فكر مكافحة انقلاب البرهان الفاشل يقع مابين ماركس اليميني و ماركس اليسار
طاهر عمر
24 February, 2022
24 February, 2022
واحدة من عيوب النخبة السودانية أنها لاحقة للأحداث و اللاحق للأحداث يكتب و يجتهد الى ما لا نهاية إلا أنه لا ينتج فكر يفتح على ما ينفع الناس. و نقصد بفكرة ان النخبة السودانية لاحقة للأحداث في انها لم تكن مدربة دربة جيدة على ملاحظة في أي المستويات من الوعي قد أصبحت البشرية و هي تسير في إتجاه إستشراف مستقبلها و في أي إتجاه يسير فكر المجتمع البشري في معالجة الظواهر الاجتماعية و ما يترتب عنها من مفاهيم جديدة.
و هذا لا ينطبق على النخب السودانية وحدها بل في كل نخب العالم و لكن الفرق بين المجتمعات الحية المتشبعة بعقل الحداثة و فكر عقل الأنوار نجدها تختلف عن نخب المجتمعات التقليدية كحالة نخب المجتمع السوداني كنخب تقليدية للغاية و لاحقة لمواكب الأفكار دون أن ترتفع الى مستوى عقل ورثة عقل الأنوار و يظل الفرق كبير بين نخب ورثة عقل الأنوار و نخب المجتمعات التقليدية كحالة المجتمع السوداني و المضحك المبكي ان نخبنا التقليدية تريد أن تحكم على نخب العالم المتقدم و تدينها بل تريد أن تعاكس و تشاكس و ترفض فكر نخب العالم المتقدم و كله نتاج عقلها التقليدي فمثلا أغلب النخب السودانية في حقبة ما بعد الاستقلال لم تفرق ما بين خيانة أوروبا للتنوير و أفكار عقل الأنوار و أفكار الحداثة لذلك نجد كثير من المفكرين السودانيين لم يخرجوا بعد من إطار فكر المجتمعات التقليدية إلا القليل منهم.
و عندما يخرج من ينتقد فكره و مسيرته يكون قد أصبح في حيز من بعد ما فات الأوان كما يغني المغني و نضرب مثلا على ذلك بالدكتور منصور خالد عندما قدم نقد لحقبة دفاعه عن نظام الحزب الواحد و بأن الاشتراكية هي أقرب الطرق الى التنمية الاقتصادية و قال بأنها كانت حقبة كانت كل النخب في حالة غيبوبة جماعية و بالمناسبة منصور لولا وعيه و تفرده مقارنة بالنخب السودانية الفاشلة لما قال ما قال عن انتقاده للخطاء الجماعي للنخب في جميع دول العالم الثالث و لذلك هل يخرج من يقول بأن المؤرخيين السودانيين و غيرهم من المهتمين بالدراسات السودانية كيوسف فضل و تلاميذه و محمد ابراهيم أبوسليم و علي صالح كرار و عون الشريف قاسم و الحبر يوسف نور الدائم كتلاميذ لعبد الله الطيب قد غاصوا في وحل فكر المجتمعات السودانية التقليدية و حتى اللحظة لم يصلوا الى مستوى منصور خالد الذي قدم نقد لفكر سياسيي حقبته و إنتقدهم بشجاعة نادرة.
و بالمناسبة تكمن أهمية الإلتفات الى دور المؤرخيين السودانيين كيوسف فضل و محمد ابراهيم أبوسليم و علي صالح كرار و كذلك فكر عبد الله الطيب و تلاميذه في نقده و تحييده بفكر يجعلنا في مستوى تجاوز هذا الفكر التقليدي الذي ساهم في ترسيخ فكر كاسد لم يتجاوز مستوى العرق و الدين و هذا ما لم ينتبه له الدراسين لتاريخ المجتمع السوداني حيث ما زالت هناك دراسات لم تبارح حيز العرق و الدين و هذا عكس ما يرنوا له محاولي ترسيخ فكر النشؤ و الإرتقاء الذي قد تجاوز كل من العرق و الدين بعكس بفكر يوسف فضل و علي صالح كرار و أبو سليم و عبد الله الطيب و تلاميذه حيث نجدهم في مقارباتهم في تجاور و تساكن مع فكر الكيزان و السلفيين و أتباع الطائفية حيث تسود فكرة صحيح الدين التي لا تفتح إلا على علوم إحياء علوم الدين كآخر أشعة لألفية الامام الغزالي و هي تتجه الى الغروب بهزيمة فكر داعش و فكر الحركات الاسلامية و هنا في السودان قد آن أوان مفارقة فكر أبوسليم و يوسف فضل و علي صالح كرار و فكر عبد الله الطيب و تلاميذه.
نجد كثير من المؤرخيين السودانيين لا ينتبهون الى ان فكر عبد الله الطيب و أبوسليم و يوسف فضل متفق و غير مفارق بل مجاور و مساكن لوحل الفكر الديني في السودان لهذا السبب نجد و في غياب المؤرخ الفيلسوف و عالم الاجتماع و الاقتصادي لا حرج في مدح كل من درسات ابوسليم و علي صلاح كرار و يوسف فضل و كلها دراسات لا تحاذي فكر الفارابي مثلا في مدينته الفاضلة التي يجعل فيها الغلبة الى الفيلسوف و ليس لرجال الدين و لهذا السبب نجد ان درسات أبوسليم عن منشورات المهدية مهدت لقبول الصادق المهدي كرجل دين ان يكون له مكانة بين السياسيين و هنا يتضح لك إختلاط الحابل بالنابل و نجد مقاربات علي صلاح كرار عن الطرق الصوفية تفتح الطريق لرجالات الطرق الصوفية و الادارة الأهلية ان يكون لهم العشم في ان يلعبوا دور في السياسة كما رأينا كيف يحاول البرهان و حميدتي في خلق حاضنة من رجال الطرق الصوفية و الادارة الاهلية.
و هذا كله بسبب دراسات علي صالح كرار و أبوسليم و يوسف فضل حيث كانت بحوثهم متجاورة و متساكنة مع فكر الاحياء الديني و فكرة صحيح الدين و هي نفسها التي مهدت الى ان لا يتحرج الدكتور النور حمد في أن يطرح فكرة المصالحة بين العلمانية و الدين و كذلك ان يتجاسر الشفيع خضر بفكرة المساومة التاريخية بين يسار سوداني رث و يمين سوداني غارق في وحل الفكر الديني و كذلك ان يعلن الحاج وراق مرتاح الضمير المهادنة لأحزاب الطائفية و النسخة السودانية للشيوعية و كله فكر كاسد و لهذا السبب نرى بعد إنقلاب البرهان الفاشل بدأ يظهر فيلسوف الانقاذ الخايب امين حسن عمر بخواطره التي يظن انها فكر و كذلك خرج غازي صلاح الدين مستثمر في كساد الفكر ظان أنه يستطيع إعادة عقارب الساعة للوراء و هيهات.
اذا كانت الساحة صاحية بفكر و فلسفة النوابت كما يقول فتحي المسكيني لا يتجراء فيلسوف الانقاذ الخايب امين حسن عمر على الظهور من جديد و لا يستطيع غازي صلاح الدين ان يزعم ان له جولة و جولة من جولات الباطل و لكن ها هو المشهد الفكر مهئ لهم في ان يعيدوا الكرة و كله بسبب إنتشار فكر كاسد كفكر أبوسليم و علي صالح كرار و عبد الله الطيب و تلاميذه و يوسف فضل و لهذا السبب نجد ساحة الفكر السودانية مليئة بكتاب من رجال الدين و كتاب من العسكر و الدبلوماسين في غياب المؤرخ الفيلسوف و عالم الاجتماع و الاقتصادي المشبع بادبيات تاريخ الفكر الاقتصادي و أفكار النظريات الاقتصادي التي تشرح التاريخ الاجتماعي و التاريخ الاقتصادي و تصبح مؤشر جيد يشير الى إتجاه تحول المفاهيم.
و بالمناسبة لا يمكن لساحة الفكر السوداني ان تتعافى من كسادها إلا عندما يظهر المؤرخ الفيلسوف و في نفس الوقت عالم الاجتماع و الاقتصادي في شخص واحد اما في وقتنا الراهن فلا امل للخروج من كساد الفكر ما دامت الساحة السودانية لا تبحث ألا في المجاور و المساكن و المتفق و غير المفارق لفكر وحل الفكر الديني حيث لا يمكن ان تخرج من طياته أي ثقافة علمانية كما رأينا كيف كانت الشعوب الحية تتقبل فكرة زوال سحر العالم حيث لم يعد للدين أي دين أي دور بنيوي في السياسة و الاجتماع و الاقتصاد و هذا ما فات على النخب السودانية لأنها حتى لحظة كتابة هذا المقال أكبر النخب السودانية لم تفرق بعد ما بين فلسفة التاريخ التقليدية و متى و كيف إنتهت و كيف و متى بدأت فلسفة التاريخ الحديثة و هذا نجده في غياب وعي النخب السودانية بما يتعلق بمسألة الحرية و العدالة و كيف يمكن تحقيقها عبر ترسيخ ادبيات الفكر الليبرالي بشقيه السياسي و الاقتصادي.
و عندما نتحدث عن أدبيات الفكر الليبرالي ندرك تمام بان النخب السودانية لم تدرك بعد بان ادبيات الفكر الليبرالي تشمل في طياتها ما يحمي فكرة العقد الاجتماعي الذي نجده في ابداعات عمانويل كانط المتمثلة في فكرة أنثروبولوجيا عمانويل كانط و قدرتها على فصل الميتا عن الفيزيقيا و هنا تكمن مأساة المثقف السوداني حيث لم يستطيع و لم تكن له القدرة على الخروج من مسألة أن الدين سلوك فردي و أن البشرية و صلت لمستوى وعي يستطيع فصل الدين عن السياسة حيث لم يعد للدين أي دين أي دور بنيوي في السياسة و الاجتماع و الاقتصاد و هنا تظهر قصر قامة مؤرخينا أي يوسف فضل و محمد ابراهيم ابوسليم و تلاميذهم حيث كانت كل جهودهم مرتكزة على فكرة صحيح الدين و من يحيث لا يدرون كانوا سندا للخطاب الديني المنغلق و المسيطر على ساحة الفكر في السودان لا يختلفون عن جهود الدكتور عبد الله الطيب و تلاميذه في محاربة فكر علماء الاجتماع و الانثروبولوجيين و محاولة إعادة الأبهة لرجال الدين و لهذا لا تستغرب في ان أتباع الحركة الاسلامية قد استثمروا في ما رسخه كل من يوسف فضل و ابوسليم و عبد الله الطيب و لهذا لا يختلف عن التوفيق الكاذب و الترقيع الذي قد مارسه كل من كمال الجزولي و النور حمد و رشا عوض في لقاء نيروبي بسبب مكيدة الكوز خالد التجاني النور و فخه الذي قد نصبه لهم. و لهذا السبب نقول بان النخب السودانية ستظل في قيدها الذي لم تستطع كسره مقارنة مع الشعب المتقدم عليها في توقه للإنعتاق من فلسفة العبيد التي يرسخها الخطاب الديني.
بالمناسبة إذا كانت هناك مراكز بحوث مرتكزة على قيم فلسفة التاريخ الحديثة لما فشلت الفترة الانتقالية و لما فشلت حكومة حمدوك لان في ظل فلسفة التاريخ الحديثة ستكون مسالة مفهوم الدولة الحديثة التي ستقود التحول الاجتماعي و التحول الديمقراطي واضحة و ستسهل الطريق الى تفكيك التمكين بلا رحمة حيث لم يترك الكيزان في مفاصل الدولة ليوقفوا حركتها و ستكون لوزارة الاقتصاد و البنك المركزي أهمية بالغة الاهمية فيما يتعلق بإنزال السياسات المالية و السياسات النقدية و لكن كساد النخب السودانية التي تتبع لأحزاب الطائفية و أحزاب الفكر الديني و العرقي يوضح لك لأي مدى ان الفكر و الوعي في السودان لا علاقة له بالتفكير النقدي في ظل نخب ما زالت نسخة الشيوعية السودانية تؤمن بفكرة نهاية التاريخ و انتهاء الصراع الطبقي و لهذا نجد جهل الشيوعيين السودانيين بفلسفة التاريخ الحديثة يجعلهم محبوسين في أفكار الخمسينيات من القرن المنصرم.
و المضحك قد أقنعوا بقية النخب الكاسدة بان الشيوعي السوداني من بين صفوف الأذكياء من أبناء السودان و هيهات ما زال الشيوعي السوداني لا يدرك بان ماركسية ماركس لم تعد ذلك الأفق الذي لا يمكن تجاوزه لأن انثروبولوجيا كانط و فلسفة جون لوك و علم اجتماع منتسكيو و فلسفة جان جاك روسو و نظرية العدالة لجون راولز قد أسست لمعادلة الحرية و العدالة التي لا يمكن تحقيقها بغير الفكر الليبرالي بشقيه السياسي و الاقتصادي و هو مفتوح على اللا نهاية و بالمناسبة يقف الشيوعي السوداني سد منيع امام فكرة تسلل أفكار فلسفة التاريخ الحديثة الى ساحة الفكر السودانية و يسدون أي منفذ يساعد على ترسيخ فلسفة التاريخ الحديثة و كيف كان دورها في تحقيق معادلة الحرية و العدالة في ادب النظرية الكنزية و دور التدخل الحكومي في مسألة تحقيق فكرة الاستهلاك المستقل عن الدخل و فكرة الضمان الاجتماعي و كيف كانت المعادلات السلوكية قلب فكر الكينزية حيث فشل الماركسيين في إعطاء أي معادلة سلوكية ذات منطق رياضي توضح صحة ماركسية ماركس.
في هذا المقال نقول للنخب السودانية ما لم تنتشر أفكار فلسفة التاريخ الحديثة و قد فوتت أفواج النخب السودانية فرصة فهمها منذ أيام مؤتمر الخريجيين و جيل بعد جيل يكرر نخب السودان تفويت الفرصة و هي كيف يفهم المثقف السوداني أن فلسفة التاريخ الحديثة تضع ماركس في مقعده كمؤرخ عادي و لم يعد ذلك الأفق الذي لا يمكن تجاوزه بل ان مسالة العدالة و الحرية لا يمكن تحقيقها بغير الفكر الليبرالي و المضحك المبكي يخلط كثير من السودانيين بين ديناميكية النيوليبرالية وبين خط الليبرالية المنفتحة على اللا نهاية و هي تتخطى أزمة النيوليبرالية كديناميكية في ازمتها الأخيرة و تتجه باتجاه ديناميكية جديدة و هي فكرة الحماية الاقتصادية و هي من صميم أدبيات الفكر الليبرالي و لها فلاسفتها الذين قد أثروا فكر الليبرالية و هو يتحدث عن فكرة الحماية الاقتصادية و أشهرهم فردريك ليست.
على العموم غياب فكر الليبرالية يتيح الفرصة للمثقف المنخدع بماركسية ماركس ان يتوهم بفكرة البرنامج الاسعافي و لن يحكمنا البنك الدولي كبرنامج لما بعد إسقاط انقلاب البرهان الفاشل و نحن نقول بان وهم الشيوعيين السودانيين بإعادة عقارب الساعة لفكر ماركسية ماركس واحد من أفيون المثقفيين السودانيين و هنا استلف من ريمون أرون عنوان كتابه أفيون المثقفيين و فيه ما هو غائب عن مثقفنا السوداني و خاصة أتباع النسخة المتخشبة من الشيوعية السودانية و أصدقاءهم و لهذا السبب غابت أفكار الليبراليىة التي تؤسس لمجتمع يقوم على العقلانية و الاأخلاق و حلت محلها أحزاب الطائفية و السلفيين و أتباع الحركة الاسلامية السودانية و كلها لا يعرف خطابها العقلانية و الاخلاق. على ذكر ريموند ارون يجب ان نذكر بان منذ عام 1938 كان ريموند ارون ضد فلسفة النيوليبرالية المتمثلة في أفكار فردريك حايك و كان يؤكد على عدم تماسكها كديناميكية و كان يرى في الكينزية و مسالة التدخل الحكومي و لكن بعد تعثر الكينزية لاسباب كثيرة أطلت بعد أربعة عقود من نقد ريموند لها أطلت النيوليبرالية في زمن تاتشر و ريغان و قد وصلت الى منتهاها في الازمة الأقتصادية الاخيرة و معروف أن فردريك حايك و فكره في النيوليبرالية يصنفه و يضعه في خانة ماركس اليميني و خاصة في مسالة رفضه لمسألة التدخل الحكومي و المضحك يجهل كثير من الشيوعيين السودانيين بأن أفكار فردريك حايك تجعله يصنف بأنه ماركس اليميني و هنا نقول للنخب السودانية عليكم بالاهتمام ما بين ماركس اليميني و ماركس و هو خط الليبرالية التي تجسده فكرة الحماية الاقتصادية الآن و الى ثلاثة عقود قادمة.
المهم في الامر نرجع لمنصور خالد و نقده لمسيرته السياسية و إعترافه بأنه كان من ضمن جيل أخطاء في أن الحزب الواحد و خط الاشتراكية هي الأقرب لتحقيق التنمية و هذا يوازي إعتذار ادورد سعيد عن ما خلفه كتابه الاستشراق من خدمة للسلفية الدينية بدلا من خدمة التنوير و عليه نقول ان كتابات ابوسليم و يوسف فضل و علي صالح كرار و عبد الله الطيب و تلاميذه كانت على الدوام و حتى اللحظة في خدمة السلفية و الخطاب الديني المنغلق بدلا من أن تخدم التنوير مع غياب إعتذار كاعتذار ادورد سعيد عن ما خلفه كتابه الاستشراق من أثار غير حميدة كخدمة السلفية الدينية أو كاعتراف منصور خالد بخطاء خط جيله فيما يتعلق بالسياسة و الاجتماع.
الآن الشعب السوداني يكافح إنقلاب البرهان الفاشل و سينتصر لأن من يقوم بالتغيير هو الشعب و خاصة بان الشعب السوداني الآن قد اتضحت له الرؤيا و نضح له الهدف فيما يتعلق بمسالة مفهوم الدولة التي تقود التحول الاجتماعي و التحول الديمقراطي و يبقى من أكبر معوقات تحقيق أهداف الشعب هو المثقف السوداني الذي ما زال غير قادر على ان يفهم بأن خط الفكر الذي يسود العالم في الثلاثة عقود القادمة يقع ما بين خط فكر ماركس اليميني و خط ماركس اليسار و هذا يحتاج من النخب السودانية مراجعة خط فكرها الذي قد تعود على تفويت الفرص لمواكبة مسيرة المواكب البشرية منذا أيام أتباع مؤتمر الخريجيين و قد كانوا خارج النموذج مقارنة بمثقفي العالم الحر.
taheromer86@yahoo.com
////////////////////////
و هذا لا ينطبق على النخب السودانية وحدها بل في كل نخب العالم و لكن الفرق بين المجتمعات الحية المتشبعة بعقل الحداثة و فكر عقل الأنوار نجدها تختلف عن نخب المجتمعات التقليدية كحالة نخب المجتمع السوداني كنخب تقليدية للغاية و لاحقة لمواكب الأفكار دون أن ترتفع الى مستوى عقل ورثة عقل الأنوار و يظل الفرق كبير بين نخب ورثة عقل الأنوار و نخب المجتمعات التقليدية كحالة المجتمع السوداني و المضحك المبكي ان نخبنا التقليدية تريد أن تحكم على نخب العالم المتقدم و تدينها بل تريد أن تعاكس و تشاكس و ترفض فكر نخب العالم المتقدم و كله نتاج عقلها التقليدي فمثلا أغلب النخب السودانية في حقبة ما بعد الاستقلال لم تفرق ما بين خيانة أوروبا للتنوير و أفكار عقل الأنوار و أفكار الحداثة لذلك نجد كثير من المفكرين السودانيين لم يخرجوا بعد من إطار فكر المجتمعات التقليدية إلا القليل منهم.
و عندما يخرج من ينتقد فكره و مسيرته يكون قد أصبح في حيز من بعد ما فات الأوان كما يغني المغني و نضرب مثلا على ذلك بالدكتور منصور خالد عندما قدم نقد لحقبة دفاعه عن نظام الحزب الواحد و بأن الاشتراكية هي أقرب الطرق الى التنمية الاقتصادية و قال بأنها كانت حقبة كانت كل النخب في حالة غيبوبة جماعية و بالمناسبة منصور لولا وعيه و تفرده مقارنة بالنخب السودانية الفاشلة لما قال ما قال عن انتقاده للخطاء الجماعي للنخب في جميع دول العالم الثالث و لذلك هل يخرج من يقول بأن المؤرخيين السودانيين و غيرهم من المهتمين بالدراسات السودانية كيوسف فضل و تلاميذه و محمد ابراهيم أبوسليم و علي صالح كرار و عون الشريف قاسم و الحبر يوسف نور الدائم كتلاميذ لعبد الله الطيب قد غاصوا في وحل فكر المجتمعات السودانية التقليدية و حتى اللحظة لم يصلوا الى مستوى منصور خالد الذي قدم نقد لفكر سياسيي حقبته و إنتقدهم بشجاعة نادرة.
و بالمناسبة تكمن أهمية الإلتفات الى دور المؤرخيين السودانيين كيوسف فضل و محمد ابراهيم أبوسليم و علي صالح كرار و كذلك فكر عبد الله الطيب و تلاميذه في نقده و تحييده بفكر يجعلنا في مستوى تجاوز هذا الفكر التقليدي الذي ساهم في ترسيخ فكر كاسد لم يتجاوز مستوى العرق و الدين و هذا ما لم ينتبه له الدراسين لتاريخ المجتمع السوداني حيث ما زالت هناك دراسات لم تبارح حيز العرق و الدين و هذا عكس ما يرنوا له محاولي ترسيخ فكر النشؤ و الإرتقاء الذي قد تجاوز كل من العرق و الدين بعكس بفكر يوسف فضل و علي صالح كرار و أبو سليم و عبد الله الطيب و تلاميذه حيث نجدهم في مقارباتهم في تجاور و تساكن مع فكر الكيزان و السلفيين و أتباع الطائفية حيث تسود فكرة صحيح الدين التي لا تفتح إلا على علوم إحياء علوم الدين كآخر أشعة لألفية الامام الغزالي و هي تتجه الى الغروب بهزيمة فكر داعش و فكر الحركات الاسلامية و هنا في السودان قد آن أوان مفارقة فكر أبوسليم و يوسف فضل و علي صالح كرار و فكر عبد الله الطيب و تلاميذه.
نجد كثير من المؤرخيين السودانيين لا ينتبهون الى ان فكر عبد الله الطيب و أبوسليم و يوسف فضل متفق و غير مفارق بل مجاور و مساكن لوحل الفكر الديني في السودان لهذا السبب نجد و في غياب المؤرخ الفيلسوف و عالم الاجتماع و الاقتصادي لا حرج في مدح كل من درسات ابوسليم و علي صلاح كرار و يوسف فضل و كلها دراسات لا تحاذي فكر الفارابي مثلا في مدينته الفاضلة التي يجعل فيها الغلبة الى الفيلسوف و ليس لرجال الدين و لهذا السبب نجد ان درسات أبوسليم عن منشورات المهدية مهدت لقبول الصادق المهدي كرجل دين ان يكون له مكانة بين السياسيين و هنا يتضح لك إختلاط الحابل بالنابل و نجد مقاربات علي صلاح كرار عن الطرق الصوفية تفتح الطريق لرجالات الطرق الصوفية و الادارة الأهلية ان يكون لهم العشم في ان يلعبوا دور في السياسة كما رأينا كيف يحاول البرهان و حميدتي في خلق حاضنة من رجال الطرق الصوفية و الادارة الاهلية.
و هذا كله بسبب دراسات علي صالح كرار و أبوسليم و يوسف فضل حيث كانت بحوثهم متجاورة و متساكنة مع فكر الاحياء الديني و فكرة صحيح الدين و هي نفسها التي مهدت الى ان لا يتحرج الدكتور النور حمد في أن يطرح فكرة المصالحة بين العلمانية و الدين و كذلك ان يتجاسر الشفيع خضر بفكرة المساومة التاريخية بين يسار سوداني رث و يمين سوداني غارق في وحل الفكر الديني و كذلك ان يعلن الحاج وراق مرتاح الضمير المهادنة لأحزاب الطائفية و النسخة السودانية للشيوعية و كله فكر كاسد و لهذا السبب نرى بعد إنقلاب البرهان الفاشل بدأ يظهر فيلسوف الانقاذ الخايب امين حسن عمر بخواطره التي يظن انها فكر و كذلك خرج غازي صلاح الدين مستثمر في كساد الفكر ظان أنه يستطيع إعادة عقارب الساعة للوراء و هيهات.
اذا كانت الساحة صاحية بفكر و فلسفة النوابت كما يقول فتحي المسكيني لا يتجراء فيلسوف الانقاذ الخايب امين حسن عمر على الظهور من جديد و لا يستطيع غازي صلاح الدين ان يزعم ان له جولة و جولة من جولات الباطل و لكن ها هو المشهد الفكر مهئ لهم في ان يعيدوا الكرة و كله بسبب إنتشار فكر كاسد كفكر أبوسليم و علي صالح كرار و عبد الله الطيب و تلاميذه و يوسف فضل و لهذا السبب نجد ساحة الفكر السودانية مليئة بكتاب من رجال الدين و كتاب من العسكر و الدبلوماسين في غياب المؤرخ الفيلسوف و عالم الاجتماع و الاقتصادي المشبع بادبيات تاريخ الفكر الاقتصادي و أفكار النظريات الاقتصادي التي تشرح التاريخ الاجتماعي و التاريخ الاقتصادي و تصبح مؤشر جيد يشير الى إتجاه تحول المفاهيم.
و بالمناسبة لا يمكن لساحة الفكر السوداني ان تتعافى من كسادها إلا عندما يظهر المؤرخ الفيلسوف و في نفس الوقت عالم الاجتماع و الاقتصادي في شخص واحد اما في وقتنا الراهن فلا امل للخروج من كساد الفكر ما دامت الساحة السودانية لا تبحث ألا في المجاور و المساكن و المتفق و غير المفارق لفكر وحل الفكر الديني حيث لا يمكن ان تخرج من طياته أي ثقافة علمانية كما رأينا كيف كانت الشعوب الحية تتقبل فكرة زوال سحر العالم حيث لم يعد للدين أي دين أي دور بنيوي في السياسة و الاجتماع و الاقتصاد و هذا ما فات على النخب السودانية لأنها حتى لحظة كتابة هذا المقال أكبر النخب السودانية لم تفرق بعد ما بين فلسفة التاريخ التقليدية و متى و كيف إنتهت و كيف و متى بدأت فلسفة التاريخ الحديثة و هذا نجده في غياب وعي النخب السودانية بما يتعلق بمسألة الحرية و العدالة و كيف يمكن تحقيقها عبر ترسيخ ادبيات الفكر الليبرالي بشقيه السياسي و الاقتصادي.
و عندما نتحدث عن أدبيات الفكر الليبرالي ندرك تمام بان النخب السودانية لم تدرك بعد بان ادبيات الفكر الليبرالي تشمل في طياتها ما يحمي فكرة العقد الاجتماعي الذي نجده في ابداعات عمانويل كانط المتمثلة في فكرة أنثروبولوجيا عمانويل كانط و قدرتها على فصل الميتا عن الفيزيقيا و هنا تكمن مأساة المثقف السوداني حيث لم يستطيع و لم تكن له القدرة على الخروج من مسألة أن الدين سلوك فردي و أن البشرية و صلت لمستوى وعي يستطيع فصل الدين عن السياسة حيث لم يعد للدين أي دين أي دور بنيوي في السياسة و الاجتماع و الاقتصاد و هنا تظهر قصر قامة مؤرخينا أي يوسف فضل و محمد ابراهيم ابوسليم و تلاميذهم حيث كانت كل جهودهم مرتكزة على فكرة صحيح الدين و من يحيث لا يدرون كانوا سندا للخطاب الديني المنغلق و المسيطر على ساحة الفكر في السودان لا يختلفون عن جهود الدكتور عبد الله الطيب و تلاميذه في محاربة فكر علماء الاجتماع و الانثروبولوجيين و محاولة إعادة الأبهة لرجال الدين و لهذا لا تستغرب في ان أتباع الحركة الاسلامية قد استثمروا في ما رسخه كل من يوسف فضل و ابوسليم و عبد الله الطيب و لهذا لا يختلف عن التوفيق الكاذب و الترقيع الذي قد مارسه كل من كمال الجزولي و النور حمد و رشا عوض في لقاء نيروبي بسبب مكيدة الكوز خالد التجاني النور و فخه الذي قد نصبه لهم. و لهذا السبب نقول بان النخب السودانية ستظل في قيدها الذي لم تستطع كسره مقارنة مع الشعب المتقدم عليها في توقه للإنعتاق من فلسفة العبيد التي يرسخها الخطاب الديني.
بالمناسبة إذا كانت هناك مراكز بحوث مرتكزة على قيم فلسفة التاريخ الحديثة لما فشلت الفترة الانتقالية و لما فشلت حكومة حمدوك لان في ظل فلسفة التاريخ الحديثة ستكون مسالة مفهوم الدولة الحديثة التي ستقود التحول الاجتماعي و التحول الديمقراطي واضحة و ستسهل الطريق الى تفكيك التمكين بلا رحمة حيث لم يترك الكيزان في مفاصل الدولة ليوقفوا حركتها و ستكون لوزارة الاقتصاد و البنك المركزي أهمية بالغة الاهمية فيما يتعلق بإنزال السياسات المالية و السياسات النقدية و لكن كساد النخب السودانية التي تتبع لأحزاب الطائفية و أحزاب الفكر الديني و العرقي يوضح لك لأي مدى ان الفكر و الوعي في السودان لا علاقة له بالتفكير النقدي في ظل نخب ما زالت نسخة الشيوعية السودانية تؤمن بفكرة نهاية التاريخ و انتهاء الصراع الطبقي و لهذا نجد جهل الشيوعيين السودانيين بفلسفة التاريخ الحديثة يجعلهم محبوسين في أفكار الخمسينيات من القرن المنصرم.
و المضحك قد أقنعوا بقية النخب الكاسدة بان الشيوعي السوداني من بين صفوف الأذكياء من أبناء السودان و هيهات ما زال الشيوعي السوداني لا يدرك بان ماركسية ماركس لم تعد ذلك الأفق الذي لا يمكن تجاوزه لأن انثروبولوجيا كانط و فلسفة جون لوك و علم اجتماع منتسكيو و فلسفة جان جاك روسو و نظرية العدالة لجون راولز قد أسست لمعادلة الحرية و العدالة التي لا يمكن تحقيقها بغير الفكر الليبرالي بشقيه السياسي و الاقتصادي و هو مفتوح على اللا نهاية و بالمناسبة يقف الشيوعي السوداني سد منيع امام فكرة تسلل أفكار فلسفة التاريخ الحديثة الى ساحة الفكر السودانية و يسدون أي منفذ يساعد على ترسيخ فلسفة التاريخ الحديثة و كيف كان دورها في تحقيق معادلة الحرية و العدالة في ادب النظرية الكنزية و دور التدخل الحكومي في مسألة تحقيق فكرة الاستهلاك المستقل عن الدخل و فكرة الضمان الاجتماعي و كيف كانت المعادلات السلوكية قلب فكر الكينزية حيث فشل الماركسيين في إعطاء أي معادلة سلوكية ذات منطق رياضي توضح صحة ماركسية ماركس.
في هذا المقال نقول للنخب السودانية ما لم تنتشر أفكار فلسفة التاريخ الحديثة و قد فوتت أفواج النخب السودانية فرصة فهمها منذ أيام مؤتمر الخريجيين و جيل بعد جيل يكرر نخب السودان تفويت الفرصة و هي كيف يفهم المثقف السوداني أن فلسفة التاريخ الحديثة تضع ماركس في مقعده كمؤرخ عادي و لم يعد ذلك الأفق الذي لا يمكن تجاوزه بل ان مسالة العدالة و الحرية لا يمكن تحقيقها بغير الفكر الليبرالي و المضحك المبكي يخلط كثير من السودانيين بين ديناميكية النيوليبرالية وبين خط الليبرالية المنفتحة على اللا نهاية و هي تتخطى أزمة النيوليبرالية كديناميكية في ازمتها الأخيرة و تتجه باتجاه ديناميكية جديدة و هي فكرة الحماية الاقتصادية و هي من صميم أدبيات الفكر الليبرالي و لها فلاسفتها الذين قد أثروا فكر الليبرالية و هو يتحدث عن فكرة الحماية الاقتصادية و أشهرهم فردريك ليست.
على العموم غياب فكر الليبرالية يتيح الفرصة للمثقف المنخدع بماركسية ماركس ان يتوهم بفكرة البرنامج الاسعافي و لن يحكمنا البنك الدولي كبرنامج لما بعد إسقاط انقلاب البرهان الفاشل و نحن نقول بان وهم الشيوعيين السودانيين بإعادة عقارب الساعة لفكر ماركسية ماركس واحد من أفيون المثقفيين السودانيين و هنا استلف من ريمون أرون عنوان كتابه أفيون المثقفيين و فيه ما هو غائب عن مثقفنا السوداني و خاصة أتباع النسخة المتخشبة من الشيوعية السودانية و أصدقاءهم و لهذا السبب غابت أفكار الليبراليىة التي تؤسس لمجتمع يقوم على العقلانية و الاأخلاق و حلت محلها أحزاب الطائفية و السلفيين و أتباع الحركة الاسلامية السودانية و كلها لا يعرف خطابها العقلانية و الاخلاق. على ذكر ريموند ارون يجب ان نذكر بان منذ عام 1938 كان ريموند ارون ضد فلسفة النيوليبرالية المتمثلة في أفكار فردريك حايك و كان يؤكد على عدم تماسكها كديناميكية و كان يرى في الكينزية و مسالة التدخل الحكومي و لكن بعد تعثر الكينزية لاسباب كثيرة أطلت بعد أربعة عقود من نقد ريموند لها أطلت النيوليبرالية في زمن تاتشر و ريغان و قد وصلت الى منتهاها في الازمة الأقتصادية الاخيرة و معروف أن فردريك حايك و فكره في النيوليبرالية يصنفه و يضعه في خانة ماركس اليميني و خاصة في مسالة رفضه لمسألة التدخل الحكومي و المضحك يجهل كثير من الشيوعيين السودانيين بأن أفكار فردريك حايك تجعله يصنف بأنه ماركس اليميني و هنا نقول للنخب السودانية عليكم بالاهتمام ما بين ماركس اليميني و ماركس و هو خط الليبرالية التي تجسده فكرة الحماية الاقتصادية الآن و الى ثلاثة عقود قادمة.
المهم في الامر نرجع لمنصور خالد و نقده لمسيرته السياسية و إعترافه بأنه كان من ضمن جيل أخطاء في أن الحزب الواحد و خط الاشتراكية هي الأقرب لتحقيق التنمية و هذا يوازي إعتذار ادورد سعيد عن ما خلفه كتابه الاستشراق من خدمة للسلفية الدينية بدلا من خدمة التنوير و عليه نقول ان كتابات ابوسليم و يوسف فضل و علي صالح كرار و عبد الله الطيب و تلاميذه كانت على الدوام و حتى اللحظة في خدمة السلفية و الخطاب الديني المنغلق بدلا من أن تخدم التنوير مع غياب إعتذار كاعتذار ادورد سعيد عن ما خلفه كتابه الاستشراق من أثار غير حميدة كخدمة السلفية الدينية أو كاعتراف منصور خالد بخطاء خط جيله فيما يتعلق بالسياسة و الاجتماع.
الآن الشعب السوداني يكافح إنقلاب البرهان الفاشل و سينتصر لأن من يقوم بالتغيير هو الشعب و خاصة بان الشعب السوداني الآن قد اتضحت له الرؤيا و نضح له الهدف فيما يتعلق بمسالة مفهوم الدولة التي تقود التحول الاجتماعي و التحول الديمقراطي و يبقى من أكبر معوقات تحقيق أهداف الشعب هو المثقف السوداني الذي ما زال غير قادر على ان يفهم بأن خط الفكر الذي يسود العالم في الثلاثة عقود القادمة يقع ما بين خط فكر ماركس اليميني و خط ماركس اليسار و هذا يحتاج من النخب السودانية مراجعة خط فكرها الذي قد تعود على تفويت الفرص لمواكبة مسيرة المواكب البشرية منذا أيام أتباع مؤتمر الخريجيين و قد كانوا خارج النموذج مقارنة بمثقفي العالم الحر.
taheromer86@yahoo.com
////////////////////////