عن كسل السودانيين ثالثا و رابعا .. بقلم :د. عمر بادي

 


 

د. عمر بادي
4 September, 2011

 


عمود : محور اللقيا
الآن و بعد إنقضاء عطلتي السنوية اعود للرد على ما أرجأت من رسائل في  بريدي الإلكتروني . كخلفية للقاريء غير المتابع , لقد كنت قد كتبت قبل شهرين تقريبا مقالة بعنوان ( السودانيون و خصلة الكسل المنسوبة إليهم ) أبنت فيها في سرد متسلسل أن بداية الإنطباع عن كسل السودانيين كانت في الأفلام المصرية القديمة من النوع الأبيض و الأسود , حيث كان البواب أو الطباخ النوبي هو الشخصية الكوميدية المجسدة للكسل و النوم – مع أن كل من يزور مصر يرى أن البوابين و الطباخين هم الأكثر عملا – حتى صارت تلك الشخصية نمطية فيما بعد على نفس شاكلة المعنى الأول في كثير من الأفلام و المسرحيات المصرية و صار من يمثل تلك الشخصية معروفا بإسم ( عثمان ) الذي تحول في نطقه إلى ( عصمان ) , و مع ان تلك الشخصية كانت تجسد النوبي المصري فإنها ربما بعامل اللون و الإشتراك الحدودي قد تم وصمها بالسودانيين خاصة المتواجدين في منطقة الخليج , و صار ( عصمان ) هو الشخصية المحورية عند تأليف النكات عن كسل السودانيين !
لقد زيد على ذلك محاكاة السودانيين في مط الحروف , مع ان معظم السودانيين بريئون من ذلك , و كل ما في الأمر أن ذلك كان قد ورد في مسلسل ( طاش ما طاش ) الرمضاني قبل أكثر من عقد من الزمان ! ثم أتت النكات تترى عن كسل السودانيين ! لقد أوردت دفاعا عن أبناء جلدتي أدلة دامغة تضحد مقولات الكسل و تؤكد على نشاط السودانيين و كدهم في دول الخليج , و ضربت أمثلة بالذين يعملون في البقالات و المحلات التجارية لساعات طوال تمتد منذ الصباح و إلى منتصف الليل , و كذلك الذين يعملون ( سواقين عوايل ) حيث لا مواعيد عمل محددة لهم , و أيضا الذين يعملون في مهنة التدريس الشاقة , و الذين يعملون كرعاة للإبل و يسيرون معها طوال اليوم بأرجلهم .
في مقالة لي أخرى أوردتها بعد ذلك بعنوان ( لا زال الترويج لكسل السودانيين مستمرا ) سردت أمثلة عدة عن دور الخبراء السودانيين المدنيين و العسكريين الذين تم إنتدابهم بواسطة البريطانيين لوضع أسس و نظم الإدارة في البلديات و الدوائر الحكومية في الدول الخليجية منذ النصف الثاني من القرن الماضي . لكن و في العقود الأخيرة و مع سؤ الأوضاع في السودان تمت هجرة الطبقات الدنيا في المجتمع إلى دول الخليج , و المعروف أن هذه الطبقات هي الأقل تعليما  بحكم إرتباطها بالأرض زراعيا و رعويا . كان ذلك مدخلا للدعايات المغرضة عن كسل السودانيين التي بدأت تبثها في فقراتها الإعلانية بعض الإذاعات المسجلة في دولة الإمارات العربية المتحدة و ذكرتها بالإسم , و ان وراء ذلك تشويها لسمعة السودانيين حتى يتم إبعادهم عن التنافس في سوق العمل , و ذكرت أنه ربما يكون قد فات هذا الأمر على المسؤولين ذوي النوايا الطيبة الذين إعتبروا الأمر مجرد فقرة إعلانية مرحة !
الرسالة الإلكترونية الأولى وصلتني من الأخ معاذ حسن و هو أحد كتاب الصحافة الإلكترونية , يلفت فيها إنتباهي إلى موضوع قد كتبه صحفي خليجي إسمه مخلد الشمري و نشرته صحيفة ( الراكوبة ) الإلكترونية في شهر يوليو الماضي تحدث فيه عن إنفصال جنوب السودان و ذكر ان سبب الإنفصال يعود إلى كسل السودانيين في الشمال !هذا و الله من أغرب التحليلات التي قرأتها عن الأسباب التي أدت إلى إنفصال الجنوب . لقد قرأت الموضوع المذكور و أراه يعج بالتحامل على الشعب السوداني في الشمال , مع أن الشعبين في الشمال و في الجنوب كانا ضحيتين لأفاعيل الساسة التي أفرزت الإنفصال , و أن إقحام الكسل في الأمر لم يكن موفقا و إنما هو إستفزاز للسودانيين حتى في محنتهم , و لن تضيرنا مثل هذه الإستفزازات ما دمنا نملك المنطق الذي يدحضها و الشجاعة التي نرد بها الصاع صاعين .
الرسالة الثانية من الأخ حسن مالك من فيينا في النمسا , و له فيها رأي يؤيد كسل بعض السودانيين و يحلله تحليلا علميا , و طلب مني أن أنشر رأيه هذا , و سوف أعلق عليه بعد الإنتهاء من سرده . يقول الأخ حسن أن العلم قد أثبت أن هنالك نوع من المرض يصيب الناس ذوي البشرة السمراء و يعرف طبيا بالأنيميا المنجلية  sickle cell disease و هذا المرض يصيب الناس المنحدرين من أصول أفريقية و السبب لأن له علاقة  بمرض الملاريا و هو يتحول إلى مرض وراثي و يجعل الجينات مقاومة لمرض الملاريا , و سبب المرض هو إنتاج نخاع العظم لكريات دم حمراء غير طبيعية نتيجة لخلل في تكوين الهيموجلوبين و في كميته . هذه الخلايا تأخذ شكل المنجل و قابلة للتكسر و قد تعيق مرور الدم خلال الشعيرات الدموية و قد تسد عروق الدم فتسبب آلاما مبرحة في أجزاء مختلفة من الجسم خاصة العظام . آثار هذا المرض تتجلى في الكسل و الإستكانة , و له ثلاثة أنواع : النوع ( أ ) يكون المصابون به متعبين و كسالى و معظم السودانيين مصابون بهذا النوع , و النوع ( ب ) يشتكي المصابون به من آلام الظهر و المفاصل و يظنون أنهم مصابون بالرطوبة , و النوع ( ج ) يشتكي المصابون به من الرطوبة و النقرس الحاد و يموتون موتا مفاجئا !
إلى هنا إنتهى حديث الأخ حسن مالك و هو يقول إنه ليس بطبيب و لكنه مطلع في هذا المجال و أحالني إلى بعض المراجع . ما أعرفه أنا أن الأنيميا المنجلية مرض وراثي و يتكاثر عند زواج الأقارب و هو معروف في منطقة الخليج و يمكن إكتشافه عند المواليد الجدد و يمكن علاجه . إنني لم أسمع عن كثرة إكتشافه في المواليد الجدد للسودانيين في المستشفيات الخليجية , رغما عن أن آباءهم يوصمون بالكسل ! أرى أن المرض المعروف بتسببه للكسل هو ( مرض النوم ) الذي تسببه ذبابة التسي تسي و لكنه مرض مناطقي يوجد في أقصى جنوب السودان حيث توجد تلك الذبابة . إنني أترك هذا الأمر للمتخصصين .
إن كان هنالك كسل عند بعض السودانيين فإنني أرده إلى الإعتماد على الغير في الحياة بحكم المجتمع الأسري التكافلي في السودان , كما و أرده إلى البعد الصوفي الذي يدعو إلى التقشف و الزهد و الرضى بالقليل عملا بالحكم و الأمثال المتداولة مثل : آخرتها كوم تراب , خربانة أم بناياً قش , و تجري جري الوحوش غير رزقك ما تحوش !
أخيرا , من الواضح أن حملتنا الإستنكارية و التوضيحية هذه قد أتت أكلها , و أنه لم يرد من خلال البرامج و المسلسلات الرمضانية ما يقلل من شأن السودانيين , بل حدث العكس و تم ذكرهم بالأمانة و الإشادة بهم , و لم أسمع نكات جديدة كتلك التي كانت تقال عن ( عصمان ) ! الحمد لله .
omar baday <ombaday@yahoo.com>

 

آراء