في الاقتصاد السياسي للثورة (11/15) تمويل التنمية: بالموارد الذاتية لا بالاستدانة الخارجية

 


 

 

مقدمة فى الاقتصاد السياسي للثورة والثورة المضادة في السودان : سبتمبر 2019 – مايو . 2021
• الجزء الاول: إختطاف الثورة والنهج الداعم للراسمالية الطفيلية والكمبرادورية - فى ستة اقسام.
• الجزء الثانى: نقد اللبرالية الجديدة وملامح النهج التنموى البديل - فى قسمين.
• الجزء الثالث: التنمية القائمة على التوجه الداخلى : نحو استراتيجية للتنمية الاقتصادية الاجتماعية -فى سبعة اقسام.
. تم الانتهاء من اعداد هذا البحث فى الاسبوع الاول من يونيو
قائمة المراجع المستخدمة تقدم فى القسم الاخير من كل جزء.

الجزء الثالث - القسم .2 /2 تمويل التنمية: بالموارد الذاتية لا بالاستدانة الخارجية
المقدمة
نبذت الحكومة الانتقالية نهج التنمية المتوجه للداخل والمبنى على حشد الموارد الذاتية ، وآثرت السير فى درب التوجه الخارجي ودعت صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للمساعدة. النتائج كانت كارثية فى فترة وجيزة ، حيث لم تأتى المساعدات الخارجية المرتجاة ، والتي ان جاءت لم تكن لتحدث التغيير الذي تنشده قوى الثورة.
- ان الدخل المفقود من التجارة نتيجة للفساد الذي ما زال ساريا يكفي وحده لتلبية الاحتياجات المالية للحكومة لتمويل استراتيجية التنمية الاقتصادية الاجتماعية دون اللجوء إلى أي مساعدة خارجية. بالإضافة لهذه المورد المهدر ، سنتعرض ايضا الى موردين آخرين هامين فى موضوع حشد الموارد لتمويل استراتيجية التنمية ، وهما اصلاح نظام الضرائب والسيطرة على اقتصاد المؤسسات او الشركات العامة.

2.2. 1 التجارة غير المشروعة والدخل المفقود:
. باستخدام بيانات من الملخصات الإحصائية للتجارة الخارجية لبنك السودان، وتوجهات الإحصاءات التجارية لصندوق النقد الدولي ، وقاعدة بيانات الأمم المتحدة لإحصاءات التجارة الدولية، أجرت منظمة النزاهة المالية الدولي (2020, GFI) عملية تحليل فجوة القيمة لمعاملات التجارة العالمية في السودان. وفجوة القيمة هي عبارة عن الفرق في القيمة بين ما تقدمه دولتان من تقارير حول التبادل التجاري الثنائي فيما بينهما، وبالتالي فإنه مؤشر على التلاعب التجاري ، والذي يستخدم لنقل الأموال أو القيمة من بلد إلى آخر ، وكذلك للتهرب من ضريبة القيمة المضافة والرسوم الجمركية .
في الفترة 2018- 2012 ، وفي وجود 374 علاقة تجارية ثنائية مع 70 شريكًا تجاريًا ، أبلغ السودان عن تحقيق قيمة تجارية إجمالية بلغت 65.0 مليار دولار أمريكي. وفي مقابل هذا المبلغ ، قدرت منظمة النزاهة 30.9 مليار دولار عبارة عن فجوة القيمة .خسر الاقتصاد السوداني 31 مليار دولار أمريكي كدخل من العملات الأجنبية ، و فيما يتعلق بالفقدان المحتمل لإيرادات الضرائب والرسوم الأخرى ، قد تكون الحكومة قد خسرت ما يصل إلى 5.7 مليار دولار أمريكي في 7 سنوات ) أي 814 مليون دولار أمريكي في المتوسط سنويًا .(
وبإضافة فجوة القيمة الناتجة عن تهريب الذهب فقط الذي تم حصره فى تقرير GFI ، تم تصحيح فجوة القيمة إلى 35.5 مليار دولار فى Abdelkarim (2021) - ما يساوى متوسط خسارة سنوية للدخل من العملة الصعبة بقيمة 5.1 مليار دولار أمريكي، إضافة إلى خسارة 935 مليون دولار أمريكي سنويا من الدخل الضريبي الحكومي.
وفقًا لبيانات بنك السودان (كما ورد فى IMF ، 2020 ص 22) بلغ عجز الميزان التجاري 3.2 مليار دولار أمريكي وميزان المدفوعات 1.5مليار دولار أمريكي في عام) 2018 يمثل الميزان التجاري أحد مكونات ميزان المدفوعات . ( كان من الممكن أن يغطي ما خسرته البلاد من تدفق العملة الصعبة نتيجة لفجوة القيمة التجارية عجز ميزان المدفوعات ؛ وتحقيق فائض مبلغ 3.1 مليار دولار ، ودخل ضريبي يكفى لنشر المدارس والمراكز الصحية والمستشفيات فى جميع انحاء السودان.
- ذهب التحليل فى Abdelkarim (2021) الى أبعد من ذلك ليبين أنه حتى التقديرات المذكورة أعلاه يمكن أن تعكس فقط جزء من الحقيقة. فالمعاملات التجارية التي تمت تغطيتها للكشف عن فجوة القيمة التجارية فى تقرير GFI تمثل جزءًا فقط من إجمالي المعاملات (حيث تم اختيار المعاملات الكبيرة فقط). بالإضافة إلى ذلك ، فإن التهريب عبر الحدود وأشكال الفساد الأخرى في المعاملات الدولية والتجارية تزيد من الدخل المفقود على نحو كبير.
-ا ذا ما شمل تقدير القيمة المفقودة عبر التجارة غير الشرعية كل المعاملات التجارية وجزء كبير من الدخل المفقود عن طريق التهريب فيمكن للسودان تحقيق على الاقل ضعف الدخل من العملة الصعبة الذى تم حسابه على اساس تقديرات GFI المعدلة ؛ أي يمكن ان يفوق عشرة مليار دولار امريكى ، و تحقيق حوالى 2 مليار دولار من الدخل الضريبي الحكومي سنويًا .
- ايقاف التجارة غير المشروعة وفقدان القيمة التجارية يستدعى سيطرة الدولة على الصادر والوارد فى كل السلع الاستراتيجية (فى الصادر: الذهب ، الصمغ ،الثروة الحيوانية ، القطن ، البترول ، والحبوب الزيتية. وفى الوارد: المحروقات ، القمح ، الدواء ، المدخلات الزراعية). تتم هذه السيطرة عن طريق إنشاء بورصات متخصصة او انشاء شركات حكومية او شركات مساهمة عامة فى بعض الحالات. وقد تم طرح هذه الفكرة منذ تسلم الحكومة لمهامها من قبل العديد من المنظمات والاقتصادين الافراد.
2.2.2 عائدات الضرائب:
- تستمد الحكومة إيراداتها بشكل أساسي من الضرائب. وفقًا لصندوق النقد الدولي (2020 / 2، ص 20-22) ، إن إجمالي نسبة الضرائب إلى إجمالي الناتج المحلي في عام 2018 كانت عند مستوى مماثل لتلك في عام 2007 ، عند حوالي 5.4%. وهذا أقل بكثير من متوسط البلدان ذات الوضع الاقتصادي المماثل. استمرت حصة ضرائب الدخل (الشخصية والشركات) وضرائب التجارة الدولية في الانخفاض من 0.8٪ و 1.8٪ في عام 2007 إلى 0.5٪ و 1.3٪ في 2018 على التوالي.
- كانت ضريبة الدخل الشخصي هي الأدنى بين البلدان المماثلة التي تم إدراجها في تقرير صندوق النقد الدولي. وتجدر الإشارة إلى أن الدخل الشخصي يتم تحصيله في المقام الأول من الموظفين العموميين وشريحة من الموظفين الذين يعملون بأجر في القطاع الخاص. يسمح الفساد وعدم الكفاءة الإدارية للأثرياء إما بالتهرب التام من الضرائب أو دفع جزء صغير فقط من الضريبة المستحقة.
- سيتعين على السودان الشروع في مزيج من السياسة الضريبية والإصلاحات الإدارية للتغلب على ضعف الايرادات الضريبية. إن تعزيز الإيرادات الضريبية من خلال توسيع القدرة على التحصيل ومراجعة نظام ضريبة الدخل والأرباح (مع التركيز على الشرائح الأعلى) ، وإزالة الإعفاءات الضريبية (والتي تبلغ حوالي 1.2٪ من الناتج المحلي الإجمالي) يمكن أن يضاعف الدخل الضريبي السنوي للحكومة على المدى المتوسط (4-5 سنوات) (حسب توقعات صندوق النقد ، /20202 ، وان لم يرد فى التقرير تركيز ضريبة الدخل على الشرائح الاعلى).
-حصيلة الضرائب فى عام 2018 (5.4% من الناتج المحلى الاجمالى ، البالغ 35.9 مليار دولار - صندوق النقد 2020/2 ، ص 20) بلغت 1.9 مليار دولار. مضاعفتها (بلا حساب للدخل الضريبي نتيجة السيطرة على التجارة غير المشروعة) يعنى ان يبلغ الدخل الضريبي نحو 4 مليار دولار.
3.2.2مؤسسات / شركات القطاع العام:
- تمثل المؤسسات الاقتصادية الحكومية التي انشأها او سطا عليها النظام السابق جزءً من النظام اللصوصى الهادف لا ثراء الموالين للنظام الحاكم ولتمويل الحروب والارهاب والقمع الذي مارسه النظام فى جميع ارجاء البلاد. كل الشركات الامنية (الجيش ، الشرطة ، جهاز الامن ، الدعم السريع) والحكومية الاخرى التابعة لقطاعات ادارية أنشأت لهذا الهدف (الاثراء الذاتي) والذي مثل الهدف الرئيسي من سطوة الجماعة الاسلاموية الدموية على الحكم فى عام 1989. سيطرة الدولة التنموية ما بعد الثورة على هذه المؤسسات (بما فيها التصنيع الحربي) يخدم: 1- تصفية الركائز الاقتصادية لفلول النظام السابق ، 2- تحويل الفوائض الاقتصادية لهذه الشركات لمصلحة الوطن ، 3- ايقاف تهريب القيمة والاموال للخارج عن طريق التجارة غير المشروعة ، والتي تضلع فيها هذه الشركات بشدة.
- تعتبر اعادة تعمير المؤسسات الصناعية والزراعية الحكومية (او التي تشارك فيها الحكومة) ، و التي دمرها الاهمال المتعمد من النظام السابق بغرض تعزيز سطوة راس المال الطفيلي ، من الاولويات الرئيسية لحكومة وطنية تعمل على الاصلاح الاقتصادي. كانت هذه المؤسسات تسهم على نحو كبير فى تلبية احتياجات الطلب المحلى من منتجات صناعية قائمة على الزراعة (السكر ، النسيج كمثال).
- يجب ان تعمل مؤسسات القطاع العام الى توجيه جزء رئيسي من نشاطها الى انتاج السلع التي تشكل جزءً مهما من الطلب المحلى (الغذاء والدواء) وتقديم الخدمات التي يحتاجها المنتجون فى الزراعة والصناعة ، اضافة الى العمل على السيطرة على الصادر والوارد فى السلع الاستراتيجية ، ويمكن ان يتم ذلك بالشراكة مع القطاع الخاص (شركات مساهمة عامة اوشراكة بين مؤسسات عامة وخاصة او/و بواسطة شركات حكومية).
- تجدر الاشارة الى اهمية تدريب كوادر شابة وطنية تدريبا عاليا يمكنهم من تولى ادارة شركات القطاع العام ، حيث يتولى الادارة حاليا على نحو رئيسي كوادر تتبع للنظام السابق الفاسد ، ولن تصلح.
4.2.2مجموع الموارد المحلية المحتملة تحت مظلة دولة تنموية متوجهة للداخل:
حقا لا يحتاج السودان الى حشد الموارد عن طريق المنح والديون !(وهذا لا يعنى عدم السعي للحصول على منح).
وفق ما تم سرده:
• يمكن توفير نقد اجنبى يبلغ على الاقل 10 (عشرة) مليار دولار سنوي إذا ما تمت السيطرة على التجارة غير المشروعة.
• ويمكن ايضا زيادة الدخل الحكومي بنحو 2 مليار دولار على ما يتم تحصيله حاليا بنفس الطريقة.
• ويمكن زيادة الدخل الضريبي بنحو 2 مليار دولار على ما يتم تحصيله حاليا (وفق تقديرات صندوق النقد له). )و يعنى ذلك ان يبلغ الدخل الضريبي 4 مليار دولار(.
• ويمكن الحصول على دخل ليس باليسير اطلاقا ، وإن يصعب تقديره ، إذا ما سيطرت وزارة المالية على المؤسسات/ الشركات التي تقع خارج سيطرتها حالياً ، وإذا ما تم اصلاح المؤسسات القائمة.
اليس هذا كافيا لتمويل تنمية اقتصادية اجتماعية معتمدة على الموارد المحلية ؟
5.2.2 تنمية القطاع الخاص الوطني وحشد الموارد المحلية:
الدعوة لإعادة بناء القطاع العام ليس مرادها ان تضطلع الدولة بدور رأسمالية الدولة (انظر 3.2 اعلاه) ، انما المساهمة فى تنمية اقتصادية وطنية لصالح اغلبية السكان. لدور الدولة التنموية اهمية خاصة فى السودان ، حيث ان النظام اللصوصى سعى لتدمير الرأسمالية الوطنية وإنشاء ودعم الرأسمالية الطفيلية الاسلاموية. تعمل الدولة التنموية على تفكيك اركان الرأسمالية الطفيلية ، وفى نفس الوقت تتيح الفرص للقطاع الخاص الوطني استرداد قوته ومقدرته للمساهمة فى التنمية الوطنية. للقطاع الخاص الوطني دور أساسي فى حشد الموارد الذاتية ويجب ان تقدم الدولة الدعم ، وعلى نحو خاص فى الفترة الحالية ، الى القطاع الخاص العامل فى انتاج الغذاء والدواء ، وايضا الذي يضيف قيمة على منتجات الصادر.
الخاتمة: هل كان بالإمكان؟ الاجابة لا 6.2.2

الدعوة الي والتعرف علي امكانية الاعتماد علي الموارد الذاتية لتغطية الانفاق الحكومي وتمويل برامج التنمية الوطنية كما وردت في هذا القسم ليست بالجديدة. فقد عملت اللجنة الاقتصادية لقوي الحرية والتغيير علي بلورة برنامج اسعاف اقتصادي وتم تقديمه الي ، واهماله من، الحكومه الانتقالية في 2019. ومن بعدها ، قبل وبعد المؤتمر الاقتصادي في سبتمبر 2020، ومن خلال عدة منابر توالت الدعوات من منظمات وافراد الي اللجوء للموارد الذاتية عن طريق استعادة الاقتصاد المختطف والبدء في اصلاح اقتصادي مؤسسي عاجل. وبعدها اتضح للجميع ان الاختلاف ليس في الفكر التنموي ، انما هو اختلاف مصالح طبقية. فالثورة المضادة داخل السلطة التي كانت تواري وجهها (فقط المدنية ، حيث لم تخف الثورة المضادة العسكرية عن وجهها ابدا) كشفت عن نواياها. الهدف اعادة انتاج بعض اقسام الراسمالية الطفيلية من النظام السابق ( وهذا يشمل راس المال العسكري) وبناء اقسام جديده ، اضافة الي دعم رأسمالية كمبر ا دورية جديده وقد تم ايضاح ذلك في الجزء الاول .
وبذلك تكون الاجابة علي السؤال هل كان بامكان الحكومة الحالية تبني برنامج اقتصادي وطني لمصلحة اغلبية السكان، قد اتضحت.

 لاقسام البحث التي تم نشرها سابقا ، رجاء مراجعة موقع سودانايل Sudanile

Abbas Abdelkarim – Dubai
abbas.a.k.ahmed@gmail.com
webpage: www.abbasconsult.com

 

آراء