غرق المناقل والغرق القادم.. حساب الدروس والعبر

 


 

 

د. محمد عبد الحميد استاذ مادة الحد من مخاطر الكوارث بالجامعات السودانية

من الدروس المستفادة من غرق قرى المناقل ضرورة الإهتمام بمخاطر الكوارث. فمخاطر الكوارث كعلم في الأصل تعني بحساب احتمالية أن يحدث خطر ما كارثة. والتي لن تكون بأي حال من الأحوال صفر في المائة، خاصة إذا كان هناك خطر ما يحيط بالمنطقة... أقول هذا الكلام بوعي تام بصفتي استاذ لهذا العلم الحيوي لمدة تقارب العقدين من الزمان قراءة وممارسة وتدريسا وهو علم يجهله الكثير من السودانيين للأسف.
الآن يمكن ملاحظة أن خاصرة السودان في جنوبه الشرقي قد صارت مطوقة بالسد الإثيوبي والذي سيختزن ٧٤ مليار متر مكعب من المياه لنهر معروف بالفتوة وقوة التيار هو النيل الأزرق.
في دراسات المخاطر لا يمكن بل ولا يصح أن تقول احتمال انهيار السد صفر في المائة، وتسوق في ذلك مبررات تبدو واقعية بحكم المنطق الظاهري كأن تدعي مثلا أن السد مبني بأعلى المواصفات العالمية، أو أن إثيوبيا لا يمكن أن تصرف مبالغ مهولة في سد يمكن أن ينهار، أو تقارنه بسد "عجوز" كالسد العالي، وتقول بثقة طالما لم ينهار السد العالي فمن باب أولى الا ينهار السد الإثيوبي .
بالفعل يمكن أن يكون كل هذا الكلام صحيحا اذا اخذ بالمطنق الظاهري، أما في علم المخاطر ، فلا يمكن أن تنفي ولو بنسبة ضئيلة إمكانية انهيار السد ولو لأسباب (التخريب الإرهابي المتعمد، الأخطاء الهندسية، العوامل الطبيعية كالزلال. سؤ الإدارة والفساد.. الخ). تماما كما حدث لأهالي المناقل التي كانت تعيش في حالة اطمئنان أبدى لأنها مرتفعة من الأرض وهي عبارة عن هضبة ولم يحدث أن ساور أهلها الشك ولو بنسبة ضئيلة بأن سيدركهم الغرق يوما ما ، غير أن ما حدث هو عكس "التوقعات" ولم يتم حساب المخاطر ووجدت المنطقة نفسها في غمرة مياه اذهلت كل أرباب العقول. واخذتهم الكارثة على حين غرة. لذلك وبما أن السد الإثيوبي يبعد بضع كيلومترات من السودان بل هو عمليا داخل حدود السودان القديم فلابد من الخوف، و لابد من العمل جديا على تقليل المخاطر وذلك بمطالبة الجانب الإثيوبي بتقليل سعة السد الي السعة التي تجعل المخاطر في حدود المقبول Acceptable risks على أقل تقدير كما أشارت الدراسات التي أجرتها أمريكية في سد الحدود، وإلا فحساب العواقب بعد إدراك المخاطر سيكون عبر التفاهم بلغة غير التفاوض... لأن الأمر قتذاك سيكون أمر حياة أو موت لملايين البشر على السودان النيلي، وهذا بالضبط ما يُسمى بالحفاظ على الأمن القومي.
د.محمد عبد الحميد

 

آراء