فساد الحاكم والمحكوم في صحف الخرطوم

 


 

منى عبد الفتاح
25 September, 2011

 

كيف لا

تعودت منذ سنوات أن أعود من أرض الوطن أو يعود أحد أفراد أسرتي وهو محمّلاً بوصايا غالية عليّ وهي عبارة عن نسخ من أحدث الأعداد لصحف الخرطوم الصادرة ليومين أو ثلاثة أيام. الفرق كبير بن تصفح الجريدة على الإنترنت وتصفحها وهي نسخة حية تقّلب صفحاتها كل حسب طريقته في القراءة ، من الصفحة الأخيرة إلى الأولى ، أو من العناوين الرئيسة في بداية الجريدة حتى نهايتها ثم قراءتها حرفاً حرفاً ، أو بطريقة الانتقاء ، المهم هو الاستمتاع بها وتحقيق الفائدة المعرفية -إن وجدت- كل حسب طريقته.
وصلتني قبل أيام مجموعة كبيرة من صحف الخرطوم ، أول ما لاحظته عليها بشكل عام هو أنها تتفق في رداءة الطباعة ، فظلال الخطوط العريضة بألوان مغايرة تكاد تذهب بالبصر ، وضعف الورق يجعلك تشعر أن الجريدة لن تتمكن من الصمود حتى قراءتها كاملة . وإن وجدنا عذراً لحال الصحافة الورقية وحال طباعتها وتحولها المتسارع لتتنازل عن عرشها لصالح الصحافة الإلكترونية ، فليس هناك من عذر لما آل إليه حال المحتوى من تحرير أخبار وقوالب صحفية أخرى كالعمود الذي اختلط بالمقال ، والمقال الذي انتحل صفة التقرير. كان المحتوى صادماً وبشكل أكبر مما رأيت عليه حال الصحف قبل شهور قليلة . أطالع الصحف يومياً ولكن هذه الإطلالات الوردية والزرقاء لصحفنا المحلية والتي نراها بالخارج من خلال الإنترنت ما هي إلا صورة مجمّلة وملمّعة ومنتقاة لما يقرأه البقية بالداخل. الصحيفة الورقية تتجمل إلكترونياً  بحيث يتم إخفاء كثير من عيوبها المتمثلة في الترتيب غير الجيّد والإعداد المتعجّل ، كما يعمل الفوتوشوب على ملامح الصور الشخصية تماماً .
طالعت صحف يومية رسمية من المفترض أن تكون أكثر رصانة ، إلا أنها تفرد صفحات كاملة مشكّلة صحافة صفراء داخل الصحيفة الرسمية . وتذهب بهذه الحال إلى دوواوين الحكومة ووزارة الثقافة ومجلس الصحافة ، ويحملها رب البيت كذلك إلى أسرته . هذا مما لا يظهر على النسخة الإلكترونية .
تتفق الصحف أيضاً في حديثها وتتبعها للفساد الذي انكشف ستره وبان للعيان وأزكم الأنوف ، وهذه ظاهرة حميدة رغم كل ما فيها من آلام . لم أتوقع يوماً أن يكون مجتمعنا السوداني هو المجتمع الفاضل الوحيد بين المجتمعات ولكن ظهور كل شيء فجأة شيء صادم ومربك في آن واحد.
قد يكون الواقع أشد وطأة مما تعكسه صحف الخرطوم المستقلة ، ولكن مساحة الحرية المتاحة هي ما يمكّن القراء من الإطلاع ولو على هذا الجزء اليسير من فساد أجهزة إتمنوها على أموالهم وأرواحهم .فالفساد لم يظهر هكذا فجأة وهذا مما  يُفهم من سير التحقيقات الصحفية المقطوعة والممنوعة بالقانون بحجة أنها تؤثّر على سير القضايا . مساحة الحرية اليسيرة المذكورة مُقتلعة من فك الأسد وهي على ضآلتها ساهمت في كشف المستور من فساد أجهزة رسمية ومن وليّ أمرها من المواطنين. لم يستثن الفساد إدارة تعمل في خامس أركان الإيمان بغرض تسهيل إجراءات المواطنين بينما هي تعقدّها ليتمتم من لم تكتمل أوراقه أو ماله بأن الله لم يهوّن له أو "حماني القيد منع " كما في المديح الشهير . ولِمَ الاستثناء وحمى بريق المال وضعف النفس البشرية أمامه لم تترك ركناً مقدّساً إلا ودنسته.
تعودنا في قول كلمة الحق مهما صغر حجمها أن نهجو الحاكم ، ولذلك أساليب كثيرة تنوء بثقلها تحقيقات وتنقيب الصحافيين في رحلتهم الوعرة في سبيل البحث عن الحقيقة. ولكننا نعجز عن الإتيان بما يمس المواطن مهما طال فساده واستطال والحجة هنا أن المواطن المسكين دوماً يستمد فساده من فساد أجهزة حكمه، ولكنه في هذه الحالة اختار أن يكون عدوّ نفسه حين سخر الله له بعض من حملة الأقلام يزودون عن حقوقه فلا يجدونه إلى صفهم.
عن صحيفة "الأحداث"




moaney [moaney15@yahoo.com]

 

آراء