غربة وشجن
24 June, 2009
مقالتي هذه ليست لها علاقة بأغنية الفنان زيدان إبراهيم ( غربة و شجن ) كلمات الشاعر محمد جعفر عثمان يرحمه الله و تلحين عمر الشاعر , و هي أغنية أحببتها منذ السبعينات و لكنها إختفت لفترات طويلة ثم ظهرت أخيرا و إعتبرها معظم الشباب انها أغنية جديدة لزيدان ! . فقط وجدت عنوان هذه الأغنية ملائما لمقالتي هذه , و لذلك وجب التنويه .
خلال الإثنتي عشرة سنة الماضية تجاوز رصيد مقالاتي في صحيفة ( الخرطوم ) المائتين مقالة أغلبها عبارة عن ذكريات و مواقف طريفة غطت الكثيرمن بيئتنا الإجتماعية , كما غطت بعضها القضايا السياسية في سفور بادٍ و أحيانا من وراء حجاب . لقد أجدت كتابة كل تلك المقالات – و انا لا أخرج شيئا فطيرا – و كان في ذلك يحدوني أمل أن أضمها في كتاب , ثم قلت في كتابين عند إصداري للكتاب الأول , ثم صرحت أن تكون ثلاثة كتب بعد ان رأي كتابي الثاني النور قبل ثلاثة أشهر مضت , و قدرت لها أن تكون ثلاثية ذات أسماء مختلفة و تعريفات مجتمعة تقول : (مجموعة ذكريات و مواقف طريفة ). لقد ضمنت في كل كتاب خمسين مقالة و تبقت لي المقالات السياسية و هي بحثية تحليلية سوف أتركها لمشروع كتاب منفصل إنشاء الله . هذان الكتابان المذكوران كانت قد سبقتهما ثلاثة دواوين شعرية لي , و بذلك فقد جمعت كتاباتي الشعر و النثر .
الولوج في الشأن العام مع عدم التفرغ , ووجود ساعات عمل تعادل العشر ساعات يوميا في مجال هندسي لا يخلو من المشاكل الفنية , يكون علي حساب الصحة و الواجبات العائلية , لكنه في المقابل يكون جديرا بكل التضحيات ولو إستصعبت و بكل المعاناة و لو بدت . بجانب مجال عملي المرهق عقليا و جسديا أجدني في الرياض عضوا في منتدي الأربعاء الأدبي بالرابطة الرياضية بالصالحية, و أجدني عضوا في جمعية الصحفيين , و عضوا في جمعية التراثيات و الفنون , و عضوا في رابطة مشجعي المريخ , و سكرتيرا ثقافيا لرابطة أبناء حلفاية الملوك في المملكة العربية السعودية. كل هذا و ما يتطلبه من مشاركات في ندوات و لقاءات و تبادل آراء قد ملأ وقتي حتي فاض منه , و قد عرفني بإخوة و أخوات أحمد لتلك المناشط تعريفي بهم . لقد صارت مدينة الرياض تذكرني بأيام عاطرة مضت قضيتها في الخرطوم من خلال منتدانا الثقافي بحلفاية الملوك حيث كنا نقيم الندوات و نلبي الدعوات و نشارك في كل المحافل و في أجهزة الإعلام , و كان الملحنون يتلقفون قصائدنا ليتغني بها المطربون الشباب , و لي في ذلك رصيد مقدر .
الغربة إجترار لما قبلها في هيئة حنين نوستالجي في بداياتها , و إدمان متمكن مع تراكم السنين لا فكاك منه حتي مع برنامج الإثنتي عشرة خطوة الخاص بمدمني المخدرات ! هذا ما رأيته من أناسٍ قد نالوا الكثير في بلاد الإغتراب لكنهم مع تعاقب الزمن ظلوا أكثر تشبثا بالإغتراب , ربما حتي الرمق الأخير ! معظم المغتربين السودانيين يحبون السودان , لكن تتفاوت درجات حبهم , و فيهم من يفضل ان يحبه من علي البعد . انا أحب السودان من علي القرب و أجد نفسي فيه , فهو دائما في كما عبّر عن ذلك الكاتب العالمي الطيب صالح يرحمه الله , لكن ( العافية درجات ) و العودة الطوعية لها مقومات نسأل الله أن يقدرنا عليها .