في رثاء بروفيسور أحمد محمد الحسن (3)

 


 

د. زهير السراج
17 November, 2022

 

manazzeer@yahoo.com

* اذا كان العلماء هم ورثة الأنبياء فقد أكرم الله السودان بعالم كاد أن يكون نبيا اسمه (احمد محمد الحسن).

* أذكر وانا وقتها في الجامعة كنت مهووسة بيهو جدا لما سمعت عن أخباره، وكنت أذهب للمؤتمرات فقط لكي أراه، وقد اخترت تخصص (علم الامراض التشريحي) لأكون بمجاله. كنت اقول لأمي (انا بس نفسي أكون مع بروف أحمد أن شاء الله أنضف ليهو جزمتو، لأنو جزمتو زاتها التراب الفيها بكون مليان علم)، وتضحك أمي وتقول لي أن شاء الله تبقي زيو.

* مرت الايام والتحقتُ لدراسة الماجستير بمعهد الأمراض المتوطنة جامعة الخرطوم الذي قام بتأسيسه ضمن إنجازات عديدة للوطن تعجز عشرات الكتب عن جصرها. وكنت سعيدة جدا انني صرت واحدة من طلابه وبشوفو وبلاقيهو كل يوم، وتلك المحاضرات التي يكون هو مقدمها وسلاسة الشرح ودهشة العلوم. أذكر أصعب يوم مر بي وقتها عندما قدمتُ عرضا عن الصفات التشريحية لسرطان الجلد، ولكنه ظل يتابع بكل الود والتشجيع والاهتمام، و"ما بديك ولا لحظة احساس انك صغير ومعلوماتك محدودة". كنت بسمع عن تواضع العلماء لحدي ما شفته متجسد في بروفيسور أحمد. بابو مفتوح لكل الأسئلة والنقاش برحابة ولمعة عيون فيها كل طفولة وشغف العالِم، والابتسامة الهادئة والاهتمام. من أصغر تفصيل لي اكبر تفصيل.

* الشغل معاهو في اي مشروع متعة، الونسة متعة، النصايح بسيطة وفي الصميم، والزول يكون حاسي انو السودان صعب والعلم فيهو ما ممكن يمشي، يلقاك زول زي بروف أحمد عمل ابحاث من العدم من بين رقراق الرواكيب والقطاطي، خلق صوت لكوارث وبائية ما كان في زول بيعرف عنها حاجة، وأسعف أرواح كانت حتموت من الإهمال بسبب قلة المعرفة، ومن البقاع النائية وصَّل صوت السودان في كل المنابر العلمية العالمية ليكون واحد من العلماء المرجعيين.

* مرات أجيهو في قمة الضيق من مشكلة تكون حاصلة معاي واسأله اقول ليهو يعني يا بروف أكيد حياتك ماكانت مفروشة بالورود، واكيد كان في مشاكل وناس بيحاولو يعرقلوك، كيف قدرت تعمل العملتو دة كلو ، بصوتو الهادئ داك يقول لي "ما تهتمي، وخلى اعمالك تتحدث عنك".

* اتعلمت من بروف احمد انو اليوم البمر بدون ما تعرف فيهو معلومة جديدة، وما ضروري مجالك، بيكون يوم ضايع. اتعلمت منو انو العالِم الحقيقي هو العطاء المستمر، والدعم للآخرين، اتعلمت انو العالِم ما شخص معزول جوة معمل وكتب، بل هو زول من الناس ومع الناس وللناس، وانو لابد من هواية، ولابد من مرح، و لابد من شغف لايفارقك لحظة، واتعلمت منو انو المبادرة والعطاء في انك تخلق مجال ومكان تتيح فيه مساحة للأخرين بعد أن يستوي، وتمشي تفتح أبواب ومناطق أخرى وهكذا بلا منة وبكل العطاء.

* الفقد أكبر من الاستيعاب، ففقد للعالم المثقف المرهف محب الأدب والتصوير والموسيقى والزهور، خسارة لا تعوض. الفقد لمدرسة لم تنضب منذ ما يقارب السبع عقود من العطاء. الفقد للحكمة والمشورة ودفء الحضور.

* اعزي نفسي وبناته نهلة ونشوى ولمياء وأحفاده، وساعده الأيمن في معهد الامراض المتوطنة المعهد (ماما خديجة)، وابناءه وليد والطيب وبروف منتصر و بروف ابراهيم وبروف معاوية وكل أسرة المعهد والجامعة فردا فردا، وجميع أهله واصدقائه وطلابه في بقاع الأرض. يعني معقول يابروف خلاص يوم شكرك جه، وهل مهما حكينا بنقدر نعبر عن الحاسينو؟!

* اللهم إنا نشهدك أنه فتح لنا دروبا للعلم والمعرفة وما أدخر جهدا ولا سعيا في سبيل ذلك،
اللهم إنا نشهدك انه كان سببا في تشخيص علل وشفاء الالاف. اللهم إنا نشهدك انه كان هيناً لينا متواضعا، كريم اليد والأخلاق. اللهم لا تفتنا بعده ولا تحرمنا أجره، واجعله في الجنات العلى مع النبيين والصديقين والشهداء.

* اتخيلت انو يتم تشييع رسمي للبروف من قبل الدولة كما تفعل كل الدول مع علمائها وحزنت على حال بلادي ومن يحكمها من الجهلاء. غايتو زي ما قال بروفيسور وليد، هو البروف زاتو ما بحب الزخم ولا الظهور، والعزاء أن من شيعوهو كانوا احبابه وأهله وطلابه وخيرة علماء البلد.
(د.سارة بدري)

 

آراء