في طريق كسر الحلقة الشريرة (1)

 


 

 

 

عفارم.. عفارم.. يا شعباً مسالم .. يا حر الإرادة

المبتدأ:-
(عفارم.. عفارم.. يا شعباً مسالم .. يا حر الإرادة.. وجماعي القيادة يا وكتين تصادم.. بروقك تضوي.. ورعودك تدوي .. ورياحك تقصقص رقاب المظالم). " محمد الحسن سالم (حميد)".
والخبر:-


(1)
إنقشع غبار المماحكات عن المشهد السياسي السوداني، واتضحت صورة الاصطفاف الجديد بصورة لا لبس فيها، وقد شارفت عملية الفرز التاريخي لمكونات المشهد السياسي نهاياتها الحتمية، وأخذت المؤشرات الدالة على بلوغ الاصطفاف مرحلة التمحور حول ثوابت لبناء تيار وطني ومدني حر بعيدا عن اصطفاف المصالح الضيقة في السفور والإعلان عن ذاته بقوة، وفي سياق هذه الصيرورة التاريخية يتم النظر من قبل شباب السودان الثائر لمواقف كافة مكونات المشهد السياسي القديم وفرزه بفطنة ووعي بعيدا عن هوس فزاعات إعلام النظام الآيل للتفسخ والزوال، مفسحًا الطريق أمام خطى التغيير الجذري ، وقد بلغت اشتراطات الاصطفاف الجديد الذاتية والموضوعية مبلغَ الرُّشدِ، ونضجت على نارٍ هادئة.


(2)
وفي ظل هذا التدافع الجدلي يتم النظر لمواقف القوى السياسية المختلفة من السلطة الحاكمة وتقييمها، لا سيما تلك الأحزاب والقوى السياسية والقيادات التي راهنت ورهنت نفسها طويلا في قفص المساومات الفطيرة مع نظام الحركة الاسلامية المترنح ، مما يشير إلى أن صيرورة الاصطفاف الجديد تمضي حثيثا نحو غاياتها، مبشرة ببزوغ فجر التيار الوطني الرشيد المناط بها طي صفحة الممارسات القديمة، والخروج من رحم التدافع السياسي غير المنتج؛ والمحتدم منذ أكثر من ربع قرن؛ نذر هذا المخاض لاح بالتقاط القوى الشبابية لقفاز المبادرة السياسية ونفض غبار الكسل والتقاعس عن كاهلها؛ حيث فاجأت الساحة السياسية السودانية بإنجازها لمواكبها المهيبة المتتالية في كافة المدن السودانية؛ مما وضع جميع الأحزاب السياسية وجها لوجه أمام مسؤولياتها، وإحراج تلك التي ما زالت تراوح في دائرة الخذلان.


(3)
الحراك الذي ابتدأته القوى الشبابية بمساندة القوى الحية قد خلق واقعا سياسيا جديدا، وانتقل بالعمل المعارض من محطة ردة الفعل إلى الفعل، ويكفيه شرفًا تسريع وتعميق عملية الفرز والاصطفاف السياسي الممهد لمخاض (التيار الوطني الحقيقي)، التي سيتولى مهمة إنجاز التغيير، وملحقات الإصلاح الاجتماعي، والاقتصادي، والسياسي؛ وتبدو جميع قوى المعارضة السودانية الحية اليوم على قناعة راسخة بضرورة تعطيل أي صراع بيني لصالح التفرغ لعملية إزالة نظام الإستبداد وإنجاز الثورة الشعبية السودانية الثالثة بنفس أدوات النضال السلمية التي خبرها واحترفها شعبنا على الرغم من تنكر وازدراء بعض نخب الاصلاح لها؛ إن المسار الثوري يمضي في اتجاه بناء وتجميع فئات عريضة من المجتمع السوداني حول أهداف واضحة، تتعلق أولاً بالتحرر من هيمنة القهر، السياسي والاقتصادي والفكري، وإقامة علاقات اجتماعية متوازنة يحكمها التوزيع العادل للسلطة والثروة في ظل مجهود متواصل للإنتاج.


(4)
وبهذا تكون قوى المعارضة الحية قد خطت أخر خطواتها في اتجاه تجسير الهوة وبناء الثقة بين مكوناتها من قوى شبابية وأحزاب سياسية ومنظمات مجتمع مدني؛ وبدأ الكل ينظر لعملية التغيير بمنظار أكثر واقعية، بعيدًا عن المشاكسات، وعقلية كسب النقاط، والانتصارات الوهمية، وهذا في حدِّ ذاته نقلة نوعية عظيمة في اتجاه التأسيس لممارسة سياسية رشيدة أكثر نضجًا وحكمة، فالمهام المطروحة وطنيًا مهام متعددة وجسيمة، لا يمكن لأي فصيل من فصائل القوى الوطنية، مهما امتلك من امكانيات وبرامج ، القيام بها منفردًا، فالمخرج الآمن من الأزمة الوطنية الماثلة يتمثل في خلق تحالف وطني واسع، يضم جميع القوى الفاعلة في المجتمع السوداني، والتي من مصلحتها إحداث التغيير الجذري المطلوب.


(5)
ولضمان استمرار ونجاح هذا التحالف الوطني الواسع وأدائه لدوره التاريخي يجب مراعاة المصلحة العامة المشتركة لجميع مكوناته التي تحفزها على تبني الثورة، والعمل النشط لإقناع الجماهير بضرورة التمسك بها، والمحافظة عليها، عليه فالمصلحة المشتركة يجب أن تعبر عن الشعارات العامة (الحرية والديمقراطية والعدل)، كما يجب أن تعبر عن حقوق المستضعفين والأقليات بمثل ما تعبر عن حقوق الأغلبية، وتهتم بكسر احتكار السلطة وامتيازاتها لصالح مجموعة بشرية، أو جهوية ما، أو لصالح أحزاب وبيوتات بعينها تدعي حقوق تاريخية تعطيها المبرر لتغييب بقية مكونات النسيج الاجتماعي عن مراكز القرار والتنفيذ.


(6)
استقرار هذا التحالف واكتمال قناعة مكوناته في جدوى استمراره هو الضمان لنجاح عملية كسر (الحلقة الشريرة)، وانجاز ثورة سودانية كاملة الدسم ومكتملة الاركان تدشن مرحلة تاريخية جديدة، من أهم سماتها الأمنُ والاستقرارُ والنماءُ؛ هذا التحالف الواسع لقوى الشعب الحية؛ هو البديل الحقيقي لنظام الاقصاء والفساد الحالي والذي يستطيع شعبنا عبره تحقيق أهدافه الوطنية، وخلق إطار مجتمعي يستوعب طاقات الشعب المنتجة؛ فقوى التغيير الثائرة في الشارع اليوم اوسع وأشمل من تحالف أحزاب سياسية ومنظمات شبابية؛ فهي تضم كافة القوى الوطنية الفاعلة المؤمنة؛ بضرورة تأسيس دولة المواطنة والقانون المدنية الديمقراطية.


(7)
تحالف قوى التغيير وحده القادر إذا ما صدقت النوايا على تخطي العقبات والانجاز، و يجب أن يستثنى منه أي طرف من الأطراف السياسية، إلاَّ الذي يضع نفسه خارجه وضده، وبهذا الفهم هو تحالف مرحلي عريض لا يلغي الأحزاب السياسية، ولا يقوم مقامها؛ بل يعطل مؤقتًا ومرحليا صراعاتها البرامجية التي تأخر عادة عملية النهوض الوطني، وذلك لحين الفراغ من واجب التخلص من السلطة الفاسدة والشروع في تنفيذ الأجندة الضامنة لوحدة التراب؛ وسيادة الدولة، ووضع الأساس المتين لنظام مدني ديمقراطي عادل، وتلك مهام عظيمة وأهداف جليلة تتطلبُ بكل تأكيد حدًّا معقولاً من انتظام المكونات السياسية القائمة على أمر تنفيذها.

الديمقراطية قادمة وراشدة لا محال ولو كره المنافقون.

تيسير حسن إدريس 17/01/2019م

يتبع

tai2008idris@gmail.com

 

آراء