في تذكر عبارة سديدة وفقيد كبير

 


 

 

بشفافية –
في تعقيبها على الورقة التي قدمها ب.حسن حاج علي بمنبر (طيبة برس) تحت عنوان (رأس المال الاجتماعي والتحول الديمقراطي في السودان)، أتت الاستاذة سوسن الشوية على ذكر عبارة (السودان عضمو قوي)، فهيجت فيني هذه العبارة السديدة ذكرى صاحبها فقيد البلاد محمد إبراهيم نقد (رحمه الله) السكرتير العام السابق للحزب الشيوعي، الذي حلت ذكرى رحيله المحزن يوم الأربعاء الماضي، وقد افتقدت البلاد نقد في أشد لحظات حاجتها إليه وإلى حكمته وبصيرته النافذة ورؤاه السديدة، خاصة في مثل هذا المنعطف الذي تمر به البلاد وهي تواجه أزمات شديدة التعقيد والتشابك وليس لها إلا ذوي البصر النافذ والبصيرة المستبصرة، ونقد رحمه الله يعد بلا جدال واحدا من أبرز بصرائنا وحكمائنا وراشدينا وكبارنا، فعند المحكات والمنعطفات والأزمات، كان دوما أكبر من الحزب حتى لتظن أنه ليس سكرتيرا لحزب وإنما محلل ومراقب سياسي متحلل من أي انتماء حزبي، فقد كان واسع الرؤية يمد بصره إلى كامل الوطن ولا ينغلق داخل دائرة حزبية ضيقة لم تؤت مهما كانت الحكمة وفصل الخطاب، الانتماء للوطن السودان ولإنسان السودان البسيط العفيف الشريف يعلو عنده على كل انتماء، وكان ذلك مدخله للاقتناع بالماركسية والتزام جانب الحزب الشيوعي الذي ترقى في مدارجه حتى تربع على قيادته،
وحتى لو اختلف الناس حول أُطروحات الحزب ورؤاه وأفكاره، فإنهم لا يختلفون حول المزايا الشخصية التي يتمتع بها نقد كسوداني صميم، كرس حياته ووهب عمره لقضايا الناس والبلد منذ ما قبل الاستقلال وإلى ساعة رحيله، وقد لاقى في سبيل ذلك ما لاقى من مشاق ومتاعب، من الاعتقال والملاحقة والمراقبة الأمنية وإلى الاختفاء بعيدا عن الأهل والأحباب محتسبا كل ذلك من أجل ما آمن به ومن أجل إنسان السودان الذي يعتبر نقد من أعرف الناس بمزاجه ونفسيته، ولهذا كان حبيب النفس إلى الجميع إلا ذوي المزاج الفاسد والنفوس المريضة، ولم يكن نقد سياسيا متمرسا فحسب وإنما كان إلى جانب ذلك مفكرا يعمل النظر في أعقد القضايا ويكتب فيها الدراسات ويؤلف الكتب، كما كان حاضر البديهة سريع الرد والتعليق المختصر المفيد وصاحب نكتة لاذعة وذكية وليست سفيهة أو غبية..
أما العبارة الايقونة (السودان عضمو قوي)، كان نقد قالها ردا على سؤال استدراجي نصبه له أحد الصحافيين، ومؤدى السؤال ان البلاد لهشاشتها لا تحتمل ثورة ضد نظام الانقاذ، فأجابه نقد (السودان بلد عضمه قوي، وأي محاولة للقول بأنه لا يحتمل هذه مجرد تبريرات، ليه ما بتستحمل، هي حتستحمل أكثر من الذي تتحمله الآن، أكثر من الحاصل) – يقصد نقد بلاوي الإنقاذ.. نعم وألف نعم يا سديد القول والرأي، ما يزال شعب السودان عضمو قوي، وما يزال السودان البلد (عضمو قوي)، وما يزال شبابه نبيلا وأصيلا، فمع كل المحن والإحن والأزمات التي ضربته في اللحم الحي، وكانت كل هذه البلايا والرزايا التي شهدها في عهد الإنقاذ المشؤوم، كفيلة بتفكيك عراه والقضاء على محاسنه وفضائله التي جبل عليها وعرفتها عنه كل الأمم والشعوب وشهدت بها، غير أنه بقي صامدا وراسخا وثابتا يقاوم كل هذه المصائب ويحافظ على إرثه الأخلاقي والقيمي، وطالما أن تفكك البلاد وتشرذمها لم يحدث في ذاك العهد اللئيم، فإنه بالضرورة لن يحدث في عهد ثورة الوعي..
الجريدة

 

آراء