في “عزومة” اعتصام القصر: جنرال يقود الفوضى ووزير يعتصم مع المحتجين على حكومته !!

 


 

 

مؤسف أن يصل بنا الحال إلى هذا الدرك – الذي ليس بعده ولا تحته قاع – من الابتذال والعبط. أهذا هو ذات السودان الذي أنجب رئيس مجلس السيادة من قبل العالم التجاني الماحي، ومامون بحيري، ومحجوب شريف، ومعاوية محمد نور، والنذير دفع الله، وعبد الله الطيب، ومحمود محمد طه، وعبد الخالق محجوب، والشيخ عوض الله صالح، وصلاح أحمد إبراهيم، وبابكر بدري وغيرهم من النجوم الساطعة الزواهر ؟!.
استطيع أن أفهم، ويفهم غيري، هذا النوع من الطموح الطائش الذي يجعل الرجل الراشد (أو ينبغي أن يكون كذلك) لتنحط به مطامعه الدنيوية الزائلة إلى درجة السفه العقلي والأخلاقي، وأن يقبل لنفسه دناءة الوسيلة لتحقيق الغاية، ويخرج على الناس هكذا ليتحدث عن المسؤولية الوطنية والنبل كالملك العريان في حكايات الطفولة، فأمر يشكك في قواه العقلية، وتأهله ليكون مسؤولاٍ عن امر نفسه، دع عنك الآخرين.
(2)
لا أدري أي شيطان أوحى للبرهان وحميدتي أن الشعب السوداني "بطيني" ورخيص إلى درجة أن يقيض حريته وكرامته بوجبة وماء قوارير بارد ؟!.
هل يعقل أنهم يجهلون الشعب الذي يحكمون ؟. ألم يقرأ أحدهم يوماً ما كتبه بعض الخليجيون عن عفة وإباء وكرامة السودانيين االذي يعملون ببلادهم؟. ألم يقرأ أحدهم أن عثمان دقنة، وهو في سجنه رفض أن مقابلة الحاكم الإنجليزي الذي أراد أن يسلم عليه إعجاباً به وتقديراً لعبقريته الحربية لأن الخواجة "نجس وكافر"؟. ألم يسمعوا بالمثل السوداني القائل بأن الجعلي يقضي يومه خنقي؟. ألم يخطر لهم ببال أن السوداني بفطرته لا يسترخص نفسه وكرامته وعزة نفسه ببطنه، وأنه كريم متواضع "يجود بالموجود" بل عند بعضهم "الجود ما بالموجود، الجود بلحم الجلود" ؟.
(3)
لقد كشفت ذبائح الجنرالات والفلول عن جهلهم بالشعب الذي إليه ينتمون، وكشفت عن سوء ظنهم به. وما هذه الأواني التي أعدت لعزومة الاعتصام بما فيها من محاشي وشعيرية سوى فضيحة كشفت منطلقهم النفسي لصراعهم المستميت لاغتصاب السلطة. وأنهم لم يكونوا سوى تابعين لمن كانوا قبلهم. أولئك الذين جمع شملهم الجوع، فتناحروا على الغنيمة.
وقد علق أحدهم (من غمار) الناس قائلاً: أليست معسكرات النازحين أحق بهذا الكم الهائل من الحاشي والمحاشي والشعيرية وعشرات الأغنام التي تم تقديمها للمعتصمين، وهم يعانون الحاجة لأبسط مقومات الحياة في خيامهم؟. ولكن من قدموها في "المركز" الذي صدعونا بهجائه كانوا من الغباء بحيث لم يدركوا أن ذلك كان سيتيح لهم تعاطفاً ودعماً معنوياً وتأييداً ، ليس بين سكان المخيمات فحسب، بل ومن بعض ذوي القلوب الرحيمة ممن لا علاقة لهم بالسياسة وصراعات الطامحين فيها.
(4)
الصراع على السلطة حق مشروع لكل طامح فيها (فبعض الناس مصابون بهذا السعار) وقد أتاحت لهم السياسة الحق والفرصة أن يشبعوا نهمهم هذا. إلا أن هؤلاء اختاروا أرذل وسيلة فيها إهانة لمن يرجون منهم قبولاً. ليتهم طرحوا عليهم وعوداً كاذبة، فهذه من "عِدة شُغل" السياسيين في كل العالم، ولو أنها كذبة، ولكنها ليست بإهانة من يقول لك: كن معي وسأفطرك اليوم لحم ضان!. فهذه إهانة بالغة أن تطلب من شخص أن يبيعك موقفه، خاصة إذا كانت نتائج موقفه تحدد مستقبله، مقابل وجبة طعام. وهذا للأسف ما فعله فريق الإنقاذ2.
(4)
مؤسف لأنه معيب غاية العيب أن يدعو الجنرال لنشر الفوضى ويفتح الطرق لمن لفظهم شعبه، بينما يصوب الرصاص على صدور من أجلسوه على كرسي السلطة؟!.
وعيب على وزير في السلطة أن يعتصم مع من يحتجون مطالبين بحل الحكومة التي يتبوأ معقد المالية فيها. ولا تدري هل هو مع الحكومة والمخصصات التي يقبضها كوزير فيها؟ أم هو ضد الحكومة التي هي حكومته ومع المنادين بحلها؟.
وعيب أن ترى الشرطي الذي يمنع موكب محامين وقانونيين سلميين يريدون تسليم مذكرة، بينما يقوم بتوزيع الطعام والماء البارد لمن يقطعون الطرق على الشرطة "الرسمية" كي لا تقيم الحواجز على المقرات السيادية والاستراتيجية!.
أي مسؤول ، حتى في بلاد واق الواق، يمارس العبث بأمن دولته على هذا النحو ثم يبقى في منصبه .. إلا في السودان ؟!!.
وتقول لي برضو: عندنا دولة ؟؟!!

izzeddin9@gmail.com

 

آراء