في قضية الولاة

 


 

 


بسم الله الرحمن الرحيم

 

umsalsadig@gmail.com

 

كنا قد ذكرنا في مقال الأسبوع الماضي كيف أدى غياب المنهج إلى تعقيد وتأخير تحقيق السلام الذي أولي اهتماما كبيرا مستحقا من قبل الجميع وقد أفردت له الوثيقة الدستورية فصلا كاملا وبدأت مخاطبته بمجرد سقوط النظام المباد، حتى من قبل تكوين الحكومة الانتقالية المدنية.

نتناول اليوم، قضية تعيين الولاة التي غاب عنها المنهج أيضا لكن نقصها الاهتمام اللازم ففي الوثيقة الدستورية مثلا النص الوارد فيها بخصوص تعيين الولاة مقتضب جدا أقل من سطرين ومذكور من ضمن مهام مجلس السيادة الفقرة ج من البند 1 التي تقرأ: اعتماد حكام الأقاليم أو ولاة الولايات وفق ما يكون عليه الحال بعد تعيينهم من رئيس مجلس الوزراء بينما لم تذكر تلك المهمة في اختصاصات رئيس الوزراء! كما وردت اشارة أخرى قصيرة في الفصل الثالث ضمن (أجهزة الفترة الانتقالية :مستويات الحكم) في الفقرة ب البند 1: المستوى الاقليمي أو الولائي ويمارس سلطاته على مستوى الأقاليم أو الولايات وفق ما يقرر لاحقا.

ثم تمت الاشارة الى تعيين الولاة في مصفوفة مهام المرحلة الانتقالية العاجلة التي أجازتها مكونات السلطة الانتقالية الثلاثة (السيادة،الوزراء،الحرية والغيير في اجتماع جمع الأطراف الثلاثة أن الوثيقة ملزمة لأطرافها) في يناير 2020، وقد ورد في المصفوفة أن يكون تعيين ولاة مكلفين لحين التوصل لترتيبات السلام النهائية بواسطة رئيس الوزراء،والحرية والتغيير والسيادي في 11 ابريل 2020 تتم متابعتها ومراقبتها وتقييمها من آلية مشتركة من المكونات الثلاثة.

ادى ذلك الاهمال والابهام في قضية تعيين الولاة لتأخير تسميتهم الشيء الذي ترتبت عليه الكثير من المعوقات لعمل الحكومة الانتقالية. وما وقع من فتن واقتتال شرقا وغربا كان انعكاسا مباشرا لذلك التأخير. حيث تركت الولايات كل هذه المدة منذ سقوط نظام الانقاذ المباد نهبا لمخططات أنصاره الشريرة. ما يدور في الولايات يلقي بظلاله على أركان الدولة كلها وبالطبع على المركز لدرجة أصبح فيها الأمر من تحديات ومهددات الانتقالية ، وما يرد من أخبار الولايات يؤكد أن الحال فيها لا يشي بتغيير أبدا، وما زالت أياد النظام المباد تدير الأمر جهارا في الولايات.

أعلن السيد رئيس الوزراء في مؤتمر صحفي عقد يوم 22 يوليو الماضي تسمية الولاة على 18 ولاية سودانية ومع كامل الترحيب بالخطوة التي طال انتظارها وهو استحقاق واجب لكل ما ذكرنا أعلاه لكنه للأسف أتى محملا ببذور المشاكل وبغياب المنهج السليم.

كان لاعلان الولاة ردود أفعال فقد اندلعت احتجاجات جماهيرية رافضة لبعضهم منها ما هو على أسس أثنية أو نوعية للأسف.

من الروافض تجمع المهنيين (الجدد) الذي رفض التعينات على أسس المحاصصات الحزبية ومضى أكثر بانسحابه من الحرية والتغيير والمضي قدما في تكوين تحالف جديد مع الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة القائد عبد العزيز الحلو.

من التحفظات كذلك، ما أبداه حزب الأمة في مؤتمره الصحفي الذي عقد صبيحة اعلان التعيينات في يوم 23 يوليو 2020 وقد كان تحفظ حزب الأمة على تعيين الولاة قبل اصدار قانون الحكم المحلي الذي يحدد صلاحياتهم ويسمي مهامهم وينظم ويوضح الكيفية التي يجب أن يدار بها حكم الولايات.ما وصفه الحبيب رئيس الحزب في حواره مع السوداني (أن الولاة بسبب ذلك سيجدوا حصان بلا سرج ولا لجام) ..

كما حذر المؤتمر من الخطورة الأمنية المحتملة من تجاوز تصنيف 7 ولايات كولايات هشاشة أمنية يجب ابعادها من المحاصصات الحزبية على أن يعين فيها ولاة عسكريون أو شرطيون سابقون مع ضمان حيدتهم. وأيضا ابعاد الخرطوم من المحاصصات الحزبية لضرورة و ضمان قوميتها.(كان وفدا من حزب الأمة بقيادة الفريق صديق قد قابل السيد رئيس الوزراء واتفق معه على هذه الأشياء).

التحفظ الآخر أن بعض الأسماء المعلنة لم تكن من ترشيحات الحزب.

اعتبر الحزب أن اعلان رئيس الوزراء كان مستعجلا ومباغتا ودون ترتيبات تخفف من المشاكل التي قد يجابها الولاة. لذلك طالب عضويته من الولاة بالانسحاب من الحكومة أو الاستمرار بأسمائهم.

المراقب لتلك التطورات يلحظ أن جل التعقيدات أتت من غياب المنهج وكذلك غياب الشفافية والتأخير ثم المباغتة التي تم بها الأمر.

وداخل حزب الأمة لم تكن التسميات سهلة لحزب جماهيري انقطعت عنه رئة الحريات ٣٠ عاما حسوما.

كلها أخطاء ومشاكل لكن يجب ألا تكون قاتلة فتلك ميزة الديمقراطية- تصحيج نفسها بنفسها.

لتخفيف آثار هذه الأزمة أعتقد على السيد رئيس الوزراء وحكومته أن يسارعوا باصدار قانون الحكم المحلي حتى يتمكن الولاة المعينون من الحكم.

كما عليه أن يعيد النظر فورا في الولاة الذين رفضوا من قبل جماهير ولاياتهم خاصة اذا كان الرفض طيفه واسع .

المطلوب من حزب الأمة كالعهد به اتباع الحكمة، والتأكيد على ان الانتقالية لن تؤتى من قبلنا، فمثلما أن الانضباط التنظيمي واجب على العضوية لكن مراعاة الملابسات التي تم بها التعيين ومباغتته التي قللت مساحة التشاور فيه داخليا لابد من وضعها في الحسبان كما وانه حسب الوثيقة الدستورية المجال مجال رئيس الوزراء للاختيار - وغني عن الذكر ان استشارة الاحزاب في من يمثلها تعطي فرصة اكبر للنجاح، اضافة لكون الموقف صار أكثر تعقيدا بخروجه الى جماهير صارت هي صاحبة القرار في استمرار الولاة في مناصبهم .

المطلوب من الأحباب الولاة المعينون التعامل مع الأمر بالحساسية اللازمة وادراك أن شروط حزبهم هي في الأساس لاستعدال المنهج حتى تمضي بنا سفينة الانتقالية بسلاسة لبر الانتخابات و الديمقراطية كما نقول لهم - ولجميع الولاة من أبناء الوطن: (مرقنا خيارنا يستروا حالهم ويستروا حالنا) ومطلوب منم التفوق على أنفسهم.

وسلمتم

 

آراء