مقتطفات من كتابي ( شتات يا فردة ) دار جامعة الخرطوم للنشر _ 2003
ombaday@yahoo.com د. عمر بادي هنـالك كتاب عربـي أثري غير معروف على نطاق واسـع عـند العـرب يسـمى ( الروض العطر ونزهة الخطر) لمؤلفه الشيخ عمر بن محمد النفزاوى التونسي الذي ألفه في القرن السادس عشر(عام 925هـ) , وهو كتاب مخطوط منسوخة منه بعض النسخ , وقد كتبه مؤلفه خصيصاً للوزير محمد بن عوانه الزناوي وزير حاكم تونس التركي آنذاك. قبيل عـام 1850م عثر ضابط فرنسي كان يعمل بالجزائر على نسخة من هذا المخطوط العربي القديم وقام بترجمته إلى اللغة الفرنسية في العام المذكور أعلاه . بعد ذلك تلقف السير ريتشارد بيرتون هذه الترجمة الفرنسية وترجمها إلى اللغة الإنجليزية بإسمThe perfumed garden (أي الروض العطر) . هذا الكتاب عبارة عن دراسة علمية أنثروبولوجية فيزيولوجية سيكولوجية عن علاقة الحب والجنس بين الأزواج وعن الحمل والأجنة , فهوكتاب علمي يشبه في موضوعه كتاباً أثرياً سابقاً له هو كتاب ( كاما سوترا ) لمؤلفه فاتسيانانا الهندي . لقد لقي كتاب الشيخ النفزاوي هـذا رواجاً منقطع النظير بعد ترجمته في الغرب , وقد أعيدت طباعته حوالي العشرين مرة منذ العام 1963 م وحتى الآن . أذكر وأنا طفل كانت لنا جارة إسمها (عطور) وكنت أسمع والدتي تشيد دائماَ برائحتها العطرة , لقد كانت حقاً إسماً على مسمى , (عطور) هو إسم جميل ودلالته جميلة , فلماذا ليس هو بمتداول , ولماذا لم يحظ بالإنتشار؟ العطور عادة إما سائلة أو في شكل بخور , فالعطور السائلة تصنع بطريقة التقطير من الأزهار , وقبل أن تساعد تكنولوجيا الصناعة في ذلك كان الأقدمون يعرفون ماء الورد الأقل تركيزاً والذي كانوا يضعونه في أحواض الحمامات فيعطر الأجسام , وكذلك كانوا يعرفون المسك , وقد حضّنا الدين الحنيف على التطيب في الأعياد وفي صلوات الجماعة . لكل عطر نوع أو أنواع معينة من الأزهار ولذلك إختلفت روائح العطور عن بعضها البعض ، كذلك تختلف درجة التركيز فيها فهناك الخفيفة مثل الكولونيا التي تستعمل بعد الحلاقة أو للإنتعاش , وهناك المركزة التي تستعمل كعطر للرجال , وهناك الأكثر تركيزاً التي تستعمل كعطر للنساء . أما عن أسعار العطور فتتفاوت مابين المنخفض والمنفلت السعر . قيمة العطر تكون غالباً في إسمه التجاري وفي بلد المنشأ , فالعطور الباريسية من أغلى العطور لأنها نتاج خبرة طويلة في هذا المجال وتوصلت عبر الأبحاث الصناعية إلى روائح مركزة متفردة تعتبر كأسرار صناعية لتلك المنشآت لا تبوح أبداً بنسب الخلطات والإضافات فيها ، ولكل منشأة أمنها الخاص ولها مخابراتها , فسرقة الأسرار الصناعية تكون أكثر إيلاماً ووقعاً من سرقة الأسماء التجارية وتحريفها حتى لا يطالها القانون . إن باريس هي عاصمة الجمال والأناقة والإتيكيت منذ سنوات عدة فموضات الأناقة الصيفية والشتوية تظهر من بيـوتات الأزياء في كريستيان ديور وبيير كاردان وتيدلا بيدوس و سونيا راكيل . أعود إلى كتاب ( الروض العطر) آنف الذكر , وكدليل على علمية الكتاب فقد ذكر الشيخ عمر بن محمد النفزاوي أن الرجل يمكن أن يثيره نوع من العطر إذا إستنشقه فتتفاعل غريزته مع ذلك , وهذه العطور المثيرة تتفاوت في أنواعها بتفاوت الرجال . هذه الحقيقة العلمية إكتشفتها جداتنا منذ أجيال وذلك بما أنتجنه من خلطة عطرية عجيبة ومثيرة منذ إستنشاقها من الوهلة الأولى , وهي الخلطة العطرية المعروفة بإسم الخُمرة (بضم الخاء طبعاً) , إنها خلطة مثيرة حقاً ! وياليت يتقدم أحد المستثمرين ويفكر في إنشاء مصنع يأتي إليه بالنساء الخبيرات في خلطة عطر (الخًمرة) العجيبة ثم يقوم بإنتاج قوارير عطرية (للخُمرة) يغزو بها العالم وأنا أضمن له النجاح في مشروعه الإستثماري هذا ! هذه الخلطة العجيبة ذات التأثير الجنسي خير من كثير من العقاقير وآثارها الجانبية القاتلة , وأيضاً خير من (الزلّوع) النبات اللبناني والذي تعرّف عليه الرعاة من تأثيره الواضح على التيوس . أمـا عـن العطور التي في شكل بخور فهي متنوعـة وأشهرها بخور ( التيمان ) وهو بخور يعطر الملابس , والمسك يدخل في تكوينه وبعض النساء يعطرن به فناجيل القهوة , أما عن بخور الجسد فهو معروف (بالدخان ) وهو دخان نوع معين من الأخشاب هو الشاف أو الطلح , وهو يعطر الجسد وينديه وذلك لما له من تأثير مشابه لتأثير حمام الساونا , ولذلك تكون المرأة في غاية الراحة جسدياً ونفسياً بعد قيامها من (حفرة الدخان) , وهذه الحفرة إستحدثها قاطنو الشقق فأبدلوها بـ( بلوكة ) البناء الإسمنتية . هذا الدخـان النسائي هو سوداني مئة بالمئة وهو أيضاً من إكتشاف حبوباتنا . حقاً إن المرأة السودانية هي الأكثر إعتناءً بنفسها من أجل شريك حياتها دون كل النساء الأخريات. سأروي لكم حكاية . في إحدى دول الإغتراب شرعت الزوجة المصون أثناء خروج زوجها في عملية الدخان الذي عم كل الشقة وخرج يتلوى من فتحات الباب بينما هي جالسة مغطاة ببطانية ثقيلة , وأثناء ذلك خرج جارهم البريطاني من شقته المجاورة ورأى الدخان فصار يضغط على الجرس وينادي الزوج في إنزعاج بادِ , ولما لم يتلق رداً تناول مطفاة الحريق من الممر وإقتحم الشقة , لكنه تسّمر في مكانه لما رأى الحرمة المصون جالسة في هدوء لا يبدو سوى وجهها وهي تقول له: (( نو بروبليم )) , إستدرك الجار الخواجة الأمر فهزّ رأسه وتحرك خارجاً وهو يـردد باسماً:(( أوكي ، أوكي نو بروبليم , هاها )) يقول المغني: (( الدخان والدلكة , خلّن قلبي لكّة )) .