فيصل محمد صالح ..نصر للصحافة السودانية وعنوان

 


 

 



ظلت الصحافة في السودان (ولاية) خاضعة باستمرار لحالة طوارئ غير معلنة، أطلقت فيها يد جهاز الأمن بلا حدود أو مرجعية دستورية أو قانونية.  وكان من آثار هذه السياسة أن تحولت الصحافة كلها لناقل لوجهة نظر (جهاز الأمن). وكل الصحف التي لا تزعن، اما تم ايفاقها تماماً، أو تعرض لضغوط الايقاف المرحلي دفعاً لها (للخضوع)، أو تُحمل تبعات عالية التكلفة (كما هو حال صحيفة الميدان) لإجبارها على مجارت خط (الأمن)  في تناول كل القضايا، أو اجبارها على الخروج من سوق الصحافة والرأي.
لقد دفع ذلك بالكثير من الصحفيين للخروج خارج البلاد وبعضهم نشط ونحج في تأسيس نشاط صحفي عالي الأثر. وكان من آخر الخارجين الحاج وراق وفائز الشيخ السلك من الصحفيين ومن الكتاب الاستاذ شمس الدين ضو البيت بعد اتهامة (بالردة) وآخرين كُثر لا نحيط بهم ولكن نذكر منهم عبد المنعم سليمان وناصف و عبد الواحد ابراهيم وأخيرا جداً أحمد يونس . وكان لذلك أثر كبير على اضعاف الوضع الصحفي العام، والنشاط المقاوم والداعم لترسيخ حرية الرأي والكلمة، خاصة وسط الصحفيين.
وظل الاستاذان فيصل محمد صالح و حيدر المكاشفي رمزان و عنوانان بارزان لمناصرة الحريات العامة وحرية الصحافة بصفة خاصة. واكتسبا رمزيتهما بمواقف مشهودة إضافة ليد لا تنقطع في تقديم العون أيا كان للصحفيين عامة بلا تحيز أو تصنيف. وكانا أبرز مثال للتجرد والصدق والأمانة، وفوق ذلك عنوان يُمتثل له في الصمود والنزاهة والأدب الجم في المواقف والأفعال والاقوال.
ويأتي استهدافهما الآن ضمن اطار أعم بايقاف الكاتبة والصحفية أمل هباني وتمادي مع أطلالة صحيفة الجريدة بايقاف ما عرف وقتها بكتاب (أجراس الحرية) والذي شمل كل من فائز الشيخ السليك، ورشا عوض، صلاح عووضة، وخالد فضل وآخرين. تمادي الآن وصار سياسة ثابتة لجهاز الأمن، وكاد رقم الكتاب الموقوفين يبلغ العشرين ويبدوا أنه سيتجاوز هذا الرقم سريعاً بإضافة أسماء أخري يمنع الأمن ممارسة دورها في ابداء الرأي عبر الصحف اليومية.
وتبقى طريقة تعامل الأمن مع كل من الاستاذين حيدر المكاشفي و فيصل محمد صالح غير مبررة وغير مقبولة، فقد منع الأول من الكتابة لأسبوع من قبل الامن ثم اعلن بعد ذلك جهاز الأمن أنه غير مسموح له بالكتابة مطلقاً. أما الاستاذ فيصل محمد صالح فقد تعامل معه جهاز الأمن بطريقة غريبة وغير مبررة ولا يبدو أن هناك قضية في مواجهته. أما الغريب فيتجاوز استنكار طريقة الاستدعاء اليومية للجلوس لساعات باستقبال مكاتب الأمن ثم العودة كل يوم للجلوس والمغادرة ثم العودة بلا هدف خلف ذلك الاستدعاء المفترض أنه (أمني) وعاجل. بل الاستغراب يتعدى ذلك في أن الاستاذ فيصل محمد صالح استدعي على خلفية رأي وتعليق لقناة الجزيرة حول خطاب الرئيس الاخير، وكل المأخذ عليه من قبل الأمن أن ما قاله لقناة الجزيرة ينبغي أن يقال داخليا وعبرالوسائل المتاحة!!؟.
في وقت يمنع (الأمن) الكُتاب من ممارسة دورهم، كما أن قناة الجزيرة هذه مصدق لها وتمتلك مكتب وطاقم عامل بالخرطوم. ولم يتغير موقف الأجهزة الامنية تجاه الجزيرة إلا في الآونة الاخيرة وبدرجة غاية في المحدودية. لكن العقاب لا يقع في السودان إلا على الضعيف. وشاهدنا على ذلك حادثة وزير المالية الذي يعتقل صحفي لأنه فضح وثيقة رسمية، في الوقت الذي يقوم ذلك الصحفي بالتحقق ومن ذات الوزير حول ذات الوثيقة وكان أبلغ مثال للمهنية في الاداء.
رسالتنا هنا نحن معشر الصحفيين والكتاب هي أن الأستاذ فيصل ليس ضعيف، وأن خلفه كل الصحفيين السودانيين (ما عدا اتحاد الصحفيين الحكومي). كما أن الاستاذ فيصل لا يحتاج لشكر الشاكرين فهو علم تشهد له أفعاله قبل أقواله. وقد تعلمنا الثبات والمثابرة والصمود من  غدوته الحية التي تعيش وتمشي بين الناس جميعاً والصحفيين خصوصاً.
وإن كان من مناشدة فإن المناشدة تتطلب دعم خط وتوجهات الأستاذ فيصل محمد الصالح وحيدر المكاشفي وكل الصحفيين بدعم وترسيخ الحريات في السودان عامة والحريات الصحفية خاصة ومن الجميع داخل وخارج السودان. فإن هذا هو الحل كما يرونه هم وكل الصحفيين من خلفهم، وكما عملوا له دوماً بلا كلل أو توجس مما يأتي من قبل الأمن.
وإننا جميعاً من خلفهم نعتقد أن في ذلك كل الحل الذي يمنع يد الامن وغيرها من إذلال الصحفيين، أو اعاقة دورهم الرائد تجاه الشعب والوطن.
كل الصحفيين يعلمون أن هجمة الاجهزة الأمنية الأخيرة خلفها انفجار الصراع داخل الحكومة التي اصبحت تمثل الحكومة والمعارضة في آن وذلك منذ اتفاق نافع عقار ، والصراع بين وداخل وزارة الأعلام الأخير، وليس انتهاءاً بصراع الولاة مع المركز (كاشا، كرم الله عباس). لقد أصبحت الحكومة تمتلك الساحة كلها، واضحت تمثل أكبر وأخطر معارضة للحكومة ذاتها. ولا أحد يعلم متى ستنتهي معركة وراثة مقعد البشير بعد أن أعلن الأخير عدم ترشحه وأن هذه آخر دوراته بالرئاسة. هل سيدفع الصحفيين فاتورة الصراع داخل اجنحة الحكومة؟!!. كفوا يد الأمن عن الشرفاء.

Abuzar Abuzar ali [abuzzzzar@yahoo.com]

 

آراء