فائض قيمة استرداد ثورة

 


 

 




اثبت الشعب المصري ان بلاده المحروسة هي (أم الدنيا) عن جدارة واستحقاق. ما قام به الشعب المصري أمر مذهل يكمن جوهره الأساسي ليس فقط في استرداد ثورة مسروقة وإنما في فائض قيمة لذلك الاسترداد لا يتوقف عند الفعل الثوري في حدوده الزمانية والمكانية فقط وانما يتعدي ذلك ليخط سطرا جديدا في التاريخ ممهورا بدم الشباب وتضحياته. كان ان قام نفر من الشباب لم يأخذهم احد في البداية مأخذ الجد بإطلاق (تمرد)، فكان ان مضوا في فعلهم ذاك بإصرار وعزيمة لا تقهران ثم تبعهم الشعب باحزابه، منظماته، نقاباته ، قضاته ، مثقفيه وعامته ألي أن وصل الآمر الي ثورة (استرداد الثورة) وتخليصها من قبضة الاحتواء والإجهاض.
أعطي هذا الفعل مثالا للعالم كما أحيا الأمل في انتفاضات الشعوب وأعاد لثورات العرب شيء من ربيعها في صيف ملتهب قبل ان ياتي خريفها فتدركها الشيخوخة، فتموت دون ان تنجب او تترك أرثا ايجابيا للإنسانية. التحية والإجلال للشعب المصري العظيم الذي اجبر العالم علي احترام قراره في استرداد ثورته والمضي بها قدما في تحقيق أهدافها (حرية، ديمقراطية ، كرامة وعدالة اجتماعية)، تم ذلك رغم الجبروت الأمريكي الداعم للفوضى ورغم مليارات الدولارات الخارجة من خزائن صنائعه وأدواته في المنطقة التي تصب في جيوب الإسلام السياسي الخادم المطيع للأهداف الخفية لأكثر دوائر رأس المال ظلامية وعدوانا.
آدت (ثورة) الثلاثين من يونيو إلي نتائج حتمية تؤكد إرادة الشعوب التي لا تقهر وقضت علي واقع استثنائي جاء في إعقاب (ثورة) 25 يناير التي لم تنضج لها ثمار ولم يحن فيها للشعب قطاف فكان ان فاز بها من لا يستحق ولا يؤتمن. ثم كانت من نتائج 30 يونيو مصادفات تاريخية جعلت من رئيس المحكمة الدستورية رئيسا مؤقتا ارتضاه الشعب. إلا أن قيم هذا الفعل لم تتوقف عند هذا الحد وإنما أنتجت فائض قيمة ستستفيد منه شعوب المنطقة المتعطشة للتغيير،وسيلهم شعوب العالم اجمع وهاهي براعم ربيع ذلك الفعل تتفتح في (تمرد) تونسية وفي ذبول جماعات مستبدة ومتطرفة تحاول تغذية نفسها بوقود جديد لتنقض علي الثوار، إلا آن القيم أصبحت تراكمية ستنمو وتقوي وتتجذر. أثبتت 30 يونيو مرة أخري أن أمريكا (راسبة) في التاريخ وفي علم يسمي (إرادة الشعوب التي لا تقهر)، خاصة عندما مضي معظم الثور مع قول شاعرهم الابنودي (انا ما بحبش امريكا ولا بحبش الغرب ...).
مع الاحترام وفائق التقدير للشعب المصري العظيم نسير دون اندفاع او إفراط في التفاؤل  متطلعين لدولة مصرية مستقبلية تحترم الشعب السوداني وتعامله  الند للند، دون استخفاف ودون تذكيرنا في مناسبة وغير مناسبة (بجيش محمد علي باشا الباسل) وبان (حلائب وشلاتين) أراض مصرية غير قابلة للتفاوض، لان مصالح الشعوب قابلة للتفاوض والتنازل والاعتماد والسيطرة المتبادلتين. كما لا يجب ان تعامل مخرجات الثورة المصرية الوضع في السودان وكأنه من ثوابت التاريخ الساكنة التي لا تتحرك فالعالم نسبي والحياة كذلك. ننتظر ان يحدث ذلك بعد انقضاء زلزال 30 يونيو وموجاته الارتدادية وبعد ان يعيد الشعب المصري ترتيب بيته الداخلي ويبدأ في الالتفات الي مصالحه وعلاقاته الخارجية ابتداء من دول الجوار والأقربين منهم. يتطلب ذلك أولا تجنب مأزق الدخول في موجة من الاقتتال الأهلي او حالة من العنف والعنف المضاد، الذي من الممكن ان يعصف باستقرار مصر ويضعف دورها المعهود كمحور تدور حوله صناعة الأحداث في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وثانيا النجاح في العودة الآمنة للمسار الديمقراطي والتداول السلمي للحكم، وهو ما سيتوقف عليه إثبات عبقرية الشعب المصري بشكل حاسم.
hassan bashier [drhassan851@hotmail.com]

 

آراء