فى ضرورة تفعيل علاقة الانتماء الوطنية السودانية

 


 

 

د. صبري محمد خليل استاذ فلسفه القيم الاسلاميه فى جامعه الخرطوم

Sabri.m.khalil@gmail.com

تمهيد: علاقة الانتماء الوطنية السودانية، هي علاقة انتماء إلى وطن "
إقليم أو ارض" معين هو السودان ، هذه الأرض هي تجسيد مادي، لمفهوم يدخل من خلال التفاعل معه ، إلى صميم تكوين الشخصية الحضارية العامة السودانية، فيصبح جزء منها.

أصل الاسم: أصل الاسم عند الجغرافيين والمؤرخين العرب: وقد كان اسم السودان في الأصل اسم أطلقه الجغرافيين والمؤرخين العرب لوصف إقليم جغرافي أكثر شمولا من السودان –الإقليم –الحالي ، هو إقليم أفريقيا جنوب الصحراء من السنغال غربا إلى الصومال شرقا، لذا أطلق على قسم من هذا الإقليم ، شمل تشاد والنيجر ومالي ، وخضع للاستعمار الفرنسي ، اسم السودان الفرنسي، وكانت مالى تعرف باسم الجمهورية السودانية في عام 1959، ولكنها غيرت اسمها في عام 1960 إلى اسم مالي، تيمناً بـ إمبراطورية مالي التي تأسست في القرن الثامن الميلادي . ثم أصبح اسم السودان مقصورا على الإقليم الجغرافي المعروف حاليا بهذا الاسم في مراحل تاليه، حيث استخدمت الإدارة الاستعمارية البريطانية اسم السودان المصري الإنجليزي في اتفاقية الحكم الثنائي في عام 1899 ، واعتمد اسم “جمهوريه السودان ” بعد استقلال هذا الإقليم الجغرافي عن الاستعمار البريطاني في أول يناير 1956 .

الاسم عند الإغريق: وإطلاق الجغرافيين والمؤرخين العرب اسم السودان على هذا الإقليم الجغرافي، يتسق مع أسماء قديمه أطلقت عليه ، منها اسم ”
إثيوبيا “، وهو اسم مركب من لفظين بـ اللغة الإغريقية وهما ايثو (aitho) اى المحروق، وأوبسيس (opsis) أي الوجه ” ، وقد ورد هذا الاسم في كتاب الإلياذة مرتين، وفي الأوديسا ثلاث مرات ، وكذلك ورد في كثير من تراجم الكتاب المقدس (العهد القديم(>

الدلالة الجغرافية للاسم في العصور القديمة: وقد كان يقصد بهذا الاسم في تلك العصور القديمة، كل الإقليم الجغرافي الواقع جنوب مصر، والذي يضم دولتي السودان وإثيوبيا حاليا ، ويرى بعض الباحثين ان أباطرة الحبشة أطلقوا على بلادهم اسم إثيوبيا ، بعد ان احتل الملك الحبشي إيزانا مروي ، عاصمة مملكة إثيوبيا – الواقعة في شمال السودان حالياً – وأطلق على نفسه ملك ملوك اثيوبيا.ومن هذه الأسماء اسم تانهسو اى بلاد السود ، وهو من الأسماء التي أطلقها قدماء المصريين على هذا الإقليم الجغرافي, كما أطلق على هذا الإقليم الجغرافي أسماء أخرى منها اسم كوش الذي ذكرته النصوص العبرية في التوراه 37 مرة منها على سبيل المثال(من أشور ومن مصر ومن فتروس ومن كوش ومن عيلام وشنعار ومن حماة ومن جزائر البحر) (أشعياء 11:
12( .

الاشاره إلى السودان عند المؤرخين القدماء والتوراة والإنجيل: هذا الإقليم الجغرافي ذو تاريخ عريق، يمتد إلى عصور ما قبل التاريخ ” العصور الحجرية ” ، أشار إليه الكثير من المؤرخين القدماء، فعلى سبيل المثال لا الحصر يرى ديودورس أن سكان هذا الإقليم الجغرافي هم من أوائل الخلق علي وجه البسيطة، وأنهم أول من عبد الآلهة وقدم لها الـقرابين، وأنهم من علّم الكتابة للمصريين. كما وردت الإشارة إلى هذا الإقليم الجغرافى في التوراة والإنجيل ،فبحسب بعض الباحثين فقد وردت الإشارة اليه في العهد القديم (
التوراة) أكثر من خمس وعشرين مرة، وفي العهد الجديد (الإنجيل)،وقد استخدم الكتاب المقدس في نصه الأصلي، العبري والآرامي، اسم Cush “كوش” في وصف هذا الإقليم الجغرافي، أما النص الإغريقي واللاتيني المنقول عن النصين، العبري والآرامي، فاستخدم اسم “أثيوبيا ” Ethiopia وردت الإشارة إليه مرة واحدة،وقد وهنا لابد من الانتباه إلى أن الكتاب المقدس في نصه الأصلي، العبري والآرامي، يستعمل كلمة Cush “كوش” اسما لبلاد السودان. أما النص الإغريقي واللاتيني المنقول عن النصين، العبري والآرامي، فيترجم كوش إلى “أثيوبيا” Ethiopia للإشارة إلى السودان الحالي، كما أشار الكتاب المقدس إلى أنهار هذا الاقليم الجغرافي أكثر من مرة ، وورد في الحديث النبوي الشريف ،الاشاره الى نهر النيل (. عبد المنعم عجب ألفيا /السودان في نصوص الكتاب المقدس “التوراة والإنجيل” ) ، وأورد الشيخ الأستاذ الدكتور حسن الفاتح قريب الله (رحمه الله) في كاتبه (السودان دار الهجرتين) ص13 نقلا عن التوراة أن أبا الأنبياء إبراهيم (عليه السلام) تزوج امرأتين من بلاد النوبة؛ إحداهنّ هاجر أم إسماعيل والأخرى قاطورا ، كما ذكرت التوراة في ترجمتها الإمريكية ( العدد 12/1 ـــــــ16) أنّ كليم الله موسى (عليه
السلام) اتخذ زوجة كوشية .

الاشاره إلى السودان القديم ( النوبة)والنيل في النصوص والمصادر الإسلامية : وقد أشارت النصوص والمصادر الاسلاميه، إلى السودان القديم ”
النوبة” ، من خلال تقريرها الأصول النوبية لبعض الصالحين والصحابة ، فرجح كثير من علماء الإسلام ان لقمان (عليه السلام) نوبى منهم: الإمام ابن كثير في تفسيره ، وفي كتابه (البداية والنهاية)، و الإمام السيوطيّ في تفسيره )الدر المنثور) ، و الإمام ابن الجوزى في كتابه (تنوير الغبش .( كما أشار ابن حجر إلى صحابي نوبي هو حبيب ابن يزيد حيث ) الإصابة ج 6 ( ( د. حسن الشايقيّ في رسالته عن يزيد بن حبيب /نقلا عن أرتود محمد عثمان الملك / النوبيون:هل فيهم صحابة وتابعون( .كما وردت الإشارة إلى النيل – أكبر انهار السودان- في السنة النبوية ، في أحاديث صحيحة وردت في الصحيحين ، وغيرهما من كتب السنن ومنها: روى البخاري في صحيحه في حديث المعراج أن الرسول( صلى الله عليه وسلم ) قال(ثم رفعت لي سدرة المنتهى….
وإذا أربعة أنهار: نهران باطنان، ونهران ظاهران، فقلت: ما هذان يا جبريل؟
قال: أما الباطنان فنهران في الجنة، وأما الظاهران فالنيل والفرات). وروى مسلم عن أبي هريرة عن الرسول(صلى الله عليه وسلم ) أنه قال(أربعة أنهار من الجنة: النيل والفرات وسيحان وجيحان)، وهناك عدة مذاهب فى تفسير الحديث أهمها: المذهب الأول: أن معنى الحديث مجازى وليس حقيقي ، ومضمونه أن هذه الأنهار تشبه انهار الجنة في عذوبتها وكثرة خيراتها ونفعها للناس.
المذهب الثاني :إن المقصود بكون هذه الأنهار من الجنة أنها من انهار أهل الجنه ،اى ان الحديث تبشير من الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) للمسلمين بان الإسلام سينتشر حتى يبلغ مواطن هذه الأنهار (د. محمد محمد أبو شهبة، دفاع عن السنة، مكتبة السنة، القاهرة، ط1، 1409هـ/ 1989م، ص 143). المذهب
الثالث: أن المعنى الحديث حقيقي وليس مجازى ، وهذا المذهب صحيح ، إذا استخدم مصطلح “حقيقي” بدلالته الصحيحة، التي تشمل ما هو شهادى ” حسي ”
وغيبي” غير حسي” ، اى باعتبار أن التصور الاسلامى للوجود قائم على أن عالم الغيب المطلق من الزمان والمكان” والمتضمن للجنة “، يحد عالم الشهادة المحدود بالزمان والمكان” المتضمن لهذه الأنهار ” ولكن لا يلغيه ، وبالتالي فان المقصود بالحديث هو أن هناك علاقة ” حقيقية “بين هذه الانهار والجنة، ولكنها علاقة غيبية- من مظاهرها البركه- وليست علاقة حسيه ، ولكن من الخطأ استخدام مصطلح “حقيقي” بدلالة خاطئة ، تقصر معناه على ما هو الحسي ،لان هذا يترتب عليه القول بان هذه العلاقة “الحقيقية”
بين هذه الأنهار والجنة هي علاقة “حسيه” ، وهو القول الذي نقده الإمام ابن حزم فى معرض تعليقه على حديث الروضة وهذا الحديث، حيث يقول ( وهذان الحديثان ليس على ما يظنه أهل الجهل من أن تلك الروضة قطعة منقطعة من الجنة، وأن هذه الأنهار مهبطة من الجنة... فصح أن كون تلك الروضة من الجنة إنما هو لفضلها، وإن الصلاة فيها تؤدي إلى الجنة، وإن تلك الأنهار لبركتها أضيفت إلى الجنة، كما تقول في اليوم الطيب: هذا من أيام الجنة، وكما قيل في الضأن: إنها من دواب الجنة)( المحلـى ، تحقيـق: أحمـد محمـد شاكـر، دار التـراث، القاهـرة، د. ت، 7/ 283، 284).

تاريخ السودان القديم والحضارة النوبية : وتشكل الحضارة النوبية جزء اساسى من تاريخ السودان القديم.

مراحل تطور الحضارة النوبية: وقد مرت الحضارة النوبية بمراحل تطور متعددة هي :أولا: عصور ما قبل التاريخ ( العصور الحجرية )، ثانيا: المجموعة الحضارية الأولى (3800 ق م – 3100 ق م ) ، ثالثا: المجموعة الحضارية الثالثة : (2300 ق م – 1550 ق م ) ، رابعا: حضارة كرمـــة : (2000 – 1550 ق.م )، خامسا: عصر السيطرة الفرعونية الأولى: (1950 – 1700 ق.م )، سادسا:
عصر السيطرة الفرعونية الثانية (1550 – 1100 ق.م ، تاسعا : عصر بلانة (250م – 550م ) : وقد شهد هذا العصر قيام مملكتين في منطقة النوبة وهما :
مملكة البليمي و مملكة النوباديين ( نوباتيا ) ،عاشرا: العصر المسيحي (
550 م – 1400 م ) :وقامت في هذا العصر ثلاث ممالك مسيحية وهي : 1 / مملكة نوباتيا و عاصمتها كلابشة ثم فرس 2/ مملكة المغرة : وعاصمتها دنقلا العجوز 3 / مملكة علوه : وعاصمتها سوبا، وسقطت في عام 1504 على يد الفونج . حادي عشر: العصر الاسلامى: بعد الفتح الإسلامي لمصر ظلت النوبه مسيحيه لعده قرون، وفشلت كافه محاولات فتحها عسكريا ،وتوقفت هذه المحاولات بعقد معاهدة الصلح الشهيرة ب”معاهدة البقط ، ثم تحولت النوبة بكاملها إلى
الإسلام- سلما لا حربا- اعتبارا من العام 1400 م.

طبيعة الحضارة النوبية: استنادا إلى العرض السابق لمراحل تطور الحضارة النوبية نخلص إلى أن النوبيون القدماء كانوا عبارة عن شعب تجاوز الطور القبلي، واستقر على ضفاف النيل، ولكنهم لم يدخلوا الطور القومي ويشكلوا أمه خاصة، و انه بنهاية العصر المسيحي كان الطور الشعوبي قد استنفذ الإمكانيات التي يمكن أن يقدمها للتطور الاجتماعي النوبي، وآية هذا أن الدولة النوبية أخذت في الضعف والانقسام، فضلاً عن أن السيطرة الخارجية (الفرعونية مثلا( في فترات سابقة كانت قد عرقلت هذا التطور. ولكن هذا لا يعنى ان الوجود الحضاري الشعوبي النوبي قد انتهى -كما يرى البعض-، بل تحول من وجود حضاري كلى عام إلى وجود حضاري جزئي خاص يحده فيكمله ويغنيه ولكن لا يلغيه وجود حضاري عام قومي(عربي) أو ديني(اسلامى) أو وطني( سوداني(

شمول الأثر الحضاري النوبي : ان الأثر الحضاري الشعوبي النوبي لا يقتصر على القبائل ذات الأصول النوبية( الحلفاويون، السكوت، المحس، الدناقلة…) لانه ساهم في تشكيل الشخصية الحضارية السودانية ككل . هذا فضلا عن أن العنصر النوبي لا يقتصر على القبائل ذات الأصول النوبية السابقة الذكر ،لأنه امتد فشمل -بالمصاهرة -اغلب القبائل ذات الأصول العربية في الشمال والوسط ، فكلاهما محصلة اختلاط القبائل ذات الأصول العربية( السامية) مع القبائل ذات الأصول النوبية( السامية- الحامية)، مع احتفاظ قبائل المركز النوبى باللغة النوبية الشعوبية القديمة بلهجاتها المختلفة كوسيلة تخاطب داخليه واللغة العربية كوسيلة تخاطب مشتركه، بينما أصبحت اللغة العربية بالنسبة لقبائل الأطراف النوبية وسيلة تخاطب داخلية ومشتركه، كما أن العنصر النوبي امتد فشمل – بالهجرة- بعض القبائل في دارفور وكردفان (الميدوب وبعض قبائل جبال النوبه(

السودان الوطن سابق على الفتح التركي والاستعمار البريطاني: من العرض السابق نخلص إلى السودان الوطن الواحد، الذي تشد أجزائه روابط موضوعية جغرافيه،تاريخية،اجتماعيه،حضارية…”، سابق في الوجود على الفتح التركي، والاستعمار البريطاني، وأن الإقرار بوجود دوافع ذاتية وراء غزو محمد علي للسودان1821، ممثلة في طموحه الشخصي لتأسيس إمبراطورية ، لا يعنى عدم وجود هذه الروابط الموضوعية قبل ذلك.كما أن الإقرار بالحقيقة التاريخية التي مضمونها أن الاستعمار البريطاني هو الذي شكل حدود السودان المعروفة الآن، لا يعني انه قد شكلها طبقا لاهوئه الذاتية فقط ،بل طبقا لاكتشافه هذه الروابط الموضوعية أيضا. فالاستعمار البريطاني لم يضم إلى السودان الإقليم أرضا من خارجه،اى لا تربطها به روابط موضوعية ، بل على العكس حاول عزل الجنوب عن الشمال(قانون المناطق المقفولة)،وضمه إلى مستعمراته في وسط وشرق أفريقيا (يوغندا،كينيا…) وفشل في تحقيق هذه المهمة.كما أن الانفصال السياسي لجنوب السودان لن يلغى الروابط الموضوعية )الجغرافية،التاريخية،الاجتماعية،الحضارية…)،التي ستظل تشد أجزاء الوطن الواحد .

تعدد علاقات انتماء الشخصية السودانية: وعلاقة الانتماء الوطنية السودانية هي إحدى علاقات انتماء المتعددة للشخصية السودانية كشخصية حضارية عامة ، والتي ينبغي أن تكون العلاقة بينها علاقة تحديد وتكامل ، وليس علاقة إلغاء وتناقض، ومن هذه العلاقات:

أولا: علاقة الانتماء الاسلاميه" الدينيه – الحضاريه" : وهى علاقة انتماء ديني إلى الامه الاسلاميه،التي تضم المسلمين في كل أنحاء العالم، والذين ينتمون إلى أمم وشعوب وقبائل …متعددة. والإسلام دين وحضارة ، لذا فان علاقة الانتماء الاسلاميه ذات مضمون ديني – حضاري ، ويترتب على هذا انه إذا كان الإسلام كدين مقصور على السودانيين المسلمين ، فانه كحضارة ”
التي تتضمن العادات والتقاليد..” يشمل السودانيين المسلمين وغير المسلمين .

ثانيا:علاقة الانتماء العربية "الثقافيه -اللغويه المشتركه غير العرقيه"
: وهى علاقة انتماء قوميه إلى الامه العربية،التي أوجدها الإسلام ولم تكن قبله موجود ه كأمه واحده، بل كشعوب وقبائل متفرقه ، وهى ذات مضمون لغوى- لساني / ثقافي- وليس مضمون عرقي – لقول الرسول(صلى الله عليه وسلم) (إنَّ الرب واحد، والأبُ واحد، والدَين واحد، وإنَّ العربيةَ ليست لأحدكم بأبٍ ولا أمّ، إنما هي لسانَّ، فمنْ تكلَّمَ بالعربيةِ فهو عربي)، ومضمون علاقة انتماء العربية أن اللغة العربية هي اللغة القومية المشتركة ، للجماعات القبلية والشعوبية السودانية ، بصرف النظر عن أصولها العرقية ، ولغاتها الشعوبية ولهجاتها القبلية الخاصة.
علاقة الانتماء النوبية : وهى علاقة انتماء شعوبية حضارية تاريخيه للشخصية الحضارية العامة السودانية ،وهذا يعنى أن القبائل المسماة بالنوبية لا ينفرد بتمثيل علاقة الانتماء النوبية- -رغم كونها أكثر تمثيلا لها من غيره ، باعتبار أنها تستخدم اللغة النوبية بلهجاتها القبلية المتعددة كلغة خاصة- لان الأثر الحضاري النوبي ساهم في تشكيل الشخصية الحضارية السودانية ككل كما سبق ذكره.

رابعا:علاقة الانتماء الافريقيه "الجغرافيه القاريه الشامله": وهى ذات بعدين:البعد الأول: رئيسي : هو كونها علاقة انتماء جغرافي – قاري، البعد الثاني : ثانوي هو كونها علاقة انتماء حضاري ، لان ما هو مشترك بين الجماعات القاطنة فيها “تفاعلها مع بيئة متشابهة نسبيا” لم يبلغ إلى درجة تحولها إلى أمه واحدة .فالقارة الافريقيه تضم أمم وشعوب وقبائل متعددة.

خامسا: علاقات الانتماء العرقية " التعدديه التفاعليه النسبيه "
:وللشخصية الحضارية العامة السودانية علاقات انتماء عرقيه متعددة، لان الجماعات القبلية والشعوبية السودانية ذات أصول عرقية متعددة”حاميه ، ساميه “، وان كان يغلب عليها أنها محصلة تفاعل الساميين “العرب ” مع الحاميين “الزنوج” بدرجات متفاوتة. فحاميتها “زنوجتها ” ،وكذا ساميتها “عروبتها من الناحية العرقية ” نسبية – مختلطة، وليست مطلقة – خالصة – وهنا يجب الاشاره إلى أن مفهوم النقاء العرقي هو مفهوم خرافي غير علمي لأنه لا يوجد جنس لم يختلط بغيره.

طبيعة العلاقة بين الوجود الخاص(الوطني) والوجود العام (الاقليمى والدولي):هناك ثلاثة مواقف في تحديد طبيعة العلاقة بين الوجود
الخاص(الوطني) والوجود العام (الاقليمى:”القومي أو الديني أو الجغرافي – القاري..”، والعالمي(:

ا/موقف الانعزال : وهو الموقف الذي يتطرف في التأكيد على الوجود الخاص”
الوطني “، لدرجه إلغاء الوجود العام :الإقليمي او الدولي ، ومثال لهذا الموقف المذاهب الشعوبية ، التي تنكر تحويل الإسلام للوجود الحضاري الشعوبي السوداني السابق على دخول الإسلام الى السودان ، إلى جزء من الوجود الحضاري العربي الإسلامي ، يحده فيكمله ويغنيه ولكن لا يلغيه.، ب/ موقف التبعية : وهو الموقف الذي يتطرف في التأكيد على الوجود العام لدرجه إلغاء الوجود الخاص” المحلي -الوطني” ، ومثال لهذا الموقف مذهب مناهضة الانتماء الوطني بالانتماء الديني، الذي يستند الى افتراض خاطئ مضمونه أن تقرير علاقة الانتماء الإسلامية”ذات المضمون الديني – الحضارى ” يقتضي إلغاء علاقات الانتماء الأخرى بما فيها علاقة الانتماء الوطنية”
ذات المضمون الجغرافي – الاقليمي”

ج/موقف التأثير المتبادل: وهو الموقف الذي يجعل العلاقة بين الوجود العام”الاقليمى والدولي” والخاص”الوطني” ، علاقة تحديد وتكامل ، وليست علاقة إلغاء وتناقض، اى يجعل الأول يحد كما يحد الكل الجزء فيكمله ويغنيه ولكن لا يلغيه. ويستند هذا الموقف الى مذهب الوحدة والتعدد الذي يستند إلى فكرة مضمونها – على المستوى الاجتماعي- أن الوجود العام لا يلغى الوجود الخاص بل يحده فيكمله و يغنيه. كما أن مضمونها -على المستوى
الحضاري- أن العلاقة بين علاقات الانتماء المتعددة إلى الوجود الخاص والعام هي علاقة تحديد وتكامل وليست علاقة إلغاء وتناقض

معوقات تفعيل علاقة الانتماء الوطنية السودانية:وهناك العديد من معوقات تفعيل علاقة الانتماء الوطنية واهم هذه المعوقات هي:

القبلية بدلالتها السلبيه: القبيلة هي وحده تكوين اجتماعي تتميز بالأصل الواحد، فمقياس الانتماء إليها هو النسب، أما الطور القبلي فهو طور التكوين الاجتماعي الذي لا تتميز فيه القبيلة عن غيرها بالأرض المعينة ، لحركتها من مكان إلى مكان،كما تكون فيه القبيلة كل قائم بذاته ومستقل عن غيره ،أما القبلية فلها دلاله محايدة مضمونها علاقة انتماء إلى القبيلة كوحدة تكوين اجتماعي،كما ان لها دلالة سلبية مضمونها محاوله” فاشلة ”
للعودة إلى الطور القبلي،كطور تكوين اجتماعي تجاوزه التطور الاجتماعي.والقبلية طبقا لهذه الدلالة السلبية من معوقات تفعيل علاقة الانتماء الوطنية،لأنها تجعل العلاقة بين علاقتي الانتماء الوطنية و القبلية علاقة تناقض وإلغاء وليست علاقة تحديد وتكامل

الطائفيةبدلالتها السلبيه: الطائفة هي مذهب ديني مقصور على جماعات شعوبيه أو قبليه أو عشائرية معينه، أما الطائفية فلها دلاله محايدة مضمونها علاقة انتماء إلى طائفة معينه، كما ان لها دلاله سلبيه مضمونها محاوله تحول الطائفة من جزء من كل” هو الوطن أو الامه” إلى كل قائم بذاته ومستقل عن غيره ،. والطائفية طبقا لهذه الدلالة السلبية من معوقات تفعيل علاقة الانتماء الوطنية، لأنها تجعل العلاقة بين علاقتي الانتماء الوطنية و الطائفية علاقة تناقض وإلغاء وليست علاقة تحديد وتكامل

أسباب نشوء القبلية والطائفية : أما أسباب نشوء الطائفية والقبلية طبقا لدلالتهما السلبية فهو انه نتيجة لعوامل داخلية ( كالتقليد والاستبداد…)،خارجية (كالاستعمار) متفاعلة ، حدث تخلف في النمو الاجتماعي” الوطني والقومي” ، حال دون أن يبرز الوطن والأمة ككل يحدد الجزء(العشيرة أو القبيلة أو الشعب) ولا يلغيه فيكمله ويغنيه، ويمكن من خلاله حل مشاكل الناس المتجددة، وهنا بدأ الناس في البحث عن حل مشاكلهم من خلال علاقات انتماء أضيق كالقبلية والطائفية.

آليات تفعيل علاقة الانتماء الوطنية السودانية: وهناك الكثير من آليات تفعيل علاقة الانتماء الوطنية السودانية ومنها:اولا:ترقية الوعي الوطني ،عبر وسائل الإعلام ، ومن خلال وضع مقرر للتربية الوطنية في كل المراحل التعليمية ،ومحاربه النزعات القبلية والطائفية. ثانيا:رفض المواقف التي تجعل العلاقة بين الوجود العام (الاقليمى: القومي”العربي”أو الديني”الاسلامى” أو الجغرافي – القاري ” الافريقى” ،أو الدولي”الانسانى”
والوجود الخاص (الوطني) علاقة إلغاء وتناقض” بصرف النظر عن أساسها الايديولوجى”، والالتزام بالموقف الذي يجعل العلاقة بينهما علاقة تحديد وتكامل.ثالثا:وقف الامتداد التلقائي لواقع الاستقطاب ، “الصراع”
السياسي،الاقتصادي،الاجتماعي… والانتقال إلى توافق ” مشاركة” حقيقي “سياسي ، اقتصادي، اجتماعي… رابعا: التوافق بين كافه أطياف ومكونات وأحزاب وتيارات المجتمع السوداني على السعي- السلمي- إلى إقامة نظام سياسي وطني ، يجمع بين الوحدة والتعدد” السياسي والاجتماعي والديني والثقافي…خامسا:السعي لتحقيق كل الخطوات العملية/ الواقعية/ الممكنة تجاه وحده وادى النيل والوحدة العربية والإسلامية ، بشكل سلمى مؤسساتي تدريجي ، وتفعيل العمل الافريقى المشترك.سادسا: التمييز بين النظم السياسية السودانية المتعاقبة والدولة السودانية ، فمفهوم الدولة أشمل من مفهوم النظام السياسي أو السلطة ، حيث أن الدولة تشمل لسلطة “النظام السياسي ”
والشعب والأرض ، وهو ما يتحقق من خلال : ا/ التوافق على ثوابت الوطن التي تتضمن الحرص على وحده السودان وسلامة أراضيه وسيادة شعبه على أرضه، ب/ إلغاء سياسة الولاء قبل الكفاءة . ب/ التأكيد على أن اتخاذ موقف سلبي من نظام سياسي سودانى معين، لا يبرر اتخاذ موقف سلبي من الدولة السودانية ومؤسساتها لأنها ملك للشعب السوداني، وليست ملك لنظام معين، د/ نبذ استخدام العنف والقوة في محاوله تغيير النظم السياسية، والالتزام بأساليب التغيير السلمي الشعبية والجماهيرية. سابعا: العمل – في مجال العلاقة بين دولتى السودان- على ضمان عدم التراجع خطوات أخرى للوراء بمزيد من التفتيت ، وذلك عبر التوافق بين النخب السياسية السودانية في الشمال والجنوب ، على جمله من القواعد والقوانين والاتفاقيات ..القانونية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية…التي تتيح للروابط الموضوعية(الجغرافية، التاريخية، الاجتماعية، الحضارية…)،التي ستظل تشد أجزاء الوطن الواحد رغم الانفصال السياسي، أن تعبر عن ذاتها بأقصى درجة ممكنة في ظل هذا الانفصال السياسي، و تقلل من مقدرة الحدود السياسية على تعطيلها، والعمل على حل الخلافات عبر التفاوض، والتوافق على تحقيق الاستقرار في دولتي السودان، والعمل على اتخاذ كل الخطوات – الممكنة – للأمام باتجاه الوحدة “الكونفدراليه أو الفيدرالية”.
--------------------------
الموقع الرسمي للدكتور/ صبري محمد خليل خيري | دراسات ومقالات https://drsabrikhalil.wordpress.com
//////////////////////////////////////////////////

 

آراء