عكسية العلاقة ما بين طموح الشعب السوداني و خنوع النخب

 


 

طاهر عمر
6 September, 2022

 

الشعب السوداني حيوي و طموح و مواكب يحس بالتغيرات التي تصاحب المجتمع على مر الأيام و يطمح دوما أن يكون في المقدمة و يسير ليلحق بمواكب الانسانية و هذا يفتح على الأحداث التي حاول فيها الشعب السوداني جاهد أن يشب عن طوقه و يلحق بمواكب الشعوب المتقدمة و الغريب أن جبار الصدف الذي يقف حائلا بينه و تحقيق مراميه هم نخبه التي لم تعطي أي مؤشر على أنها على مستوى عالي من المسؤولية الاجتماعية و عبرها يمكن تنظيم حركة المجتمع.
ليس غريب أن يكون المثقف السوداني أكثر تقليدية و قد تجسدت في تقليدية المؤرخ السوداني العاجز عن قرأة مؤشرات طموح الشعب و كيف يستطيع إعمال المعجل أو المسرع اذا كان مؤرخ متسلح بأدبيات الفكر الاقتصادي و لكن كان نصيبنا مؤرخ تقليدي بينه و النظريات الاقتصادية حاجز نفسي يجعله في خصومة مع أي نوع من المواكبة التي تفتح على العلوم الانسانية و تقدح شرارة عقل مؤرخ يكون ملم بالنظريات الاقتصادية و تاريخ الفكر الاقتصادي و آخر ما توصل له علماء الاجتماع. لهذا كان السياسي السوداني و ما زال متغير تابع لمؤرخ تقليدي غير مستقل و اذا بالحال يفتح على عجز النخب السودانية و هي تغوص في وحل فشلها الذي يأبى أن يزول.
السياسي السوداني صورة مشوّهة للمؤرخ السوداني العاجز أن يكون مؤرخ و عالم اجتماع و اقتصادي و فيلسوف كما رأينا حال الشعوب الحية كيف تقدم خيرة عقولها في زمن الأزمات التي تحاصر الشعب كحالنا الآن و يتبعهم قانوني سوداني من عبدة نصوص عقل القرون الوسطى التي ما زالت لا تؤمن بأن الانسان هو الغاية و بالتالي قد أصبح مركز الكون و قد دخلنا في عصر تأليه الانسان و أنسنة الإله.
نضرب مثل على ذلك أن أفكار ماكس فيبر هاهي يمر عليها القرن و ما زالت سيدة الموقف لأنه كان عالم اجتماع و مؤرخ و اقتصادي و قانوني قد أدرك بأن العقلانية و الأخلاق ما يفرز الناخب الرشيد و المستهلك الرشيد و كان سهلا عليه أن يتحدث عن عقلانية و رشاد الرأسمالية التي يشيطنها عقل النخب السودانية التي ما زالت أسيرة أيديولوجيات متحجرة لا تفرق ما بين يسار الرأسمالية و رأسمالية متوحشة يحاربها فلاسفة و علماء الغرب نفسه إلا أنهم يفرقون ما بين الوقوع تحت نير أيديولوجية متحجرة و بين كيف تفتح مسيرة الانسانية على اللا نهاية.
و قبل ماكس فيبر قد تحدث توكفيل عن الديمقراطية الامريكية و كيف كانت ثورة الديمقراطية نتاج تحول في مفاهيم الارستقراطية و أرباب العمل فيما يتعلق بالمسؤولية الاجتماعية و كيف تكون مسؤولية المجتمع نحو الفرد و منها قد تولدت فكرة الضمان الاجتماعي و لم يكن ذلك بيسير بغير ترسيخ فكرة المساواة و ها هي أفكار توكفيل على مدى قرنيين من الزمن تتطور لتصبح متجسدة في فكرة الضمان الاجتماعي و قد نتجت عنها فكرة الاقتصاد التشاوري الذي قد أصبح صفة ملازمة لاقتصاد فرنسا و قد تولدت عنه فكرة الحد الأدنى للدخل و قد طبقها فرانسوا ميتران في مطلع ثمانينيات القرن المنصرم متأثر بالنظرية الكينزية.
و يمكننا ان نتسأل كيف استطاع ميتران أن يصل لفكر يجعله متصالح مع الكينزية مع أنه أشتراكي؟ و هذا سؤال موجه لنخبنا أسيرة شعارات لن يحكمنا البنك الدولي و غيرهم ممن تقطعت بهم السبل في فكر متكلس لا يريدون مفارقته متوهمين بأن إضطراد العقل و التاريخ سوف يفتح على نهاية التاريخ و انتهاء الصراع الطبقي في وقت قد أصبح البديل هو كيفية مجابهة الظواهر الاجتماعية بفكرة أخلاقية و عقلانية الفرد و هي نتاج عقلانية الرأسمالية التي تحدث عنها ماكس فيبر.
قد يخطر ببالك أيها القارئ خاطر و هو مالنا و ماكس فيبر و توكفيل فانهم قد فكروا لمجتمعت تاريخها الاجتماعي و تاريخها الاقتصادي يختلف عن تاريخنا بشقيه الاقتصادي و الاجتماعي و هذا الخاطر قد عبده و أبده المثقف السوداني الفاشل الذي يتحدث و هو يجهل أن الظواهر الاجتماعية سواء كانت في الغرب أو في الشرق لا يمكن ضبطها بغير معادلة الحرية و العدالة و هي صالحة لضبط أي مجتمع بشري.
لكن نخبنا الفاشلة التي ما زالت تتحدث عن إمكانية المصالحة ما بين العلمانية و الدين و المصالحة ما بين الاشتراكية و الرأسمالية و الاصالة و الحداثة تتهرب دوما من حقيقة أن تجربة المجتمع الغربي قد قدمت مختصر تاريخ الانسانية و لا طريق غيره لأن الحداثة واحدة و على المثقف التراجيدي السوداني أن يكف عن نشر جهلاته إذا استمع لنصيحة عالم الاجتماع هشام شرابي و هو يؤكد بأن تجربة الغرب مهمة و على النخب في العالم العربي و الاسلامي كمجتمعات تقليدية دراسة تجربة الغرب و تطور الفكر في الغرب و لا سبيل للخروج من أحزاب اللجؤ الى الغيب و أوهام الايديولوجيات المتحجرة بغير الاستفادة من تطور الفكر الذي قد فتح على الازدهار المادي في الغرب و على النخب السودانية أن تفرق ما بين خيانة أوروبا للتنوير و ما قدمته من فكر يجسد عقل الأنوار و قد أصبح جزء من ميراث الانسانية و يمكننا إستلافه لكي نخرج من فشل النخب السودانية و يحق لنا إستلاف موروث الانسانية لأن الشعب السوداني من الشعوب العريقة و قد قدم للانسانية عبر تاريخه الطويل قيم كثيرة قد أصبحت جزء من موروث الانسانية المشترك.
عكسية العلاقة ما بين طموح الشعب السوداني و خنوع نخبه قد جسدها تبديد النخب الفاشلة لثورة ديسمبر المجيدة و قد جاءوا عقب ثورة عظيمة كثورة ديسمبر بمستوى وعي متدني لا يميزهم عن الكيزان في شئ و دليلنا على ذلك تكالبهم على المناصب و المحاصصة على قسمة السلطة بين أحزابهم التي تحتوي على فكر قديم مما جعلهم يتوهمون بأن ما تركته الانقاذ من ركام يمثل دولة و ما عليهم غير التكالب على المناصب.
جاءوا بعقل نخب قد تخرجوا من لجان الطعام و أركان النقاش و اتحادات الطلاب التي تمثل حراك المجتمعات التقليدية لهذا جاءوا بالسياسي الذي ما زال منبهر بخلق العبارة و تعوزه ريادة الفكرة. جاءوا من أحزاب تنطلق من العرق و الدين كحزب البعث و أحزاب الطائفية من أتباع المرشد و مولانا و الامام و السلفيين.
في وقت كنا نحتاج لسياسي مدعوم بمؤرخ غير تقليدي و خلفه مراكز البحوث و ليست ثقافة لجان الطعام و أركان النقاش و اتحادات الطلاب و وعي متدني لا يفصل ما بين الكوز و المعارض للكوز ما الفرق بين الكوز و البعثي و حزب الامام و مولانا كلها أحزاب تنطلق من العرق و الدين؟ ما الفرق بين الكوز و من يدعو للمصالحة ما بين العلمانية و الدين؟ ما الفرق بين الكوز و من يدعو للحديث عن الأصالة و الحداثة لا فرق.
لهذا نقول أن إنزال شعار ثورة ديسمبر على أرض الواقع يحتاج لفكر جديد و مفكر غير تقليدي و مؤرخ غير تقليدي و مثقف غير تقليدي.
محزن جدا أن يكون الشعب السوداني طموح للتحول الاجتماعي و التحول الديمقراطي و يمتاز على بقية شعوب المنطقة و اذا أردت أن تعرف طموح الشعب السوداني قارنه بالشعب المصري الخانع للدكتاتوريات و محزن جدا أن تقف النخب السودانية عاجزة امام تحقيق طموح الشعب السوداني في سيره لتحقيق التحول الاجتماعي و بالتالي التحول الديمقراطي.
الفرق بين مصر و السودان شعب السودان طموح للتحول الديمقراطي و الشعب المصري خانع و نخب مصرمتقدمة على نخب السودان نأخذ منهم فكر الاقتصادي المصري جلال امين ماذا حصل للمصريين؟ في فكره كيف يوضح أن مصر اليوم دولة ذات أفق مسدود و لا يمكنها الخروج من متاهتها بغير أن تصبح دولة صناعية و قد عجزت أن تكون و نحن نقول أن السودان بحكم موارده يستطيع أن يكون دولة صناعية و لكن نخبه دون المستوى و يفضحها المؤرخ التقليدي و المثقف التقليدي.
لذلك نجد أن الشعب السوداني دوما متقدم على نخبه التقليدية و آفة الشعب السوداني نخبه التقليدية. و في الختام نذّكر النخب السودانية بما قاله توكفيل قبل قرنيين من الزمن بأن ثورة الديمقراطية كانت نتاج التحول في أفكار الارستقراطيين و الطبقات الوسطى و البرجوازية الصغيرة فهل تركت النخب السودانية جهلها المتجسد في شتم البرجوازية الصغيرة؟ و من أفكار توكفيل بأن المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد و فكرة المساواة هي ما جعلت الفرد يبحث عن مصالحه و بالتالي كان الطريق سالك للازدهار المادي.
و عليه نقول ما يؤكد حال المجتمع الآن و هذا ما يشغل مراكز البحوث الآن في المجتمعات الديمقراطية أن المجتمع اليوم هارب من الفرد و لكن بفضل ميراث عقل الأنوار يحاولون ضبطه من جديد وفقا لمعادلة الحرية و العدالة فهل تحينت النخب السودانية الفرصة الآن لكي يولد السودان مع ميلاد العالم الذي يتخلق ليولد من جديد؟
أكيد الاجابة نعم و لكن بفكر مثقف ليس نتاج لجان الطعام و أركان النقاش و اتحادات الطلاب التي ما زالت تبحث عن خطاب ديني بديلا لخطاب الكيزان و العالم قد أيقن بأن دولة الارادة الالهية قد ولى زمانها و أن أحزاب الطائفية و السلفيين كأحزاب تنطلق من الدين قد ولى زمانها و أن أحزاب البعث التي تنطلق من العرق قد ولى زمنها و أن السياسي الذي تشغله فكرة خلق العبارة و تعوزه ريادة الفكرة قد ولى زمانه.
نحن في انتظار سياسي يقف من خلفه و يدعمه المؤرخ المتسلح بالفلسفة و تاريخ الفكر الاقتصادي و النظريات الاقتصادية و علم الاجتماع. المؤرخ الذي ينتج لنا فكر بعد أن يتطلع على أفكار تاريخ الذهنيات و فكر يساعدنا أن نفهم كيف تتم القطيعة مع التراث القريب منه قبل البعيد؟

taheromer86@yahoo.com

 

آراء