فترة الثقافات المبكرة من تاريخ السودان القديم (2)

 


 

 

ahmed.elyas@gmail.com

بدأت في الموضوع السابق الكتابة عن تاريخ السودان القديم، وتناول الموضوع فترة الثقافات المبكرة المعروفة باسم عصور ما قبل التاريخ قبل الألف 4 ق م. فتعرفنا بإيجاز على بعض المناطق الصحراوية الحالية والأودية مثل مناطقة نبتا بلايا وسليمة الكبرى ولقية ومنطقة إنيدي وبحيرة شمال دارفور القديمة الكبرى وواحة النخيلة وواحة النطرون ووادي هور (النيل الأصفر) وسلاسل جبال شمال دارفور ووادي الملك وجبل حرازة وصحراء بيوضة ووادي المقدم، وادي أبدوم وخور أبو حبل ووادي العلاقي. وأوضحنا أن هذه المناطق الصحراوية الجافة حالياً كانت مأهولة بالسكان وعلى تواصل دائم ببعضها البعض في فترة الثقافات المبكرة قبل الألف الرابع قبل الميلاد، أي قبل نحو 6000 سنة.

هذه الفترة من تاريخ السودان المبكرة من تاريخنا القديم تمثل مرحلة الأساس التي قامت عليها الحضارة السودانية القديمة، ورغم ذلك فإن المعلومات عنها في مناهجنا الدراسية وأغلب مراجعنا شحيحة وتكاد تكون غير معروفة وتتطلب المزيد من العناية والتركيز في مراكز البحوث. والجدير بالذكر أن هذه الفترة وجدت الكثير من الاهتمام في بعض الجامعات ومراكز البحوث الغربية فتوسع مجال الكشوفات الأثرية ليشمل الكثير من مناطق الصحارى الحالية شرق وغلاب النيل. وقد نُشرت نتائج أبحاثها في أعمال المؤتمرات وفي الدوريات المتخصصة فتوفر بذلك عدد كبير من المراجع عن هذه الفترة المبكرة
وأود أ، أوضح هنا أنني سأقوم بتسليط الضوء على بعض يلك الثقافات المبكرة بالقدر الذي يعرف بها ويوضح دورها في تأسيس الحضارة السودانية القديمة مساهمة مني في الجهود التي تقوم بها أقسام الآثار والتاريخ في الجامعات السودانية لبث الروح في تاريخنا القديم.
وأود في البداية العودة إلى موضوعين مهمتين – تناولتهما في السابق - ينبغي التوقف معهما ومناقشتهما وانزالهما إلى أرض الواقع في أبحاثنا ودراساتنا لتاريخ السودان القديم. أولاً: مسألة حدود السودان القديم، والثانية العلاقة بين منطقة النيل والمناطق الصحراوية الحالية الواقعة إلى الشرق والغرب منه ودورها في تأسيس الحضارة السودانية القديمة.

فيما يتعلق بمسألة حدود السودان القديمة فإن قيام مملكة تاستي السودانية التي تأسست في الألف الرابع قبل الميلاد في المنطقة الواقعة بين حلفا وأسوان يوضح أن حدود السودان القديمة امتدت منذ الألف الرابع قبل الميلاد حتى منطقة أسوان. وظلت منطقة أسوان (الشلال الأول) تمثل من واقع الآثار والنصوص القديمة والحديثة حدا فاضلاً بين السودان ومصر، بل كانت حدود السودان في بعض الأحيان تمتد إلى الشمال من أسوان.

كما كانت المناطق الواقعة جنوب خط عرض منطقة اسوان (24 دجة شمال) بين البحر الأحمر شرقاً والحدود الليبية المصرية غرباً كما توضح المصادر المصرية القديمة والمصادر اليونانية والرومانية والعربية أرضي غير تابعة لمصر وتقع داخل حدود السودان. فالمناطق الواقعة شرق أسوان كانت مواطنا للقبائل السودانية مثل المدجاي أو المِجا والبليميين والترجلودايت منذ العصور القديمة. كما لم تكن للمصريين القدماء أي سلطة أو نفوذ على المناطق الصحراوية الحالية الواقعة غرب أسوان بل كانت صلات هذه المناطق السكانية والثقافية متواصلة مع مناطق جنوب أسوان. وسيتضح ذلك من خلال تناولنا للثقافات المبكرة في مناطق كركور ودنقل وبئر طرفاوي والجرف الكبير وبئر كسيبا ونبتا بلايا وكل هذه المناطق تدخل حاليا داخل الحدود المصرية. فحدود السودان الشمالية منذ فجر التاريخ وحتى نهاية القرن التاسع عشر الميلادي كانت خط عرض 24 درجة شمال.
والموضوع الآخر الذي ينبغي أن نوليه اتماماً كبيراً هو دراسة تاريخ المناخ والتعرف على ماضي المناطق الصحراوية والأودية الحالية الجافة والموسمية للتعرف على الثقافات المبكرة التي تطورت عليها وأثرها على تاريخ وحضارة السودان القديم قبل قيام مملكة تاستي. فقد كانت هذه المناطق الجافة مناطق خضراء آهلة بالحياة السكانية والحيوانية والنباتية في الأطوار المبكرة والوسطى من عصر الهولوسين منذ الألف الثامن قبل الميلاد.
وستبدأ الموضوعات بالتعريف بالثقافات المبكرة في المناطق الصحراوية غرب النيل منذ بداية عصر الهولوسين حتى الألف الرابع قبل الميلاد.

 

آراء