عمود : محور اللقيا إن عين الإجحاف على المواطن المغلوب على أمره أن ترتفع الأسعار من حوله بينما يظل دخله من راتبه ثابتا , فماذا عساه أن يفعل مع متطلبات الحياة الكثيرة التي تقبض على خناقه ؟ الوضع جد متأزم على المواطن من هبوط قيمة الجنيه السوداني مقابل العملة الصعبة و من تجفيف السيولة في البنوك و الصرافات و من رفع الدعم عن القمح و الدواء و من البطالة و من إزدياد الإتاوات الحكومية عليه , و يزداد الوضع تأزما مع أزمة الوقود التي تفاقمت من إزدياد الغلاء في مناحٍ عدة كالنقل و المواصلات و ري المزارع و حصاد المحاصيل و كل ذلك يقع على كاهل المواطن جمل الشيل فماذا عليه أن يفعل ؟
1 – لقد أدت ضغوط الحياة المعيشية إلى ضغوط نفسية يعاني منها معظم المواطنين كما ورد في تقارير بعض الأطباء النفسانيين , فللعجز إحساس قاتل لمن يعانيه في ظل الظروف القاهرة مع إنعدام التكافل الأسري عند النازحين إلى العاصمة من مناطق الشدة و الحروب و حتى عند البعيدين عن أهليهم , فيظل دخل العمل الزهيد هو المدر لشرايينهم إذا وُجد , و غير ذلك تكون الإنهيارات النفسية و الهروب من الأسرة أو من الحياة .
2 – لقد صارت معظم الأسر تتناول وجبة واحدة في اليوم عند المساء و تتفاوت القيمة الغذائية لهذه الوجبة و غالبا تكون قيمتها الغذائية متدنية فتؤدي إلى إصابة المواطنين بأمراض سؤ التغذية و تقل مناعتهم فتتمكن منهم أمراض عدة فيواجهون فواتير العلاج الباهظة و لضيق ذات اليد يلجأون للطب البديل و للفقراء المعالجين و غالبا يقود الأمر إلى تفاقم حالاتهم المرضية و إلى العجز .
3 – معظم المواطنين الذين يعانون من ويلات الفقر من الرجال و النساء و الأطفال , مع عدم وجود فرص العمل المتاحة , يخرجون لسؤال الناس و للتسول في الطرقات و في أماكن دور العبادة و التجمعات , و هذه الظاهرة في تزايد مستمر مع إزدياد معدلات الغلاء و إرتفاع الأسعار , و لكن الدخل منها يقل كل مرة على المتعسرين لكثرتهم و لقلة مقدرة المانجين مع الغلاء الذي سوف يأخذ بتلابيبهم .
4 – من الواضح الجلي أن الفساد المالي و الإقتصادي قد أدى إلى فساد في المثل و الأخلاق , فتفشت المخدرات التي تم إدخالها بالكونتينرات و تفشت معها الدعارة المنظمة من عصابات تستغل ضعف الفتيات و حاجتهن للمال فترغمهن على ممارستها و تنظمها لهن فيجدن في أقدم مهنة في التاريخ حلا لما يعانينه من فقر و حرمان , و تقرير شرطة أمن المجتمع و الأمن يشير إلى أن أعداد المقبوض عليهن في قضايا مماثلة في عام واحد قد بلغ 31 ألف فتاة !
5 – مع الضائقة المالية الطاحنة و الغلاء المستفحل و مع عدم وجود فرص العمل يلجأ البعض من الفئات الضعيفة إلى السرقات و النهب و ماذا عساهم غير ذلك أن يفعلوا ؟ هذه الظاهرة يعاني منها المواطنون في أحيائهم جراء الغرباء من اللاجئين و النازحين الذين توافدوا على المدن , و قد تكونت دوريات في كثير من الأحياء من الشرطة و شباب الأحياء لسؤال كل من يقابلونه ليلا و يشكون في أمره , و لكن فقد غير اللصوص من مسلكهم و صاروا يدخلون البيوت نهارا جهارا بحجة بحهثم عن العمل و يسطون على ما يجدونه . إنه هو الجوع الذي يقود هؤلاء إلى السطو و النهب .
6 – إذا ما إستحكمت حلقات أزمة الغلاء و الإفقار فإلى اين سوف تقود المواطنين ؟ إنها حتما سوف تقودهم إلى ثورة الجياع و إلى الإنهيارنتيجة لتمسك الإنقاذيين بالحكم , و لا أحد يستطيع ان يجزم ماذا سيحدث لاحقا , بل سوف تكون للإفتراضات إحداثياتها .
7 – إذا وصلت الأحداث بالسودان إلى النقطة السادسة أعلاه مع إنهيار المجتمع الذي لا يتخيل أحد معناه مع الفوضى الشعبية و حيازة الأسلحة مقابل النظام الباطش و الذي سينهار بدوره , فعلينا بتخيل حال الصوملة , اللهم إلا إذا حدث تدخل من قوة أجنبية كما حدث في ليبيا أو تمكن الوطنيون في الجيش من الإنحياز للشعب و عملوا معا لوقف الإنهيارات و لفرض القوى التأمينية كما حدث في إنتفاضة أبريل 1985!
أخيرا أكرر و أقول : إن الحل لكل مشاكل السودان السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية يكون في العودة إلى مكون السودان القديم وهو التعايش السلمي الديموقراطي بين العروبة و الأفريقانية و التمازج بينهما في سبيل تنمية الموارد و العيش سويا دون إكراه أو تعالٍ أو عنصرية . قبل ألف عام كانت في السودان ثلاث ممالك أفريقية في قمة التحضر , و طيلة ألف عام توافد المهاجرون العرب إلى الأراضي السودانية ناشرين رسالتهم الإسلامية و متمسكين بأنبل القيم , فكان الإحترام المتبادل هو ديدن التعامل بين العنصرين العربي و الأفريقاني مما أدى لتمازجهم و كان نتاجه نحن , و أضحت هويتنا هي السودانوية . إن العودة إلى المكون السوداني العربي الأفريقي اللاعنصري تتطلب تغييرا جذريا في المفاهيم و في الرؤى المستحدثة و في الوجوه الكالحة التي ملها الناس !