فاقد الشيء لا يعطيه

 


 

فيصل بسمة
27 July, 2023

 

بسم الله الرحمن الرحيم و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.

مقدمة (١):
حرص/يحرص كثيرٌ من الناشطين في وسآئط التواصل الإجتماعي و كذلك بعض من المهنيين المحترفين في وسآئل الإعلام المقروءة و المسموعة و المشاهدة على تحميل أسافير الشبكة العنكبوتية و المطابع و الموجات الأثير و الفضآئيات بجميع أخبار الحرب و مستجداتها و كذلك تحركات الفرقآء المتقاتلين في بلاد السودان و مساعديهم ، و يتم ذلك بصورة راتبة و منتظمة مع الإنتباه إلى أدق تفاصيل القتل و الدمار و السلب و النهب و الإغتصاب و بقية الإنتهاكات ، هذا بالإضافة إلى المتابعة اللصيقة لحالات نزوح السودانيين إلى داخل و خارج القطر ، و ذلك مع توثيق المآسي الإنسانية الناجمة عن ذلك ، و قد ساهمت تلك التغطيات الشاملة الكاملة و المفصلة و التعليقات و الأرآء المصاحبة في إحداث حالات من الإرتباك/الرهق الذهني أصابت الكثير من السودانيين المتابعين للأحداث ، و كذلك المتعاطفين معهم من الجنسيات الأخرى ، بحالات نفسية سالبة و محبطة إختلطت فيها أحاسيس الحزن و الأسى مع الشعور بالغضب و إنعدام الحيلة ، مما قاد إلى ظهور حزمات من الأمراض النفسية مثل: الذهللة و الشرود و القلق و الإحباط و الإكتئاب...
مقدمة (٢):
الأحداث السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية و الدينية و كذلك النزاعات و الإحتراب لا تحدث من فراغ ، و لكن يحدثها/يصنعها/يحركها أشخاص من بني الإنسان ، و معلومٌ أن شخصية الإنسان و سلوكه و قرارته و أفعاله تتحكم فيها و تُشَكِّلُها معتقدات و أفكار و قيم أخلاقية و أعراف و موروثات مكتسبة عبر السنين ، مكتسبات يختزنها الإنسان داخل ذاكرات العقل و القلب و الفؤاد في شكل علوم و معارف و كفآءات و مهارات و خبرات ، طبيعة هذه المكتسبات و ما ينجم منها/عنها و ما يترتب عليها من أفعال و أحداث و وقآئع تعتمد إعتماداً عظيماً على عدة عوامل متداخلة تؤثرُ بصورة مباشرة أو غير مباشرة على أمزجة صانعي القرارات و الأحداث ، عوامل مثل: البيئة و التجارب الحياتية و النوع و العرق و الوراثة و الإستعداد الفطري/الذهني للتلقي و المقدرة على الإدراك و الإستيعاب...
و الطبيعي هو أن يستخدم/يوظف الإنسان هذه المكتسبات المتراكمة عبر السنين في ممارسة العيش و في إعانته على السير في دروب الحياة المختلفة ، و يشمل ذلك التفاعل/التداخل الإجتماعي مع الآخرين من بني الإنسان و البيئة المحيطة من حوله و ما تحتويه من المخلوقات و الموجودات الأخرى...
و العظمآء هم أولئك الأشخاص الذين يمتلكون المعتقدات و القيم و الأفكار و العلوم و المعارف الصالحة/النافعة و الكفآءات اللازمة التي تؤهلهم لحيازة المقدرات و المهارات الضرورية التي تتيح لهم التفاعل الإيجابي مع الآخرين و البيئة ، و في إحداث التغيير الذي ينفع الناس ، و في خلق النقلات/الطفرات النوعية التي تقود إلى حياة أفضل ، العظمآء هم الذين يفلحون في حشد الناس و تحفيزهم و شحذ هممهم و جعلهم يعتقدون/يؤمنون بأن بإمكانهم إصلاح الحاضر و تشكيل المستقبل و جعله أفضل...
و على النقيض من العظمآء فإن أضدادهم من السفلة المجرمين الفاسدين فاقدي القيم و الأخلاق يمتلكون حظاً وافراً من الجهل و المعتقدات و الأفكار الفاسدة و كميات مقدرة من الأنانية و النذالة و الوضاعة و الحقارة و بقية الصفات الغير إيجابية التي تحجبهم/تمنعهم عن التفكر و التدبر و العقل و الإدراك و عن فعل الخير و إحداث النفع ، و ذلك لأنهم أصلاً ليسوا مؤهلين للتفاعل الإيجابي مع الآخرين أو البيئة و تنقصهم المقدرة على إحداث التغيير و جعل حاضر أو مستقبل الآخرين أفضل و ذلك لمحدودية ملكاتهم العقلية و تواضعها و لعجزهم عن الفعل و عدم مقدرتهم على الإنجاز ، هذا إلى بالإضافة إلى قصر نظرهم الذي يجعلهم لا يرون أبعد من ذواتهم التي تصور لهم الموارد و الآخرين مجرد أدوات و وسآئل و مطايا أوجدت للإستغلال و لخدمة طموحاتهم الشخصية الفاسدة و الغير مشروعة...
و هكذا تلعب طبيعة المعتقدات و الأفكار و المكتسبات من العلوم و المعارف و المهارات و الخبرات و البيئة المحيطة و عوامل أخرى كثيرة معقدة و متداخلة دور كبير في تشكيل شخصية و سلوك بني الإنسان و في خلق العظمآء و الذين من دونهم ، و كذلك في تحديد ملامح الغرض/الهدف من وجود بني الإنسان في هذه الحياة الدنيا نفعاً أو ضرراً...
ما دفع صاحبنا إلى تسطير هذه المقدمات هو ما رأه و ما زال يراه من الأحداث التي نتجت و تلك التي ما زالت تقع/تحصل/تتشكل أمامه في الساحات السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية و الدينية في وطنه المسمى جمهورية السودان ، و المصحوبة بمقادير/كميات مهولة من اللامعقول و العبث و الفوضى و الفساد و الإفساد و القتل و الخراب و الدمار...
و لما فارقت تلك الأحداث خطوط و حدود المعقول و المقبول ، و تجاوزت مرحلة الفوضى العبثية و الكارثية تسآءل صاحبنا و آخرون:
من هم هؤلآء الأشخاص الفاعلون في الساحات السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية و الدينية؟
و ما هي ماهيتهم؟
و هل هم راشدون/عاقلون؟
و هل هم حقاً يعوون ما يفعلون؟
و هل يمتلكون المقدرات على إدراك نتآئج أفعالهم/سلوكهم/مكآئدهم و آثارها الغير إيجابية على الآخرين و الوطن و العالم؟
و ما هي الأفكار/البيئات التي شكلت هؤلآء الأشخاص الفاعلين و وجهتهم إلى إحداث ما أحدثوه من دمار و خراب في الساحات السياسية و الاقتصادية و الإجتماعية و الدينية؟
و ما هي أغراضهم و أهدافهم؟
و من الذي يقف ورآءهم بالتمويل و المساندة؟
و من المستفيد من هذا الوضع الكارثي الذي أحل ببلاد السودان؟
و ليس الغرض من إصدار هذا السيل من الأسئلة و التسآؤلات الحصول على إجابات فهي متوفرة ، و لكن الهدف هو محاولة للفت النظر إلى ظاهرة الأرزقية من الإنتهازيين و الطفيليين (غير القادرين) الذين تسيدوا الساحات السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية و الدينية في جمهورية السودان و بجرآءة و قوة عين يحسدون عليهما ، و هي أيضاً سانحة لطرح المزيد من الأسئلة مثل:
هل يمكن معالجة هذه الظاهرة؟
و كيف يتم ذلك؟
و هل من الممكن إصلاح هؤلآء الناس؟
هل من الأجدى إعادة تأهيلهم؟
أم من الأفضل القضآء عليهم و التخلص منهم؟...
و الشاهد هو أن هؤلآء النفر قد تسيدوا الساحات السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية و الدينية منذ عهد الإستقلال من المستعمر (المحتل) البريطاني ، لكن ظهورهم و تسيدهم كان أوضح ما يكون خلال الأربعة عقود الأخيرة من عمر جمهورية السودان ، و يبدوا أن لهم حضور و سند و قبول محلي و إقليمي و عالمي!!!...
و قد لاحظ المراقبون و المهتمون و المتابعون أن الساحات السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية و الدينية في بلاد السودان و خلال عقود حكم الجماعة الإنقاذية المتأسلمة (الكيزان) و كذلك من بعد خلع الطاغية عمر البشير قد تسيدتها جماعات الفساد و الإفساد من أضاد العظمآء من: فلول الجماعة الإنقاذية المتأسلمة (الكيزان) و أمرآء الحروب من الحركات المتمردة المسلحة و الأرزقية و الإنتهازية و الطفيلية السياسية و الإقتصادية و الفواقد التربوية و المجتمعية و السواقط الحزبية و الدعاة الببغاوات الذين تنقصهم المؤهلات و الخبرات و الصفات القيادية ، و الذين ولجوا إلى عوالم السياسة و الإقتصاد و الإجتماع و الدين و العمل العام و الخآص عنوةً و أمام عيون الأشهاد بغرض الحصول على المكاسب الشخصية عن غير الطرق و السبل الصحيحة المشروعة...
و الناس في تلك الحالات المزرية المذكورة في الفقرات أعلاه تأتي المصادر بالأخبار عن طواف و إجتماعات هؤلآء و أولئك النفر و تلك الشخصيات من ذات جماعات الفساد و الإفساد (الغير القادرين) ، في هذه العاصمة أو تلك البلدة أو ذلك المنتجع ، تحت رعاية هذه الدولة الجارة الإقليمية و تلك العظمى العالمية بغرض مناقشة جذور الأزمة/المشكلة السودانية و البحث عن الحلول...
و الملاحظ أن الأشخاص الطآئفين/المجتمعين/المنفضين لحل الأزمة/المشكلة السودانية هم ذات الأشخاص فاقدو الأهلية (أصحاب العيون القوية) الذين تسببوا فيها و في خلق كل الأزمات الحالية و في إحداث الكوارث و الفوضى و العبث و بقية البلاوي التي تزرأ بها بلاد السودان...
و إنه لمن العبث و التفكير غير السوي أن يرتجي/يتوقع الناس من أشخاص مثل هؤلآء الجماعات الفاسدة الفاقدة للمقدرات و الأهلية و التي تنقصها الكفآءات و المؤهلات و القيم و الأخلاق و بقية الصفات القيادية أن يقودوا بلاد السودان إلى بر الأمان ، و أن ينقذوها مما هي فيه من الدمار و الخراب و الإبتلآءات العظيمة ، أو أن يساهموا في تشكيل حاضر أفضل أو في خلق مستقبل زاهر...
الخلاصة:
إن الكثيرين من الأشخاص الفاعلين حالياً في الساحات السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية و الدينية في بلاد السودان من العسكريين و المدنيين تنقصهم كثيراً الكفآءات و الأفكار و الرؤى و الخبرات/التجارب و المهارات و الصفات و القيم و الأخلاق التي تؤهلهم للقيادة و الحكم و الإدارة و الإرشاد ، و تشير الدلآئل و الوقآئع و الأحداث على أنهم غير قادرين على الإنجاز ، و أن الكثيرين منهم قد إرتكبوا أفعال توقعهم في خانات الإجرام و مخالفة اللوآئح و القوانين و ربما الخيانة العظمى التي تتطلب المحاسبة و العقاب الرادع ، و الشاهد هو أن كثيرين منهم قد تجاوزوا مراحل العلاج و الإصلاح و إعادة التأهيل ، و أنه و إذا ما إستمر الأمر على ما هو عليه فإن بلاد السودان موعودة حتماً بخراب شامل و دمار غير مسبوق و ربما تصير إلى زوال دآئم...
إن الأمور السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية و الدينية في جمهورية السودان لن تنصلح أو تستقيم إلا بمحاسبة و معاقبة هؤلآء الأشخاص و إبعادهم/نفيهم/حرمانهم من ممارسة السياسة و تولي الأمر العام و الإرشاد...
الختام:
و على الرغم من كل الكوارث و المآسي و التعقيدات و المتغيرات تستمر الحياة في وجود قدر معقول من التفآؤل ، و الثابت المؤكد هو أن بلاد السودان في حوجة مآسة/ضرورية إلى قيادات وطنية نزيهة و صادقة ، قيادات تمتلك الكفآءات و المهارات و القيم و الأخلاق و كذلك الجرآءة/الشجاعة و الرؤى اللازمة/الخلاقة لبنآء دولة القانون و المؤسسات التي تمكن الشعوب السودانية من العيش في أجوآء يسودها الأمن و الحرية و السلام و العدالة و ينتفي فيها الظلم...
و خير ختام:
{ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰ فَسَالَتۡ أَوۡدِیَةُۢ بِقَدَرِهَا فَٱحۡتَمَلَ ٱلسَّیۡلُ زَبَدࣰا رَّابِیࣰاۖ وَمِمَّا یُوقِدُونَ عَلَیۡهِ فِی ٱلنَّارِ ٱبۡتِغَاۤءَ حِلۡیَةٍ أَوۡ مَتَـٰعࣲ زَبَدࣱ مِّثۡلُهُۥۚ كَذَ ٰ⁠لِكَ یَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡحَقَّ وَٱلۡبَـٰطِلَۚ فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَیَذۡهَبُ جُفَاۤءࣰۖ وَأَمَّا مَا یَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَیَمۡكُثُ فِی ٱلۡأَرۡضِۚ كَذَ ٰ⁠لِكَ یَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡأَمۡثَالَ }
[سُورَةُ الرَّعۡدِ: ١٧]
و الحمد لله رب العالمين و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.

فيصل بسمة
fbasama@gmail.com

 

آراء