فوكلر وقناعاته السياسية الجديدة

 


 

 

أجرت قناة العربية حوارا مع رئيس البعثة الأممية في السودان فوكلر بيرتس، تناولت عددا من الموضوعات، تتعلق بالهدنة الدائمة بين القوات المسلحة و قوات الدعم السريع و إمكانية الحوار بينهما، إلي جانب النظر في العملية السياسية بعد وقف الحرب، و غيرها من الموضوعات الأخرى، و في هذا المقال سوف اتناول قضيتين تمثلان جوهر الأزمة السياسية. و كما تسألت في مقالات كثيرة، هل العقل السياسي السوداني يملك القدرة و الاستعداد أن يضخ أفكارا جديدة في الساحة السياسية بهدف إحداث أختراق في جدار الأزمة، أم سوف يظل العقل السياسي يتفاعل مع الأحداث بشعارات فارغة المضامين كعهده دائما، و كما حدث منذ أغسطس 2019م حتى إندلاع الحرب الحالية، حيث كان العقل السياسي مركزا جل أهتمامه حول كيفية الوصول للسلطة فقط. و فكرة ( الاتفاق الإطاري) التي كانت تسيطرة كفعل سياسي محرك في اتجاه الحل، هي فكرة أمريكية جاءت بها مساعدة وزير الخارجية الأمريكية ( مولي في) و حدث بموجبها اجتماع قوى الحرية و التغيير المركزي مع المكون العسكري في منزل السفير السعودي، و الفكرة كان الهدف منها توسيع قاعدة المشاركة لضمان استمراريتها و حمايتها بالعودة لنوازن القوى مع القوى العسكرية، لكن للأسف استطاع العقل السياسي أن يقزم الفكرة لكي يجعلها تدور فقط على محور السلطة و الاستحواذ عليها، فالحرية المركزي نظرت للقضية من خلال منظار المصالح الضيقة، الأمر الذي عقد الأزمة و فتح بابا للحسم من خلال العمل المسلح.
مقابلة قناة العربية مع فوكلر تبين من خلال طرحه للقضية أنه استطاع أن يفكر بطريقة أخرى تتجاوز ما كان مطروحا قبل 15 إبريل 2023م، لذلك نرى الرجل يضخ أفكارا جديدة في الساحة سياسية، من خلال إجابته على سؤال هل العملية السياسية سوف تكون بذات مجرياتها السابقة، أم سوف يحدث تغييرا فيها؟ ... قال فوكلر طبعا الواقع السياسي قد تغير بموجبات الحرب، و بالضرورة سوف تتغير العملية السياسية، باعتبار أن هناك قوى يجب مشاركتها في العملية السياسية حتى تصل العملية لأهدافها، و أشار إلي مشاركة لجان المقاومة و الحرية الديمقراطي، و قال أيضا هناك قوى أخرى ذات أهمية يجب عدم تجاهلها، و لكنه لم يعرفها. أن حديث فوكل الذي يفهم منه تغيير الأجندة، و يعني أيضا التعاطي مع الواقع السياسي و إفرازاته، و في ذات الوقت هو نقد بطريق غير مباشر للممارسة السابقة التي كانت تراهن على قوى بعينها دون الآخرين، الأمر الذي كان ينذر أن العملية السياسية التي كانت تقودها الحرية المركزي كانت معطوبة عاجزة أن تحرك عجلاتها إلي الامام، و أيضا كانت معصوبة العينين جعلتها لا ترى مساحة المسرح السياسي بالصورة المطلوبة و الفاعلين فيه، لكي تعيد تفكيرها و تجعل عجلات العملية السياسية تتحرك إلي الامام.
في المقابل نجد أن المملكة السعودية التي تمثل أحد أضلع الرباعية، بدأت تتحرك بصورة ملحوظة من خلال أدواتها الإعلامية، أن تطرق على ( الاتفاق الإطاري) باعتباره يمثل ترياق الحل السياسي في البلاد، بذات أدواته و أجندته القديمة. خاصة أن الدعم السريع و قيادة الجيش وقعا عليه. مما يؤكد أن ( الاتفاق الاطاري) يخدم أجندة غير واضحة إذا كانت داخلية أو خارجية، و أن شعار التحول الديمقراطي مناورة للتغطية فقط. فالمصالح الضيقة دائما تؤدي لصراع عنيف مع أصحاب المصلحة الحقيقية في العملية السياسية. لكن فوكلر يعتقد أن العملية السياسية تجاوزت ما هو مطروح قبل 15 إبريل. الأمر الذي يطرح سؤلا ما هي الفكرة الجديدة التي يريد فوكلر التفاعل معها من خلال توسيع قاعدة المشاركة. و كما قال فوكلر في مقابلة سابقة له مع إحدي القنوات العربية أن مهمتنا في البعثة الأممية مسهلين، و نقدم أفكارا تساعد على الحل.. كان فوكلر من خلال تجربته منذ قدومه للسودان حتى اليوم قد وصل إلي قناعة عجز العقل السياسي السوداني، و عدم قدرته على تقديم أفكارا تساعد على الحل. لذلك استفاد من اللقاء؛ و رمى حجرا داخل البركة السياسية الراكدة لكي يحدث فيها حراكا للتدارس من خلال أجندة جديدة، و هو يتحدث عن توسيع المشاركة فيها. هذا الحديث يختلف مع الرؤية السعودية التي تريدها محصورة على قوى سياسية بعينها، لآن السعودية لا تنظر للمسألة من خلال منظور عملية التحول الديمقراطي، بقدر ما تنظر إليها من خلال منظار مصالح أخرى تقدرها المملكة.
و في جانب أخر: يناشد فوكلر كل من القوات المسلحة و قوات الدعم السريع إلي الجلوس و التفاوض لإنهاء القتال ثم الرجوع لمائدة الحوار السياسي. و هذه الدعوة لا تتماشى مع الفكرة الأولى المنادية بتوسيع قاعدة المشاركة، لأنها تريد أن تغطي على عملية الانقلاب الذي قامت به قوات الدعم السريع المدعومة داخليا و خارجيا. و أن فوكلر يعلم أن تفاعل القوات المسلحة مع دعوات المجتمع الدولى لا تتعدى الحدود الدبلوماسية، خاصة أن القوات المسلحة اعتبرت قوات الدعم السريع قوات متمردة، و في هذه الحالة يجب إنهاء التمرد بخضوع الدعم السريع خضوعا كاملا للقوات المسلحة و تقديم قيادته إلي محاكم عسكرية. و دلالة على ذلك جاءت تصريحات كل من الفريق أول شمس الدين الكباشي عضو مجلس السيادة و أيضا تصريحات الفريق أول ياسر العطا عضو مجلس السيادة لبعض القنوات التلفزيونية، حيث أكدا أن القوات المسلحة لن تتفاوض مع قوى متمردة. إلي جانب تصريحات المبعوث الخاص لرئيس مجلس السيادة لعدد من الدول السفير دفع الله الحاج على، حيث قال في مؤتمر صحفي في القاهرة، لا تفاوض مع قوات الدعم السريع. إذاً المطلوب هو خروج قوات الدعم السريع من العملية السياسية، الأمر الذي سوف يغير المشهد السياسي. هل فوكلر قرأ الرسالة جيدا؟
أن المبادرات التي تصد قبل الرباعية أو ما هو مرتبط ببعض دول الرباعية، أو حتى الشخصيات التي لها علاقة مع بعض دول الرباعية هي مبادرات الهدف منها أن تحدث مصالحة بين القوات المسلحة و الدعم السريع يتجاوزا فيهما كل ما أحدثته الحرب بينهما. أي الهدف منها التغطية على الحقيقة. أن الشعب السوداني يجب أن يملك الحقيقة كاملة عن المخطط، أن العملية السياسية التي أفضت للحرب قد خلفت مئات الضحايا من المواطنين و ألاف من الجرحي، و الآلاف من المواطنين تضررت منازلهم و ممتلكاتهم الخاصة و متاجرهم و مصانعهم، و أيضا ضربت البنية التحتية للبلاد مطارات و بنوك و مؤسسات خدمية و مؤسسات إستراتيجية و سيادية و غيرها. كل هذه شاركت فيها قوى عسكرية و سياسية، و أيادي خارجية عبثت بالبلاد، و بينت الحرب أن هناك دولا بالفعل تريد أن يتشظى السودان و يصبح كنتونات تخدم مصالحهم، و الغريب في الأمر أن هذه الدول المتأمرة تجد العون لتحقيق مآربها من عناصر سودانية لا ترى في المشهد غير مصالحها الضيقة. نسأل الله التوفيق.


zainsalih@hotmail.com
///////////////////////////

 

آراء