بقلم: جمال عنقرة (عمود اليوم أزال الغموض وكشف الحقائق، يجب أن ينشر بكل اللغات) هذه هي الرسالة عبر الموبايل التي بعث لي بها أخي خليفة الخير عبد النعيم تعليقاً علي المقال الذي نشر في هذا المكان قبل بضع أيام بعنوان (قرار الجنائية ليس نهائياً) ولم أنشر الرسالة وأقف عندها إحتفاء، وهي بالحق تستحق الإحتفاء، لتأكيدها بلوغ رسالتي مبلغها المنشود، ولأنها من أخ عزيز أكن له مودة وتقديراً شديدين منذ أن كنا أطفالاً صغاراً، نلعب ونلهو في رمال عروس النيم، مرقدنا الدافيء، في (الصينية) و(شارع الأربعين) ومحكمة الناظر، وميدان الغربية وهلم جرا. ولكني وقفت عندها لأنها تؤكد حاجة الناس للحوار الموضوعي غير المتوتر. وأنا لست بصاحب علم في القانون، ولا بممارس للدبلوماسية الرسمية، ولا أعرف أضابير المحافل الدولية ودهاليزها، ولكن الأمر لا يحتاج إلي كل ذلك. فالقضية بائنة وواضحة وضوح شمس الظهيرة، ولا تحتاج إلي (درس عصر) ومن عجب أن كثيرين من الذين يملأون الدنيا صراخاً يعرضون خارج الزفة، ويكاد يصدق فيهم القول (الخير مصوبر في محل والخيل تجقلب في محل). فالتعبئة المطلوبة اليوم ليست تعبئة قتال ميداني، ولكنها تعبئة مدافعة قانونية. وأري الذين يتأهبون لمنازلة العدو مثل الذي يحرث في البحر. ومثلهم أولئك الذين ثبتوا في القول أن المحكمة ليست جهة اختصاص، ولا تنعقد لها مسئولية لمحاكمة سودانيين. فهذه دفوع ولي زمانها. فنحن اليوم أمام وضع محدد. فالمحكمة رغم ضعف الحيثيات، ورغم عدم الإختصاص سوف تصدر قرارها. وكما قلت في المقال السابق فإن قرار المحكمة لن يكون نافذاً إلا إذا أصدر مجلس الأمن ما يعززه. وهذا قول نتفق فيه مع الآخرين. ولكن الذي يجب أن نتفق عليه ونعمل من أجله هو أن نحول دون تعزيز مجلس الأمن لهذا القرار. ولقد قطعت الحكومة السودانية في ذلك شوطاً بعيداً من خلال ما قدمت من مرافعات قوية لدحض الإتهامات الموجهة ولإثبات أن الدافع وراء الإتهام سياسي وليس قانونياً. واستطاعت أن تكسب إلي صفها مجموعة مقدرة إقليمياً ودولياً، ففضلاً عن المجموعة العربية والأفريقية ودول عدم الإنحياز، ومجموعة الـ77 والصين تقف دول كبري مع السودان، وتقف معه كذلك مجموعات ضغط داخل الدول التي تقود باتجاه التصعيد، وهي أمريكا وبريطانيا وفرنسا. هذا الموقف يجعل مجلس الأمن مهيأ لقبول أية خطوات عملية في سبيل معالجة الأوضاع علي الأرض في دارفور يعتمد عليها في توقيف قرار المحكمة الجنائية الدولية القاضي بتوقيف الرئيس السوداني المشير عمر البشير. والإجراءات المطلوبة تقوم علي محورين أساسيين، المحور الأول هو محور إحقاق العدالة في دارفور. وهذا يقتضي إجراء محاكمات وطنية جادة في الداخل للذين ثبت أنهم أحدثوا تجاوزات تستوجب ذلك خلال فترة الحرب. ولقد ثبت وجود تجاوزات، فلا بد أن يقتص من أصحاب هذه التجاوزات. (ولكم في القصاص حياة يا أولي الأباب) وما أراه يسير من خطوات في هذا الجانب أبطأ كثيراً مما هو مطلوب، ولا أحسب أن نيابة المستشار النمر إبراهيم بهذه الطريقة كافية لتحقيق ذلك. أما المحور الثاني فهو الوصول إلي اتفاق سلام شامل وعادل في دارفور. ورغم أن الخطوات في ذلك تتقدم، ولكنها أيضاً دون الطموح. فمبادرة أهل السودان أوشكت أن تفرغ من محتواها. أما حوار الدوحة الذي كان من الممكن أن يحدث اختراقاً حقيقياً في جولته الأولي قعدت به قشة واهنة، هي موضوع الأسري. فلم تختلف الحكومة مع الحركة علي شيء سوي الأسري. وهذه مأساة كبري. ولقد حزنت جداً عندما علمت أن الذين أطلق سراهم من أسري العدل والمساواة الـ 24 هم من الذين اعتقلوا يوم 10مايو الماضي من المتهمين بالولاء لحركة العدل والمساواة، وليسوا من الذين جاءوا يحملون السلاح من الخارج. وأكاد أجزم أن الرئيس عندما أعلن قراره كان يعني مقاتلي حركة العدل والمساواة الذين غزوا ام درمان وليسوا الذين يسمون الطابور الخامس. وفي ذلك إفراغ لقرار الرئيس من محتواه الحقيقي. ومثل هذه الأعمال تضر ولا تنفع. فنرجو أن نكون حاسمين وجادين في إنقاذ البلاد والعباد، لأن ذلك مطلوب لله والوطن قبل أن يكون مطلوباً للمحكمة الجنائية الدولية. gamalangara@hotmail.com