عودة إلى قطار الإعلام: إطلالة من عربة الفرامل !!

 


 

 

 

 

كم أود والله أن (أمسك نفسي) عن الحديث عن الإعلام والقنوات الفضائية والإذاعات في زمن الثورة..! لكن الأداء في المُجمل لا يشبه حالة الثورة .. ولا يزال العديد من برامجها هامدة خامدة تنشر اليأس وتبعث على التثاؤب وكأنها تتعمّد إفساد مزاج الثورة..!

مثل هذه البرامج (عدمها أفضل من وجودها) فهي لا تنقل آمال الثورة وحركة شبابها وطاقات النور التي انفتحت في الوطن وتمارس بدلاً عن ذلك (اللت والعجن والعواسه) وتنقل صرخات الفلول والموتورين وشكاويهم الكاذبة في أمور معلومة الأسباب؛ فالشعب يمكن أن يصبر على صفوف الرغيف وانعدام البنزين ولكن لم يعد في وسعه الصبر على فلول الإنقاذ ساعة واحدة..! ولا بد أن أصحاب هذه البرنامج الكسيحة في كثير من الفضائيات والإذاعات بما فيها التلفزيون القومي والإذاعات القومية والقنوات الإقليمية وغيرها من القنوات (اللي ماتتسماش) يعلمون أن أي مشكلة في الخبز أو المواصلات أو الكهرباء أو البنزين والجازولين وأي انفلاتات أمنية أو مصيبة حاضرة هي من ركام سنوات الإنقاذ الذي تحتاج إزالته إلى بعض الصبر والمثابرة..! فكيف يمكن إصلاح ما دمرته الإنقاذ عبر ثلاثين عاماً في أسابيع معدودة هي عمر حكومة تواجهها عقبات الشُركاء و(الحركات) قبل الأعداء والفلول..!

مَنْ الذي انشأ (سلاسل السمسرة) و(كمائن السرقات) في خط القمح والدقيق إلي المطاحن والمخابز؟ ومن الذي فخّخ مسارات الخدمات ومعايش الناس وشحنها بالحرامية والمحتكرين والوسطاء و(السبّابة)..؟! ومَنْ الذي فتح بوابة الفساد والإفساد والرشوة ومنافذ تهريب السلع والوقود والمقوت والذهب والجازولين؟! ومَنْ الذي افرغ خزينة البلاد؟ ومَنْ الذي ملأ البلاد بالبصات والحافلات (الاسكراب)؟؟ ومَنْ الذي أفسد حلقات التصدير والاستيراد؟ ومَنْ الذي سرق شركة المواصلات؟ ومَنْ الذي أهمل الزراعة ودمر القنوات؟! ومَنْ الذي كذب على الناس بأوهام توفير الكهرباء (والرد بالسد) الذي تحوّل إلى أكبر (نصب تذكاري للفساد والاستهبال) ودشن (بالأسمنت المسلح) أضخم عملية سرقة ونهب في إفريقيا والشرق الأدنى..؟!

هذه البرامج تترك كل محاسن الثورة من حريات وعدالة وإزالة تمكين ولا تركّز إلا على ما يسمم الأجواء ويثبط الهمم ويصوّر عثرات الاقتصاد بطرق ملتوية (عبر لفة الكلاكله) وكأن الناس لا يعلمون مصاعب المعيشة ونقص الخدمات..! هذا هو حال مقدمي (البرامج إياها) أيام الإنقاذ والآن بعد الثورة (بذات جاكيتاتهم وكرفتاتهم) عندما كانوا لا يستضيفون غير (هلافيت المؤتمر الوطني) ويبذلون لهم الاحترامات و(يلولحون) رؤوسهم إلي الأمام والخلف علامة التأمين والموافقة على الأكاذيب الفجة، ولا يجرءون على مراجعة لصوص الإنقاذ في ما يتفوهون به من ترّهات وهرطقة.. ولكنهم الآن يتشطّرون بالفصاحة.. فمتى كان حرامية الإنقاذ وأتباعهم يأبهون لمعايش الناس؟ ولماذا لم يطبقوا الشريعة التي يصيحون بها طوال ثلاثين عاماً بدلاً من أن تنقل لنا القنوات والصحف الآن غيرتهم الكاذبة على الدين؟! يجب أن يعلم أصحاب التقارير والبرامج المُغرضة والفضائيات والصحف (الغبيانة) أن الشعب الذين ملأ الدنيا في 30 يونيو لم يخرج ليطالب بالبنزين و(رغيف الطوسته) ولكن قال إنه يريد تحقيق السلام ورصف طريق الثورة وتصويب الأداء واستعجال الانجاز والقصاص للشهداء وإقامة موازين العدالة ومحاكمة القتلة واللصوص والإسراع بتفكيك الإنقاذ وإزالة التمكين وإقامة حُكم القانون وإكمال دفن (جثمان الإنقاذ) والحفر له عميقاً في الأرض حتى لا يؤذي الناس بروائحه المُنتنة..!!

لا تزال معظم البرامج الدينية في الفضائيات والإذاعات (ظلامية ببغائية انكفائية متخلفة) على ذات نهج الإنقاذ.. تعادي الاستنارة وتنشر الكثير من الجهالة..لا تتحدث عن الفساد أو مساوئ الطغيان ولا تشير إلى فضائل الحرية والعدالة.. وكأن أصحابها لا يعلمون أن الوطن يعيش ثورة مجيدة ويشحذ كل أوردته وعروقه لتغيير ما بنفسه.. ولا تزال البرمجة العامة كما هي؛ وكأن الفضائيات لا تعرف قيمة الوقت ولا توازن بين الأحداث والمجريات الوطنية والتثقيف والترويح..الخ فتجدها تقدم (فواصل المديح) بالساعات وكيفما اتفق وبتكرار ممل (وكاتب هذه السطور بالمناسبة من عشاق المديح إنشاداً وصيحة ونوبة وطار ودقلاشي وحربي ومخبوت) ولكن لكل شيء أوانه ومقداره..!

ثم لماذا هذه العسكرة الكثيفة في شاشة تلفزيوننا القومي؟! الأفضل للجيش والقوات النظامية أن تكون بعيدة عن الأخذ والرد والظهور المتواصل في الأجهزة الإعلامية (بشخوصها وآلياتها) وأن تحفظ هيبتها وقومية مهامها بعيداً عن منافذ الإعلام إلا للضرورة المتصلة بمهامها..!

سبق أن أشرنا إلى أن هذه البرامج المتشابهة التي تطل على الناس صباح مساء لم يجرؤ برنامج واحد منها (على الأقل) على تناول فساد الإنقاذ.. أعجوبة الدنيا التي لا تشابهها أعجوبة..ولا برنامج واحد يرصد تهريب الدقيق والوقود والذهب والدولارات..أو يتخصص في كشف آثار فظائع الإنقاذ في دارفور والنيل الأزرق وجبال النوبة أو الحياة في معسكرات النزوح واللجوء؛ أو الآثار الاجتماعية لمجازر (الصالح العام) أو وقائع بيوت الأشباح ومخازيها.. أو لفضح المتاجرة بالدين وشرح معني الدولة المدنية وكشف أباطيل الشموليين (الزلنطحية) ودعاة الدولة الدينية...! أين المجال المُستحق للجان المقاومة وشباب الثورة و(الكنداكات) وإبداعات الشباب والنساء في صناعة الحياة واجتراح البدائل والمبادرات التي تفتح دروب الأمل..! هل تريد هذه القنوات والإذاعات والمنابر الإعلامية أن تقتل قضية الثورة (عينك تعاين) بالصمت والتآمر الخفي والاعتماد على مرور الزمن؟ لقد بحت الأصوات التي تطالب الإعلام بأن يكون (على قامة الثورة) وأهدافها في توطين الديمقراطية والسلام وبناء السودان الجديد.. خاصة القنوات والإذاعات التي يموّلها الشعب من دمه وعرقه.. ولكن إدارة التلفزيون القومي ربما لا تزال على موقفها من البداية بتوفير (القرميد والسراميك) لإنشاء صرح ينافس عمائر واستوديوهات البي بي سي الشامخة بين (جادة أكسفورد و ريجنت بارك)..!!

لا يفوت علينا أن هناك اشراقات مضيئة من بعض الإعلاميين والصحفيين البواسل في التلفزيون القومي وفي مختلف القنوات والإذاعات وبعض الصحف.. ولكن تغطي عليهم (هترشات) برامج السوء والغفلة وسموم مناصري الفلول من الإعلاميين الذين كانوا يزينون أفعال وأحاديث الإنقاذيين ولا يزالون يطلون علينا ويتاجرون في التخذيل وبث اليأس وينفخون أوداجهم لتشويه صورة الثورة.. بعد أن كانوا في زمن الإنقاذ في وداعة (القطط السيامية)...نعم هناك بعض البرامج التي تجاهد وتبدع وتعمل على مواكبة إيقاع الثورة..ولكن إلى متى يصبح غالب أداء الإعلام معولاً لهدم بنيان الثورة وزراعة اليأس وإشاعة الخزعبلات..! (الله يستر من تصديقات القنوات الجديدة) التي تمت بسرعة قياسية خلافاً للمعهود..!

إلى متى يدور الإعلام بعيداً عن فلك الثورة بل في مدارات تشابه خانة العداء..؟! ولماذا لا يجد الإعلام وقتاً للحديث عن عشرات المهام المستقبلية وتسليط الأضواء لتثبيت نجاح انجازات المزارعين في حقول القمح والأطباء في مواجهة كورونا وتمهيد الطريق إلى محاربة التصحر وإعادة الغطاء النباتي وإعمار السكة حديد ومشروع الجزيرة..الخ ولكن يبدو أن برامج (طبق اليوم) هي الأحق بساعات القنوات الطويلة.. ينام الشخص ويصحو ويجد الشاشات منهمكة في عرض طواجن الدجاج وطبقات البشملي وفن التحلية بشرائح الفراولة المغموسة في الزبادي.؟!
.. الله لا كسب الإنقاذ..!

murtadamore@gmail.com

 

آراء