في فلسفة القانون: قراءة في محاكمة قضية غامضة
في كثير من القضايا الجنائية لا تتوفر بينة مباشرة على الفاعل الحقيقي للجريمة حيث لا شهود عيان ولا اعتراف قضائي للجاني ولا بينات مادية موثوق بها مثل البصمات وغيرها. ربما تتوفر بعض قرائن الأحوال التي تستنبط استنباطا by inference من واقع الحال وهو ما يسمى في القانون بالبينات الظرفية circumstantial evidence مثلا أن يكون المتهم هو آخر شخص شوهد مع المجني عليه قبل ارتكاب الجريمة.
وإذا كان يجوز من حيث المبدأ إدانة المتهم استنادا على البينات الظرفية وقرائن الأحوال وحدها إلا أن القانون قد وضع لذلك ضوابط صارمة وهي:
"(1) يجب ألا تتعارض البينة الظرفية مع براءة المتهم او إدانة أي شخص آخر ويجب ألا تكون قابلة لأي تفسير معقول آخر بخلاف إدانة المتهم، وإلا فان الشك يجب أن يفسر لصالح المتهم.(2) ان تكون الظروف والقرائن التي يراد استنباط أي واقعة ضد المتهم منها، فوق كل شك معقول، وأن تكون مرتبطة ارتباطا وثيقا بالواقعة التي يراد استنباطها منها".
ولكي نرى كيف تُنزل هذه المبادىء على أرض الواقع، نناقش الحكم القضائي الصادر في السابقة القضائية judicial precedent التي أرست هذا المبدأ في القانون السوداني وأصبحت سابقة قضائية متبعة في بقية القضايا المماثلة. وهي قضية:
(Sudan Government v. Yoele Lowiya, S.L.J.R. 1959. P. 69)
والمنشورة بمجلة الأحكام القضائية السودانية لسنة 1959 والصادرة باللغة الإنجليزية. وفيما يلي نقوم بترجمة كاملة لهذا الحكم إلى العربية:
الوقائع:
وقعت أحداث هذه القضية سنة 1959 بجنوب السودان بمنطقة شرق الاستوائية. المجني عليها تدعى، رائيلي أبي جاجا، فتاة في حوالى الخامسة والعشرين من عمرها من قبيلة كاكوا (إحدى قبائل الباريا، وهي قبيلة سودانية يوغندية مشتركة ينحدر منها عيدي أمين- المترجم) ولما كانت والدة المرحومة متوفية ووالدها مختل العقل فإنها تقيم مع عمها في قرية غير تلك التي يقيم بها والدها المريض. وفي الثاني من شهر يونيو 1959 اقيم حفل راقص بالقرية التي يقيم فيها والد المجني عليها فاستأذنت من عمها الذي سمح لها بالذهاب الى الحفل في رفقة بعض سكان القرية. شوهدت المجني عليها ترقص في الحفل ولكنها اختفت عن الأنظار في نفس الليلة.
في أو حوالي 11 يونيو أي بعد خمسة أيام من الاختفاء وجدت شاهدة الاتهام التاسعة جثة في الخلاء عبارة عن بقايا عظام وجمجمة ولم تستطع التعرف عليها ولكن لسبب ما لم تبلغ عنها السلطات. في 21 يونيو أي بعد اسبوعين تقريبا من الاختفاء خرج نفير من أهل القرية بحثا عن الفتاة فوجدوا بقايا تلك الجثة ومعها عِقد من سُكسُك (خرز).
المحاكمة:
فُتح بلاغ جنائي وجرى التحري مع أهل القرية وانحصر الاتهام في شخصين وفي التحقيق القضائي افرج عن أحدهما ووجهت تهمة القتل العمد للآخر وهو يويلي لويا. ثم عقدت محكمة كبرى (تشكل في العادة من ثلاثة أعضاء: القاضي المقيم واثنين من المحاكم الشعبية) أدانت المحكمة الكبرى المتهم بالقتل العمد وحكمت عليه بالإعدام.
أسست المحكمة الكبرى حكمها بادانة المتهم والحكم عليه بالإعدام استنادا إلى جملة من الأسباب التي استنبطتها استنباطا من البينات الظرفية وقرائن الأحوال التي أدلى بها شهود الاتهام وهي:
أولا: شوهد المتهم ليلة الحفل بواسطة أحد الشهود وهو يأخذ بيد المجني عليها وهما يغادران مكان الحفل في الساعة الثالثة من صباح اليوم التالي متجهان ناحية المكان الذي وجدت فيه تلك الجثة وقد عاد المتهم من ذلك الاتجاه حوالي الساعة الخامسة صباحا وتبدو عليه علامات الخوف والوجوم.
ثانيا: بعد مضي حوالي 12 يوما من الحادث سأل المتهم والد المجني عليها المختل العقل بالبيت الذي اقيم فيه الحفل، وبدون مقدمات، عن اختفاء المجنى عليها.
ثالثا: قبل اكتشاف بقايا تلك الجثة شوهد المتهم وهو يذبح شاة وهذا تقليد متبع لدى قبيلة كاكوا في جملة مناسبات من بينها عندما يقتل أحد أفراد القبيلة انسانا.
رابعا: في ذات اليوم شوهد المتهم وهو يضرب رأسه على حائط منزل أحد أقرباء القتيلة وهو تقليد يدل حسب أعراف القبيلة على أن المتهم قتل أحد أقرباء صاحب البيت.
خامسا: إن والد الفتاة كان زوجا لوالدة المتهم وطلقها بعد اصابته بالجنون ولكنها توفيت بعد فترة قصيرة من الطلاق مباشرة وان المتهم يظن أن والد الفتاة يقف وراء موت والدته، لذلك قتل الفتاة انتقاما لقتل والدته.
ولكن المتهم كان قد أنكر في أقواله أمام المحكمة كل أقوال الشواهد الورادة أعلاه مفندا لها بالقول: إنه لم يأخذ الفتاة في الثالثة صباحا من مكان الحفل، ونفى أن يكون قد سأل والد الفتاة عن واقعة اختفائها، كما أنكر أن يكون قد ذبح شاة في يوم 20 يونيو وأن شقيقه هو الذي ذبح خروفا في ذلك اليوم كما أنكر أنه قد ضرب رأسه بحائط بيت أحد أقرباء الفتاة كذلك نفي أن يكون قد شاهد الفتاة في بيت "اللعب" كما نفي أن يحمل أي حقد أو كراهية تجاه والد الفتاة.
حكم الاستئناف:
رُفعت الأوراق لقاضي المديرية، القاضي القدير والفقيه القانوني الضليع، جلال على لطفي (أستاذنا درسنا قانون البينة والاثبات بجامعة الخرطوم) وقد فند في قراره الحجج التي بنت عليها المحكمة إدانتها للمتهم تفنيدا قانونيا مؤسسا أرسى به مبدأ قانونيا راسخا صار متبعا إلى اليوم في القضايا التي تلته والتي تستند على البينة الظرفية، حيث خلص إلى رفض تأييد الإدانة والحكم بالإعدام وقضى ببراءة المتهم وفيما يلي حيثيات أو أسباب حكم قاضي المديرية:
"قبل مناقشة الوقائع أو البينة المقدمة من الاتهام هناك نقطتان هامتان يجب التاكيد عليهما دائما في مثل هذه القضايا، وهما: أولا: هوية الجثة التي تم العثور عليها. وثانيا: سبب الوفاة. بالنسبة للنقطة الأولى نجد أن المحكمة قد خلصت إلى أن العظام الموجودة تخص الفتاة المفقودة وذلك كون رائيل شوهدت تلبس عقد من خرز مطابق للعقد الذي وجد بمكان الجثة. وثانيا أنه لا أحد بالمنطقة بُلغ عنه بانه مفقود بخلاف الفتاة رائيلي.
نقول إن الجمجمة والعظام التي عثر عليها لا يمكن لأي أحد أي كان أن يتعرف عليها، بل لا يمكن حتى أن يحدد هل هي لرجل أو امرأة. لقد كانت الجمجمة فارغة والعظام مبعثرة وبعضها مفقود. ولذلك يجوز ان تكون لرائيل ويجوز أن تكون لأي شخص آخر. أما عقد الخرز الأحمر الذي وجد مع العظام والذي قيل أنه هو نفسه الذي كانت رائيل تلبسه، فلا يشكل بينة قاطعة بأن العظام تخصها. لأن رائيل ليست الوحيدة التي تستعمل هذا السكسك أو الخرز بل نجده مستعملا لدى سائر فتيات المنطقة وربما فتيات المناطق الأخرى. فقد أفادت شاهدة الاتهام السادسة بالتحقيق القضائي، انها تستعمل نفس الخرز وبنفس اللون. كما أفادت شاهدة الاتهام الرابعة أنها لا تستطيع أن تقطع بأن العقد يخص رائيلي وذلك نسبة لتشابه خرز هذه العقود. أما شاهدة الاتهام الخامسة فأفادت بأن الوقت كان ظلاما ولا تستطيع التمييز ما إذا كانت رائيل تلبس نفس العقد أم لا. ولذلك نقول إنه يجوز أن يخص الخرز الفتاة المفقودة رائيلي كما يجوز ان تعود ملكيته لأي شخص آخر، ولكن لا شىء يمكن أن يثبت بأنه لرائيلي ولا لشخص آخر سواها.
أما القول إنه ما دام أن الفتاة رائيلي هي الوحيدة التي أُبلغ عن اختفائها بالمنطقة، وإنه لا شخص آخر أُعلن عن فقدانه غيرها، وبالتالي فإن العظام لا بد أن تعود إليها، فهذا أيضا استخلاص مشكوك فيه. صحيح أنه استخلاص منطقي، لكنه لا يستبعِد احتمالية ان تكون الفتاة لا تزال حية واحتمالية ان تكون العظام لشخص من نفس القرية لم يكتشف فقدانه بعد، أو لشخص غريب أو زائر أو على سفر. وعليه فإنه من الثابت جليا أن هوية الجثة التي عثر عليها لم يتم تأسيس التعرف عليها كواقعة مثبتة بالبينة، وان البينة المقدمة من أجل ذلك لا تعدو ان تثير الشكوك ولكنها لا تقطع الشك بالقين.
وهذا يقودنا إلى مناقشة النقطة الثانية، وهي سبب الوفاة. فإذا افترضنا أن العظام التي تم العثور عليها قد ثبت بالبينة أنها تعود للفتاة رائيلي، فهل هنالك أي بينة تثبت أنها قتلت؟
المساعد الطبي الذي فحص الجثة لم يستطع إثبات سبب الوفاة وذلك يعود إلى مضي الوقت وإلى تمزيق الوحوش والنسور للجثة. كذلك لم يتم العثور على آثار عنف حول الجثة أو وجود أي سلاح يشير على أنه استعمل اداة للقتل. لذا فإنه إذا كانت الفتاة حقا قد ماتت، فلا أحد يمكنه اثبات أن الوفاة كانت طبيعية أو أنها قتلت بواسطة شخص ما بطريقة ما. نخلص من ذلك أنه فيما يتعلق بسبب الوفاة، يتعذر القول بإنها جريمة قتل كما يتعذر القول إنه قتل شبه عمد.
إن كل البينة المطروحة أمام المحكمة، بينة ظرفية. وفي أي قضية من هذا النوع من قضايا، القتل يتعين توفر درجة أعلى من الوثوقية، حيث يجب أن يأتي تسلسل الأدلة والبينات متكاملا على نحو لا يترك أي أساس معقول يمكن أن يستخلص منه براءة المتهم. جاء بكتاب: Sarkar, On Evidence, 9th edition, p. 30.
"المبدأ الأساسي المطبق عالميا، إنه لكي يكون استخلاص إدانة المتهم في القضايا التي تعتمد على البينة الظرفية مبررا يجب: (1) ألا تتعارض البينة الظرفية مع براءة المتهم أو إدانة أي شخص آخر، ويجب ألا تكون قابلة لأي تفسير معقول آخر بخلاف إدانة المتهم، وإلا فإن الشك يجب أن يفسر لصالح المتهم. (2) ان تكون الظروف والقرائن التي يراد استنباط أي واقعة ضد المتهم منها، فوق كل شك معقول، وأن تكون مرتبطة ارتباطا وثيقا بالواقعة التي يراد استنباطها منها".
هذه هي المبادىء الأساسية والشروط التي يجب توفرها في البينة الظرفية. والآن دعونا ننظر ما إذا كانت البينات المقدمة لا تقود إلى إدانة أي شخص آخر سوى المتهم.
يقول عم المتهم، يسيفا ايدا، في شهادته، إنه رأى المتهم يصطحب الفتاة رائيلي في حوالي الساعة الثالثة صباحا إلى الاتجاه الذي وجد فيه عظام الجثة، وإن المتهم عاد من ذلك الاتجاه وهو قلقا وواجما. غير أن المتهم أنكر ذلك، كما زعم أنه لم يرى الفتاة أبدا في تلك الليلة. ولا أحد من الشهود الآخرين يؤيد شهادة عم المتهم تلك، بل على العكس، إن إفادات الشهود المقدمة تتعارض مع ما ذكره في هذا الخصوص ومع ما ذكره من أحداث أخرى في شهادته.
فقد ذكرت شاهدة الاتهام العاشرة بالمحكمة: "آخر مرة أرى فيها الفتاة رائيلي كانت في ليلة الرقص عندما ذهبنا الى بيت ماتيا لمشاهدة بوني التي كانت ثملة. ولكن صاحب البيت طردنا إلى الخارج غير أن رائيلي ظلت وراءنا بالمنزل".
وأفادت شاهدة الاتهام الرابعة بالتحقيق القضائي: "عندما كنا بمكان الحفل كانت بوني سكرى حتى الثمالة فأخذناها إلى بيت متيا وكانت معنا رائيلي ثم غادرنا وتركنا رائيلي وزوجة متيا داخل البيت ورجعنا إلى مكان الحفل. وفي الصباح ذهبتْ بيتا وأحضرت بوني من بيت متيا". أما بيتا شاهدة الاتهام بالمحكمة فقد ذكرت: "ذهبت إلى بيت متيا في ليلة الحفل وكانت رائيلي معنا، ذهبنا لمشاهدة بوني الثملة، ثم عدنا للحفل وتركنا رائيلي خلفنا ومنذ ذلك الوقت لم أرها".
كل هؤلاء الشهود أثبتوا أنهم آخر مرة رأوا فيها رائيلي عندما كانت ببيت متيا وأنها لم تعد إلى مكان الحفل أبدا. إن إفادات هؤلاء الشهود تتناقض مع إفادة الشاهد الوحيد الذي ذكر أنه رأى المتهم يصطحب الفتاة رائيلي ويغادر معها مكان الحفل في الساعة الثالثة صباحا يوم 29 يونيو.
هذا الشاهد الوحيد نفسه (يسيفا ايدا) كان قد ذكر أيضا ان المتهم عندما عاد في الساعة الخامسة صباحا كان يبدو عليه القلق على شىء ما إلى درجة أنه قد قدم إليه بعض المريسة فرفضها فقام بتقديمها الى حاجب زعيم القبيلة بدلا عن المتهم. غير أن الحاجب (شاهد الاتهام الحادي والعشرين بالتحقيق القضائي) لم يؤيد الشاهد فيما زعمه في هذا الخصوص، وأفاد أن المريسة قدمت إليه بواسطة متيا وأنه رفضها وأنكر أن يكون قد رأى المتهم بالحفل. إذن لا بد أن يكون أحدهما كاذبا.
وفوق ذلك إن هذا الشاهد نفسه (يسيفا ايدا) قد تحدث في التحقيق القضائي عن دافع المتهم قائلا: "إن قصد المتهم كان في البداية قتل جاستن لاسوبا، ولما لم يتمكن من القبض على جاستن قرر قتل رائيلي. إنه كان يريد قتل جاستن انتقاما لأنه يعتقد في قرارة نفسه أن ابنه الذي توفى قبل مدة قد جرى تسميمه من قبل أسرة جاستن. كما ان المتهم لديه عداوة مع اسرة رائيلي لأنه يعتقد أن والدته التي ماتت قبل فترة، قد جرى تسميمها هي الأخرى، بواسطة والد الفتاة رائيلي ولذا توجب عليه الانتقام".
فكيف تعرف هذا الشاهد على نية وعزم المتهم في الحالتين الأولى والثانية؟ لا بد أن يكون ذلك محض ظن وتخمين، وهذا مؤشر على ضآلة الوزن الذي يجب أن يعطى لشاهدته. ولما كانت شهادة هذا الشاهد تتناقض مع إفادات بقية الشهود، وحيث أن لا أحد منهم يؤيده فيما زعمه فإنه يصبح من المشكوك فيه القول إن المتهم هو آخر شخص شوهد مع الفتاة رائيلي.
هنالك واقعة أخرى قدمها الاتهام ضد المتهم وهي أنه قام بذبح شاة قبل يوم من اكتشاف الجثة. وقيل أن ذلك تقليد متبع عند قتل إنسان ما بواسطة الشخص الذي يقوم بذلك. غير أن المتهم أنكر ذلك وادعى أن أخيه هو الذي ذبح الشاة. ولا أحد شاهد المتهم يفعل ذلك بالفعل وأن أخيه قد أفاد في شهادته أن لديه كبش طاعن في السن قد قام بذبحه. ولكنه لم يحدد تاريخا لذلك وقد سجلت المحكمة ملاحظة أنه ليس له معرفة جيدة بالتواريخ. وعليه إن الشاة التي يقال إنها قد ذبحت بواسطة أخ المتهم قد تكون ذبحت لغرض آخر لا يريد الكشف عنه مثل أن يكون قد اتصل بزوجة شقيقه جنسيا كما تقتضي العادة هنالك. وحتى على فرض أن شاةً قد ذبحت في ذلك اليوم، فهذا يؤدي فقط لإثارة الشكوك ولا يرقى إلى إثبات إدانة المتهم.
الشىء نفسه يمكن أن يقال عن ضرب المتهم رأسه بالحائط وسؤاله والد الفتاة عن اختفائها وعن باعثه المزعوم للقتل، فكل ذلك لا يثبت شيئا بل يثير الشكوك فقط. وحتى على فرض أن رائيلي قد قُتلتْ حقا وأن العظام التي عثر عليها هي عظامها، فسوف تظل هنالك قرائن تشير إلى أشخاص آخرين بخلاف المتهم. فقد أفاد عدد من الشوهد أن رائيلي شوهدت آخر مرة بمنزل ماتيا وأنها لم تعد لمكان الحفل مرة أخرى. ولكن ماتيا نفسه أنكر رؤيتها مما يزيد من إثارة الشكوك حوله هو نفسه. فربما يكون هو نفسه قد قتل رائيلي أو ربما قتلها أي شخص آخر بالبيت. أو ربما قتلها المتهم الثاني لادو (افرج عنه في التحقيق القضائي) والذي أدلى بإفادات كاذبة فيما يتعلق بمجيئه إلى مكان الحفل وأسباب زيارته لمنزل والدته.
إن البيّنات المقدمة تؤدي إلى الاحتمالات ولكنها لا تؤدي إلى اليقين وقطع الشك. وبما أن هذه الاحتمالات يمكن أن يستنبط منها إدانة المتهم إلى جانب احتمال إدانة آخرين، فإن الشك يصبح جليا وهذا الشك يجب أن يفسر لصالح المتهم. أما فشل المتهم في تفسير بعض الأدلة المقدمة ضده، فهذا لا يعد دليلا قاطعا على ارتكابه للجريمة. "إن قرائن الأحوال والظروف التي من شأنها أن تثير شكاً قوياً ولكن من غير أن يصاحبها دليل قاطع، لا تبرر وحدها الإدانة حتى لو فشل المتهم في تقديم تفسير معقول لهذه البينات. ففي القضايا التي تعتمد إلى حد كبير على البينة الظرفية، هنالك دائما خطر من أن يحل الظن والتخمين محل الدليل القانوني". – Sarkar, on Evidence, 9th edition, p. 30.
لذا ولكل ما تقدم من أسباب، أوصي بأن يطلق سراح المتهم". انتهى.
الحكم النهائي:
في 17 ديسمبر 1959 نظر محمد أحمد أبورنّات، رئيس القضاء، آنذاك، والقاضي الذي أقل أن يجود الزمان بمثله، القضية وأصدر القرار الآتي:
"أوافق بأن البينات والأدلة المقدمة بقتل المتهم الفتاة رائيلي، تشوبها الشكوك. لذلك أرفض تأييد قرار الإدانة بالقتل وامر بأن يطلق سراح المتهم، يويلي لويا، فورا". انتهى.
abusara21@gmail.com