أمثال أولئك المفكرين النشطاء الذين لم يكونوا مقيدين بطبقة علماء الدين التقليديين، بل كانوا قد استوعبوا الأيديولوجيات المنافسة الأخرى. ويمكن النظر التحليلي هنا لاستكشاف كيف أن تلك الأيديولوجيات قد غيرت بصورة جذرية أساس مواقفهم المعرفية والاِجْتِهَادِيّة والتأويلية، مقارنةً مع مصادر الإسلام الرئيسية نفسها. إن فهم تلك التحولات قد يساعدنا في تحسين فهمنا للانقطاعات التي حدثت مع الماضي، وأن نحلل بصورة أكثر حرصا تكوين (طبقة) نخب جديدة يؤدون دور المفسرين الدينيين لأغراض سياسية محددة. ولعل هذا يتطلب تحليلا أكثر عمقا وإِحَاطَة مما يهدف إليه هذا الكتاب (الدراسي). وقد يساعد مثل ذلك التحليل في التوسع في شرح بعض ما ورد في الكتاب من عبارات، مثل "إن الروحانية الصوفية تتطلب من متبعيها السعي للاتحاد مع الجوهر الإلهي. وأفضى هذا عمليا لزرع مقاربات ونُهُج باطنية (syncretic) تجاه المعرفة الإسلامية تختلف عن المعتقدات التقليدية (orthodox) للعلماء" (صفحة 21). على أنه، وعبر التاريخ الإسلامي، كان كثير من علماء الدين هم من المنتمين للصوفية، ومثل ذلك النوع من التفريق الجازم ليس موجودا دائما في التاريخ الإسلامي. وهنالك مثال مشابه ورد في صفحة لاحقة من الكتاب (صفحة 149): "وفي السودان أقامت الطرق الصوفية القديمة لها علاقات تآلفية، إلى حد كبير، مع الثقافات المحلية... وبدأت في الظهور في غضون القرنين الثامن عشر والتاسع عشر أشكالا أكثر تقليدية من الإسلام" (صفحة 149). وليس من الواضح ما المقصود هنا بكلمتي "باطنية" و"تقليدية". وبدون شرح أو تعليق على الكلمتين فمن الخطورة أن يعاد تصنيف الإسلاموية، وهذا كثيرا ما يخدم غرضا إيديولوجيا، وقد لا يعكس بصورة دقيقة العلاقات التاريخية.

وعلى الرغم من هذه النقاط (الناقدة) والتحليل الإضافي والتوضيحات، إلا أنني أرى أن هذا كتاب متفرد ومتميز، وسيجد له قُرَّاءً كُثراً، وسيدفع الكثيرين للتفكير بصورة أكثر تاريخيةً في مسألة الإسلاموية حتى يعملوا على إضافة تفسيرات ومنظورات جديدة للأحداث الجارية الآن.

******     *****    *****

أشكر الدكتور مصطفى أبو شيبة على إرساله لي نسخةً من هذا العرض.


alibadreldin@hotmail.com

 

آراء