عندما يكذب القادة

 


 

 

لم نُفِق من صدمة انقلاب الخامس والعشرين من اكتوبر والإجراءات التي رافقت نُزُولُهُ إلى دنيانا التي تغيرَت بعد الثوره والمتمثّله في أغلَبِها فقط في الحرّيّةِ التي تنفّسناها بعد قمعٍ طويل. فاجأتنا قوات أمنيّه بتنفيذ اعتقالاتٍ بطريقةٍ عنيفه خبرناها جيداً وعايشنا أساليب منفّذيها بسلوكٍ يُجافي قواعد الإنسانيه والرجوله والأخلاق في عمومها وأخلاقنا كسودانيين. تأكّدَ لنا من قراءة الواقع البائس ذاك ان كل أجهزة امن الإنقاذ من طلابيه وشعبيه ودفاع شعبي وشرطه شعبيه وما خُفِيَ قد فُعّلَت وعادت الى العمل بوحشيّةِ من لهُ ثأرٌ تجاه اهل هذه الثوره التي ، ظننّا أنّها ، اقتلعتهُم وقضت على وجودهم وعلى موارد الدوله التي ظلّوا يغرفون منها ما شاء لهم.

وقَفَت الكثير من العراقيل في وجهِ إستكمال اهداف الثوره وأهمّ هذه الأهداف هي الأهداف المتعلّقه بالأمن . عندما عَبّرَ العسكر عمّا في دواخِلِهِم وخَطوا ناحيةِ إنقلابِهِم ظهرت من فَورِها هذه الكائنات التي أعمت قلوبِها الأحقاد والغبائن فأُطلِقَت من عِقالها لتُمارس ثقافتها وغِلّها.

عندما بدأت المواكب في التّحرُّك لاحظنا جميعاً الإختلاف في التّعامُل والسلوك اللّذَينِ كانا سائدَين بعد نجاح الثوره وحتى الخامس والعشرين من اكتوبر. هُنا ظهَرَ الاداء الذي كان مُصاحِباً لأداء القوات الأمنيّه إبّان الثوره. يُعَضّدُ كلّ ذلك ما شاهدناهُ على الأرض في كل المواقع في المدن الثلاث وهو البكاسي بدون لوحات وحمولتِها من المدنيين المدَجّجين بالسلاح ثُمّ البكاسي التي تحمل قوات في أزياءٍ رسميّه وبينهم مدني او إثنين يلُفّونَ وجوههم بالعمائم. السقوط الأخلاقي الذي مارسهُ بعض القاده إبّان الثوره بجعل الزي الشرطي مُتاحاً للقَتَلَه هذا الزي الذي لم يُجمع بعد ذلك ويُحَرّز بل تُرِكَ في الأيدي غير الأمينه لتعبث به وترتكبُ باسمهِ أبشع الجرائم في مواجهة أنبل شعب أُخرِجَ للناس. طفا الى السطح ، مرّةً اخرى ، قنص الثوار ولإستكمال هذا الجزء الحزين من المشهد يجب ان يكون وسط المتظاهرين أفرادًا من الأمن يتواصلون مع القناصين بأجهزة إتصال لاسلكيّه أو حرَكيّه ( بالإشاره ) لتصَيُّد الناشطين والقاده. ومن السلوكيات الجديده مُداهمَة الثوار وهُم في طريقهم إلى اماكن التجمعات وتشتيت شملِهِم قبل التجمّع وإلقاء القبض على اكبر عدد ممكن ودُخول البيوت وضربِها بالغاز دون مراعاةٍ للمرضى والسيدات والأطفال واستباحَةِ المَشافي وهذه السلوكيات ما كان لها ان تحدُث دون أن يكون وراءها جهازٌ أمنٍ مُتَمكّن يؤمِنُ بالفكره ولهُ باعٌ طويل في التفكير المريض الذي لا يخرج عن صندوق الأذى.
من الواجبات الاساسيه للشرطه هي ( حماية وتأمين ) المواكب لا يهُم كونها ، المواكب ، مع النظام الحاكم او ضدّهُ لان الشرطه يُفترض فيها الحياد وخدمة الشعب والوطن وحفظ الأمن وليس حفظ النظُم الحاكمه والتذلل لها وخدمة اهدافها وهذا ما رَمَت إليه الانقاذ ومكّنتهُ في نفوسِ هذه القوات وقياداتِها ومن المؤسف ان يستمر هذا السلوك حتى الآن.

الأخ مدير الشرطه يُقِر بأنّهُ لم تكن على الأرض اية قوات خلاف الشرطه هذا ( التلقين ) الذي نطق به يُكَذّبُهُ الواقع ويؤيد حديثنا عن إعدادِ هذه القوات وقياداتِها لتكونَ بوقاً للسُلطان الّذي لم يتّعِظ بما حدَثَ لسُلطانٍ لهُ بتاريخٍ قريب ومديرٍ لم يتّعِظ بما حدث لزميلٍ لهُ عندما ردّدَ ما أملوهُ عليهِ فضاقت عليهِ الدُنيا والأرض بما رحُبَتا فصارَ يتمنّى لو لم يكن قد وُّلِد.

عندما يكذب الشخص مَرّةً فإنّهُ يسقُطُ من حسابات الإخَرين للأبَد. عَقِبَ احداث القتل والجراح والعنف الاخيره كُرّمَت الشرطه تكريمًا أعتبِرَهُ شخصيّاً إهانه. تكريم هذا الجهاز إن أتى بيد الشعب فهذا ما أفخرُ به ولو تمّ بتجمّع ثلاث من شباب الثوره أمام منزلها وهتفوا باسمها وهم يحملون شعارات كُتبت بايديهم على قطعة كرتونٍ بالٍ تشي عن فَقرِهِم وضيقِ ذات يدِهم. الآن مَن الذي كرّمَهُم ثمّ اعطاهم من مال الشعب الذي قسوا عليهِ وكذبوا في حَقّهِ وهُم يرفعون ايديهم بعلامات النصر . عندما يُعلن القاده لوسائل الاعلام أنهم بُرءاءُ من الدماء التي أسالوها ويُلقون بالجُرم على الشرطه يبقى كل هذا المسرح الذي يَضِجُّ بكل ما هو قبيح لا يشبه هذا الشعب العظيم. ( مواقف ) القاده هي التي تصنع لهُم الإحترام والتمجيد وقطعاً ليس ما يحمِلونهُ على أكتافِهم من نُجومٍ تظلُّ كسيرَةً خَجِلَه في هوانِها ذاك.

شاهدتُ فيديو يستجوبُ فيه أحدهُم إحدى بناتِنا ويصِفُها بأنّها ليست ( بنت ناس ) وبنات الناس لا يخرجون إلى الشارع ويضرِبُها بالكف - أي واللهِ - وسمعتها تقولُ لهُ ( نحن خرجنا للشارع من أجل ان يكون لك ولأمثالك كينونه ). أقولُ لأُختي هذه انّ مثل هذا الشخص لن يفهم ما تفضّلتِ به عليه وأقول اننا خرجنا وسوف نخرُج لئلّا يكونُ لهُ ولمثلهِ مكانٌ بيننا في سودان الغد الذي خرجنا من أجلِهِ وغداً سوف تُشرِقُ شمسٌ جديدةٌ يا أختاه نُطفَتُها تخلّقّت من وقائعِ تعذيبك وأصحابك وصويحباتِك. لا تبتئسي فيمينهُ التي امتدّت إليكِ ليست يد رجال ولا تُشبِه ايادي رجال وطنِك الذي تسعي أنتِ من أجلِه

melsayigh@gmail.com

 

آراء