فقراء الماضي يعادون فقراء الحاضر!!

 


 

حيدر المكاشفي
30 November, 2022

 

بشفافية –
لم يجانب د.ياسر ميرغني رئيس الجمعية السودانية لحماية المستهلك الحقيقة، بل أصاب كبدها حين قال في تصريح له (إنه من غير المعقول أن تتفرج وزارة التربية والتعليم العام على ما يحدث في التعليم وطرد التلاميذ، مضيفا أن من تعلموا مجانا يطردون التلاميذ الآن من الفصول الدراسية بسبب الرسوم)، واستطرد ميرغني في سياق حديثه عن مآسي ومخازي التعليم مطالبا الحكومة بأن تتصرف بمسؤولية تجاه المال العام، وأن تبتعد عن جيب المستهلك وأن توجه أموال الضرائب والجبايات الى التعليم، مشددا على ضرورة إصدار تعميم يمنع طرد اي تلميذ من المدارس الحكومية..
استوقفتني في حديث رئيس جمعية حماية المستهلك أعلاه، الجزئية التي قال فيها أن من تعلموا مجانا يطردون التلاميذ الآن من الفصول الدراسية بسبب الرسوم)، وتلك هي المفارقة العجيبة اذ ان عملية خصخصة التعليم وتسليعه وتدميره التي تمت خلال العهد البائد، وان من فعلوا ذلك بالتعليم من قيادات العهد المخلوع ممن أصبحوا بعد انقلابهم المشؤوم من ذوي الحظوة والمكانة والسلطة والثروة، هم من عاشوا حياة البؤس والفقر والتعاسة، وخرجوا من أصلاب آباء فقراء ومن بيوت الطين والجالوص والزبالة، ودرادر القش ورواكيب القصب وجريد النخل، وخيم السعف والشعر والجلود، ولو كان غالب هؤلاء عاشوا في زمن كان فيه التعليم مثله مثل أي سلعة كمالية غالي الثمن وباهظ الكلفة، كما كان حاله طوال حقبتهم الكالحة، هل كانوا سيكونون شيئا مذكورا، الاجابة التلقائية والمنطقية تقول وبواقع حالهم ذاك أنهم لن يكونوا سوى أميين لا يفكون الخط، أو فاقد تربوي ضاعت طفولته ولم يجد لنفسه أي مستقبل غير أن يمارس الأعمال الشاقة والهامشية، أو شماشة يهيمون في الشوارع يستنشقون البنزين والسلسيون، ويقتاتون من فضلات الكوش ويقضون حاجتهم وليلتهم داخل المجاري..هذا السؤال ظل يلح على خاطري مع أي ذكر للتعليم، ودائما ما كنت أجيب عنه بالاجابة الطبيعية والتلقائية التي لا يقبل غيرها،
ثم أتعجب واستنكر، لماذا لم يسأل هؤلاء أنفسهم هذا السؤال، هل تراهم نسوا ماضي فقرهم وشظفهم وتنكروا له، بعد أن قفزوا من حياة البؤس والشقاء الى مراقي العائلات المخملية والناس (النقاوة) والمجتمعات الارستقراطية، فأصبحوا يصطافون ويتعالجون خارج البلاد، ويعلمون أبناءهم في مدارس الاتحاد وكمبوني وسان فرانسيس، وجامعات كيمبردج وكينجزكولدج وهارفارد والسوربون وغيرها من أرقى جامعات العالم، ولم يبق في مخيلتهم ما يربطهم بماضيهم الحزين الذي ركلوه ومسحوه من تلافيف الذاكرة، ولسان حالهم يقول (الله يقطع الفقر والفقراء وسنينهم)، ونستطيع أن نؤكد بكل ثقة ويقين أن هذا هو ما صار اليه حالهم، فلا شيء يخفى على الناس في السودان، بينما لا يستطيع الفقراء الحاق أبنائهم حتى بمدارس الميري على علاتها وما تعانيه من فقر مثلهم في كل مطلوبات العملية التعليمية في حدها الأدنى..
الجريدة

 

آراء