في بورتسودان لا توجد منطقة وسطي مابين الجنة والنار ( ٦ ) !!..

 


 

 

عدنا من الريف البورتسوداني الجميل الاصيل وتمتعنا بكرم واريحية اهلنا الهدندوة وشبعنا حد التخمة من ( السلات ) هذا اللحم الذي ينام علي حجارة ملساء من ( الصوان ) ساخنة كأنها فرن كهربائي وسرعان ما يتصبب الدهن من تحت اللحم مشكلا له وسائد حريرية ناعمة من فوق قطع ( الساسوي ) التي من فرط نظافتها تبدو مثل المرآة المجلوة !!..
عاد بنا اللوريان المحترمان الي مقر اقامتنا في الفندق بعد نهارية ما شهدنا بمثلها في تاريخنا القريب وقد غمرنا القوم ليس بالطعام المتفرد الذي ينفردون به بين الأمم ويضعون عليه بصمتهم وخاتمهم وطابعهم الخاص بحيث يستعصي عليه التقليد والتزوير !!..
تعرفنا علي بعضنا البعض وبدانا للمراقبين أسرة واحدة تفرقت بها السبل وعادت للقاء من غير ترتيبات أو بروتوكولات بل يكفي أن يلتقي عدد من السودانيين لأول مرة في أي محفل داخل البلاد وخارجها سرعان مايتم الاندماج بينهم في زمن قياسي وتزول كل التحفظات ويتصرف الجمع بقانون العشرة والطيبة والمحنة الماركة المسجلة السودانيين أينما رحلوا وحيثما حلوا !!..
طبعا ذلك الطعام الاصلي الصميم وتوابعه من القهوة فواحة العبير ذات الطعم الحصري بكل مافيها من سحر وأناقة وطلاقة كان يستلزم أن يخلد المرء بعده الي نوم هاديء واحلام وردية لشحذ بطارية النشاط من جديد للخروج للاضواء لسبر أغوار أمسيات وسهرات مدينة ذات موقع فريد تضم شعبا لم يزده التنوع إلا قوة ومتانة وتضامن وابتكار وفنون شعبية وفروسية أذهلت شعراء الإنجليز الامبراطوريين وحملة أقلامهم من الصحافيين الذين تطوروا الي ساسة نابهين ودخلوا ( Ten Down Street ) !!..
خرجنا للشارع بعد المغيب بمدة تجنبا لضربات الشمس الموجعة في وقت تكون الحرارة قد خفت حدتها بعض الشيء ويمكن بعد ذلك التجول هنا وهنالك لمزيد من اكتشاف المعالم والمواقع التي سمعنا بها ولم نراها راي العين .
لفت نظرنا أن مدينة بورتسودان قد سحرتنا بنظافتها وأناقتها فالشوارع جيدة الرصف والترتوارات أنيقة السبك والحدائق هي الرئة بها المدينة تتنفس وقد دخلنا في إحداها واحسسنا بالهواء الرطب يداعب خياشيمنا ويتسرب ليغطي عموم أجسادنا وهنا فقط قلنا ( باي باي ) مؤقتا للسخانة التي ليس معها حيلة إلا أن يذهب الإنسان الي المسكن حبيسا ويظل قيد الإقامة الجبرية حتي المساء !!..
في داخل الحديقة ترفع راسك لتري غراب بورتسودان يحتل جانب كبير من الفضاء يطير هنا وهنالك يلهو ويلعب في حرية ويصدر أصواتا عالية لكن أهل المدينة تعايشوا معه وصاروا له اصدقاء ولا غرو فقد أصبح هذا الغراب الصغير الحجم الأنيق نوعا ما مقارنة مع الغربان الكبيرة في شتي البقاع جزءا من معالم البلدة !!..
جلسنا علي الكراسي الوثيرة ومع التأمل في جمال المكان وجاذبيته واعتدال الجو فيه وكنا نسمع خرير المياه وجاءنا النادل ب ( المنيو ) واخترنا ونحن في أشد حالات الاستغراب والترغب والتلهف مشروب ( يخلط فيه الشعير بالحليب ) وسعر الكوب ( الجانبو ) منه خمسة قروش فقط .
وتذوقنا هذه الخلطة العجيبة اللذيذة ذات النكهة الفريدة والطعم الذي لا ينسي وفوق ذلك أن سعرها مناسب ويمكن شرب أكثر من كوب في الجلسة الواحدة !!..
نواصل المسلسل إن شاء الله سبحانه وتعالى في الحلقة القادمة .

حمدالنيل فضل المولي عبد الرحمن قرشي .
معلم مخضرم .

 

ghamedalneil@gmail.com

 

آراء