في الذكرى أل”126″لميلاد عميد الأدب العربي: واقع منظومة التعليم في العالم العربي

 


 

 


بقلم: بروفيسور عبد الرحيم محمد خبير

عميد كلية الدراسات العليا بجامعة بحري

 إحتفلت العديد من الأوساط العلمية والثقافية في العالم العربي منتصف نوفمبرالماضي بالذكرى أل126 لميلاد عميد الأدب العربي الأستاذ الدكتور طه حسين(15/11/1889م). والعميد طه حسين  حزم شتى من المواهب الفذة ،مما يجعل المرء الذي يود الحديث عن هذا العلاّمة الفرد حائراً من أين وكيف يحيط بحدود شواطئ هذا البحر الذاخر؟.لذا سأقصر حديثي على جانب التعليم الذي أولاه العميد إهتماماً خاصاً سواء في مصر أو العالم العربي.وأوضح أن المواطنة،الرؤية العلمية والمهنية هي الأهداف الكبرى للتعليم .وكانت دعوته لإصلاح حال التعليم إنطلاقاً من رؤية شاملة لإحداث النهضة الحضارية  المرتجاة.   .  

?كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن التدهور الذي حل بقطاع التعليم في العالم العربيوالدعوات المتكررة لتقويم العملية التعليمية وتجويد الأداء الأكاديمي للحاق بركاب الأمم المتقدمة. وما فتئ خبراء التعليم يعقدون الندوات والمؤتمرات للتفاكر حول أسباب إنهيار مخرجات التعليم والعمل على إيجاد الحلول لمشكلاته المتمثلة في الإجلاس، تأهيل الكادر التدريسي ، البيئة المدرسية، إصلاح المناهج، فضلاً عن غياب الجانب التربوي في العملية التعليمية (التعليم العام).وإذا أضفنا إلى ذلك معوقات التعليم العالي المتمثلة في نقص التجهيزات والبنيات التحتية ، تخلف المناهج والانفصال التام بين التعليم وسوق العمل، عدم تكافؤ فرص التعليم وتعدد مساراته (إزدواجية بين تعليم النخبة والعامة)، سلبية الأساتذة بوجه عامة وعزوفهم عن المساهمة في حركة الإصلاح والتجديد التربوي ، عدم فاعلية البحث العلمي (إنصراف أساتذة الجامعات عن البحث وعدم رسوخ مناهج البحوث وإنقطاع إستمرارية المشاريع البحثية) ، تخصص المبعوثين في مجالات علمية لا صلة لها بالحاجات الضرورية للمجتمع، تدني مستوى الخريجين (تحصيل ومهارات) ، فإن مجتمعاتنا دون شك قد فقدت ثقتها في المؤسسات التعليمية من دور الحضانة إلى الجامعة، ومن الإدارة المدرسية إلى القيادة العلمية والسياسية ، ومن تأهيل للمدارس وتطويرها مناهج التعليم إلى مراكز البحوث.

?وما أشبه حال العالم العربي اليوم بالبارحة فمنذ ما يقرب من تسعة عقود من الزمان تنبه نفر من أهل الرأي والفكر وفي مقدمتهم عميد الأدب العربي الأستاذ الدكتور طه حسين إلى أن أُس إنهيار التعليم العربي هو غياب "نظام للتعليم" وهو ناتج عن سبين أو سبب واحد له مظهران مختلفان وهو أن المشرفين على العملية التعليمية ليسوا من رجال التعليم أصلاً ، وإنما كلفوا أن ينظروا في التعليم فقاموا بما كلفوا به في غير كفاية ولا إجادة ، وظهر ضعفهم أو قلة كفايتهم في مظهرين مختلفين: الأول أنهم أساءوا فهم التعليم فتورطوا في الخطأ تلو الخطأ، ونشأ عن هذا ما شوهد من سوء نتائج التعليم على إختلاف طبقاته من الوجهة العقلية والخلقية معاً. الثاني أنهم سلكوا في إدارة التعليم السبيل التي يسلكها غيرهم في إدارة الأموال والاستثمار التجاري أو في إدارة الأجهزة الأمنية فلم يقدروا ما تحتاج إليه إدارة التعليم من روح الحرية والديمقراطية قدره، بل كانوا مستبدين ، وكانوا مركزيين ، ونجم عن هذا ما يصيب المعلمين من ضروب العبث والإستبداد.

?ولم يكتف طه حسين بإصلاح العلل والأمراض ولكنه قدم الكثير من المقترحات والحلول لنهضة التعليم في مصر والمنطقة العربية. ونوه إلى أهمية إصلاح مناهج التعليم وبرامجه وإلى الإهتمام بالثقافة التي لابد منها إذا أرادت الأمة العربية كما ذكر أن تحيا حياة صالحة. ودعا إلى تعلم اللغات القديمة والحية وألحّ على هذا الرأي في كتابه المشهور "مستقبل الثقافة في مصر" (1936م). وأشار إلى إنصاف المعلمين وتهيئة الظروف المناسبة لهم ماديا ومعنوياً وإشراف الأكفاء على التعليم لأنهم وحدهم المنوط بهم إقالة التعليم من عثرته وإشاعة روح الرغبة الخالصة في العلم من حيث هو علم. كما دعا طه حسين إلى أن تكون الصلة بين وزارة التعليم وبين الرأي العام قوية ومتينة. وأن يهتم المسئولون بما يوجه إليهم من نقد موضوعي بغية الإرتقاء بالتعليم ومخرجاته منذ عصر طه حسين(1919-1952م).

?ويبدو أن عالمنا العربي والإسلامي لم يتقدم بخطى ثابتة لسد الفجوات الحضارية التي تباعد بيننا وبين الغرب المتقدم والعمل على إمتصاص الصدمات المستقبلية. فلا زلنا نسمع مقولات تنمية القدرات الذاتية ، ومواكبة عصر المعلوماتية وإقامة ومجتمع المعرفة ، بيد أن واقع الحال مغاير تماماً لتلك المقولات. ويحضرني هنا حديث مهم للعالم المصري البروفيسور أحمد زويل الحائز على جائزة نوبل في الكيمياء (1999م) في محاضرة له بقاعة الصداقة في الخرطوم قبل سنوات خلت حيث أبان – وهو العارف المستبطن – أن هناك فجوة علمية كبيرة يستحيل تجسيرها في الوقت الحاضر بين العالم الغربي (أروبا وأمريكا) والدول النامية ومن بينها الأقطار العربية والإسلامية . وأورد أحمد زويل أن ما يصرف على التعليم في العالم لا تزيد نسبة عن (1 – 2 %) من إجمالي الدخل القومي مقارنة بإسرائيل (3 – 4,8%) .وبلغ ما خصص للتعليم في العالم العربي خلال عشر سنوات وحتى نهاية هذا العام 154 مليار دولار.وهذا المبلغ بالطبع لايفي بالمتطلبات الضرورية لتطوير العملية التعلمية واللحاق بركب التقدم العلمي المتسارع في العالم بصورة مذهلة.وقد تطورت نسبة الانفاق من الناتج المحلي لميزانية الأبحاث للدولة العبرية من1.5% عام 1965م إلي 2.2% عام 1977 إلي 3% سنة 1984م إلي 3.7% عام 2000ملتصل إلي 4.8% عام 2002م وإذا علمنا أن الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل بلغ 110 مليار دولار فان ماخص البحث العلمي منه بلغ حوالي 5.3 مليار دولار، وفي عام 2004م ، وصلت نسبة الإنفاق على البحث العلمي في إسرائيل إلى 4.7?من ناتجها القومي الإجمالي . في عام 2008م، بلغ حوالي 9 مليار دولار. علمًا بأن معدل ما تصرفه حكومة إسرائيل على البحث والتطويرالمدني في مؤسسات التعليم العالي ما يوازي 30.6? من الموازنة الحكومية المخصصة للتعليم العالي بكامله ، بينما يصرف الباقي على التمويل الخاص بالرواتب ، والمنشآت والصيانة والتجهيزات ، ويصرف على القطاع الخاص ما نسبته 52? من الإنفاق العام على الأبحاث والتطوير، وإذا قورن وضع إسرائيل بالدول المتقدمة الأخرى ، نجد أنها تنافس وتسبق كثيرًا من الدول الغنية والبلدان المتقدمة في هذا الميدان ، حيث تحتل إسرائيل المركز الثالث في العالم في صناعة التكنولوجيا المتقدمة.وعلى الجانب الآخربلغ عدد الكتب التي ترجمت إلى العربية في الألف سنة الماضية ما يقارب ال10000كتاب وهو ما يساوي ماتترجمه إسبانيا في سنة واحدة فقط.كما أن إنتاج العالم العربي من المعارف الإنسانية لا يتجاوز.,0002% من إنتاج العالم بينما تنتج إسرائيل1% من المعارف العالمية.إي أن إسرائيل تنتج أبحاث ومعارف 5000مرة أكثر من العالم العربي(محمد صادق إسماعيل: "البحث العلمي في إسرائيل والعالم العربي:مقارنة صادمة"،مجلة المركز العربي للدراسات السياسية والإستراتيجية الإلكترونية 27 ديسمبر 2014م:www.acpss.net).

?وغنى عن القول الإشارة إلى التكنولوجيا المعقدة (المعلوماتية والإتصالات، التكنولوجية الحيوية والثانوية وتكنولوجيا المواد الجديدة) وهي المحرك الرئيسي للثورة التكنلوجية التي يشهدها العالم اليوم، فلا توجد بالطبع – رؤية عربية شاملة لهذه الرباعية التكنولوجية الحاسمة، بل لا توجد رؤية عربية موحدة لأي منها على حده باستثناء إستراتيجية عربية في مجال تكنولوجيا المعلومات والإتصالات وضعت على عجل تلبية لمطالبة القمة العالمية لمجتمع المعلومات التي عقدت دورتها الثانية في تونس في العام 2005م. ولم تحدث بعد إنتهاء القمة أي متابعة جادة لتحويل هذه الإستراتيجية العامة إلى خطط إجرائية أو إستراتيجيات قطرية تنبثق منها وتعود لتصب فيها.

?وللإرتقاء بالعالم العربي إلى "مجتمع المعرفة" فقد أعد أكثر من ثلاثين من المفكرين المسلمين والمحللين السياسين تقريرا بحجم كتاب (2003م) بتمويل من الصندوق العربي للتنمية الإقتصادية والإجتماعية وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية . وأعتبر هذا التقرير وثيقة الأمل في نهضة العالم العربي، إذ يقوم على مبادئ خمسة تشتمل حرية الرأي والتعبير والإنتماء ؛ جودة التعليم وتوفيره ؛ الإنضمام إلى ثورة المعلومات ؛ تطوير أنموذج للمعرفة العربية المستنيرة تشجع على التفكير الناقد وحل المشكلات والإبداع مع الترويج للغة العربية والتنوع الثقافي والإنفتاح على الثقافات الأخرى . ويستبان من النقاط الرئيسية التي ذكرها التقرير مدى إنعزال العرب عن بقية الجنس البشري في مجالات العلوم والتقنية. ولمعالجة هذا الوضع السالب لتاريخ الثقافة العربية مع العالم الخارجي أعلن التقرير أن "الإنفتاح، والتفاعل ، والإمتصاص ، والتمثل ، والمراجعة ، والنقد، والتفحص، لا يمكن إلا أن تحفز إنتاج المعرفة المبدعة في المجتمعات العربية.

?وإرتكازاً إلى ما سلف ذكره، ولكيما نلحق بركب العلم والمعلوماتية مواكبة للتقدم الحضاري العالمي، يجب زيادة الإنفاق في مجال التعليم والبحوث، وتوطين العلم. ولعل أهم من كل ذلك لابد من أن تتغير مناهجنا التقليدية نحو العلم ودوره في الحياة . وقد أدى غياب المفهوم التاريخي لنظام التعليم أن إنزلقت المؤسسات التعليمية في العالمين العربي والإسلامي إلى إتجاه المحاكاة والتقليد وإلى القفز إلى نهايات العلوم دون وجود أرضية يستند عليها للإستفادة من هذه النهايات ودون أن يكون لذلك صلة بالواقع الإجتماعي والإقتصادي. وأسميت هذه النزعة بـ "العلموية" وأصبحت تشكل جزءً من عقلية النخبة المتعلمة . وإذا ما أضفنا إلى ذلك إستيراد أحدث ما أنتجته أسواق التكنولوجيا في العالم من معدات وأجهزة وأنظمة مع التجاهل التام للأسس الفكرية –الفلسفية التي إستندت عليها هذه الإنجازات العلمية – التي كانت في كثير من جوانبها – حلولاً لمشكلات مجتمعات غربية ذات تطور تاريخي مغاير ، وواقع يخالف واقعنا، فإننا نعمل دون شك على تغييب الرؤية التاريخية لسيرورة التطور الصناعي مما يفضي بناء إلى العجز عن توظيف الفكر في استقصاء المضامين العلمية للظواهر الإنتاجية وظواهر تقدم المجتمع من خلال آليات العلم والتكنولوجيا.

?ومهما يكن من شأن ، فلابد من الأخذ بأسباب العلم والتكنولوجيا أياً كانت مظانها مع الحفاظ على ثوابتنا العقدية والتمسك بموروثاتنا التي تتلاءم وروح العصر. ولا ريب أن تجارب بعض البلدان التي كانت حتى القرنين الماضيين تشابهنا واقعاً حضارياً وارتقت حالياً إلى مصاف الدول المتقدمة (اليابان، الصين، كوريا الجنوبية، وسنغافورة) لجديرة بالاحتذاء والتقبيس. فهلا شمرنا عن سواعد الجد لاستعادة أمجاد أسلافنا الذين كانوا حداة ريادة فكرية وعلمية للإنسانية جمعاء. والله المستعان.

 

آراء