في نقد حكومة ثورة ديسمبر الحالية (2)

 


 

د. عمر بادي
5 April, 2020

 


عمود : محور اللقيا

مقدمة وجب تكرارها :
حرية , سلام و عدالة , و الرصد قرار الشعب ! نحن من خضنا غمار التظاهرات و المواكب و استنشقنا ( البمبان ) و فلتنا من مطاردات الأمنجية و وقعنا في قبضتهم أحيانا , منذ الربيع العربي و إلى الربيع السوداني ! نحن من رفعنا درجة الوعي و اضأنا الطريق للتنظيمات الشبابية التي كانت تتلمس طريقها بين مطرقة الأمن و سندان الأحزاب التقليدية و كتبنا في الصحف الورقية و الإلكترونية عن رص الصفوف و خطوات التنظيم , و صمدنا في ساحة الإعتصام منذ اليوم الأول و كتبنا المدونات التي اصبحت توثيقا للثورة إلى أن نزلت علينا طامة مؤامرة فض الإعتصام . دارت دورة الأحداث حتى تكونت حكومة الثورة التي لم تلتزم فيها قوى الحرية و التغيير بمعاييرها الثلاثة في ترشيح الوزراء و هي الكفاءة و الخبرة و الوطنية , و لم يلتزم السيد رئيس الوزراء بشرطه الأساسي في ان يختار هو وزيرا من كل ثلاثة ترشحهم له قحت لكل وزارة و إن لم يجد بينهم من يراه مناسبا أعاد لهم القائمة ليرشحوا له آخرين و لكن ما حدث أنه إختار أحيانا من هم خارج ترشيحات قحت و إستمر ذلك المنحى في ملئه للوظائف العليا ! الغريب قبل القريب يؤكد علي ضعف وزراء هذه الحكومة و علي تراخيهم و تباطؤهم في أعمالهم و في إتخاذ القرارات , ربما لهم أسبابهم في ذلك و لكن فلنتمثل بقول المتنبي :
و لم أر في عيوب الناس شيئا كنقص القادرين علي التمام
لقد تواضعت معظم مكونات قوى الحرية و التغيير , التي دب بينها بعض من خلاف لا يرومونه أن يصل إلي السطح , لقد تواضعت علي الإستمرار في دعم حكومة الثورة بصفتهم الحاضنة السياسية لها و تقع عليهم مراقبتها و نقدها و تقويمها و هكذا صار هذا ديدننا كلنا . أنا أتحدث بصفتي من الوطنيين الحادبين علي نجاح الثورة و الباذلين نفوسهم من اجلها و من أجل هدفيها الأسمىيين و هما رفع المعاناة عن المواطنين و رفعة الوطن , و الشباب في لجان المقاومة و لجان الأحياء هم كتيبة الصدام الأولى في التصدي لأي إنحراف عن أهداف ثورة ديسمبر المجيدة و هم حقا حرّاس الترس ! نسبة للمواضيع الشائكة التي أود الكتابة فيها فسوف تكون مقالاتي متسلسلة أتطرق في كل مقالة لقضية منفصلة , فلنبدأ بإسم الله تعالى ...
2 – التمكين في قطاع الكهرباء و أساليبه لتحقيق أجندته :
لقد وعدت القارئ الكريم في مقالتي السابقة أن أروي له عن تجربتي مع المتمكنين المتاسلمين في قطاع الكهرباء , فمنذ إنقلاب 30 يونيو 1989 و من أجل ترسيخ دعائم حكم الأخوان المسلمين الممثلين سياسيا تحت حاضنتهم الحزبية الجبهة القومية الإسلامية و الذين تستروا خلف المؤتمر الوطني ثم جمعوا عليهم المتوالين من بعض المعارضين و صاروا كلهم معروفين بالإنقاذيين . الهيئة القومية للكهرباء في ذلك الوقت كانت ذات إرث إداري يتصف بالصرامة في إتباع اللوائح و التعليمات كما في الأنظمة العسكرية , فإن تاريخ شركة النور أيام الإستعمار الإنجليزي كان فنيوها من جنود الجيش الإنجليزي الذين يسكنون في (البراكس) ليس بعيدا عن محطة توليد كهرباء بري و نفس البراكس , التي تعني المساكن العسكرية , هي التي أُتبعت لمساكن طلبة جامعة الخرطوم و معروفة بإسمها حتى اليوم , لذلك صارت الصرامة إرثا في إتباع اللوائح و التعليمات , و هكذا إستمر الحال في الإدارة المركزية للكهرباء و المياه بعد الإستقلال كما كان عند مديرها العام قلندر في الستينات .
إستمرت إدارة قطاع الكهرباء في صرامتها حتى وصولنا لعهد الإنقاذ فسعوا في تمكين جماعتهم فأتوا بدكتور محمود شريف من جامعة الجزيرة و قد كان يعمل قبلها في الهيئة القومية للكهرباء و المياه التي إبتعث منها للدراسات العليا في بريطانيا و بذلك تم تعيينه مديرا عاما و رئيسا لمجلس الإدارة , لكن نسبة لشمول نظرة الدكتور محمود شريف فقد كان لا يفرق في تعامله بين العاملين و كان يجلس معهم و يتفقدهم و يحفزهم و نسبة لتقيده باللوائح فقد رفض التوقيع علي أول كشف للإحالات للصالح العام كان به حوالي مئة و أربعين من شاغلي الوظائف العليا و الأخرى و به مجموعة من الأقباط العاملين في الهيئة كالدكتور مهندس جون جندي مدير التخطيط و المهندس صبحي ميخائيل مدير المشاريع فتمت إقالة الدكتور محمود شريف و تعيين المهندس أمين باشري مديرا عاما في مكانه فوقع بدوره علي ذلك الكشف و علي كشف تلاه . المهندس أمين باشري كان يسكن مع محمود شريف و علي عثمان محمد طه في غرفة واحدة في داخليات البركس في جامعة الخرطوم , و عند تخرجه عمل مهندسا في الهيئة القومية للكهرباء و المياه ثم إغترب في المملكة العربية السعودية في ابها ثم عاد للهيئة القومية للكهرباء بعد ان صار الدكتور محمود شريف مديرا لها فوضعه في لجنة للتخطيط لمشاريع الكهرباء كان بها خبراء أجانب . بعد أن وقع المهندس أمين باشري علي كشفي الإحالات للصالح العام و بعد فترة ليست بالطويلة تمت إقالته و تعيين المهندس صالح عبد الغني مديرا عاما للهيئة .
لقد كان المهندس صالح عبد الغني قبل ذلك مديرا لمحطة توليد كهرباء بحري الحرارية و حل محله المهندس إبراهيم فضل و لكن لم يفلح المهندس صالح عبد الغني كمدير عام للهيئة في إتباع الأساليب المطلوبة منه في التصريحات للإعلام و في إدارة القطاع فتمت تنحيته و تعيين المهندس مكاوي محمد عوض مديرا عاما للهيئة و تعيين زميلي مكاوي و صديقيه المهندس خالد علي خالد مديرا لقسم المياه ثم مديرا عاما لهيئة مياه الخرطوم و المهندس محمد يوسف مديرا لقسم الإمدادات و المشتروات , ثم تعيين المهندس عثمان عبد الكريم مديرا لمنطقة الخرطوم منقولا من كهرباء خزان الروصيرص و المهندس محمد أحمد الدخيري مديرا لقسم نقل الكهرباء و المهندس عادل علي إبراهيم مديرا لقسم توزيع الكهرباء . بعد ذلك و بعد منتصف التسعينات إكتمل التمكين في كل الأقسام , و في عام 2010 بعد حل الهيئة القومية للكهرباء و تحويلها إلي وزارة الكهرباء و السدود تحول التمكين إلي جماعة أسامة عبد الله ثم جماعة معتز موسى كما ذكرت في مقالتي السابقة و صار أمرا واقعا محتكرا لقطاع الكهرباء و بذلك صارت كل شركات الكهرباء الأربع يديرها المتمكنون و كذا صار الحال في الصفوف الأولى من الوظائف العليا و في ما يليها من الصفوف الثانية و الثالثة . أنا الآن أكتب من الذاكرة فارجو المعذرة إذا لم افلح في طرح كل الأسماء .
تجربتي المؤلمة مع وزارة الطاقة و التعدين التي وعدت القراء الكرام في مقالتي السابقة أن ارويها لهم تتمثل في مقولتنا ( تعمل خيرا شرا تلقى) , فقد مددت جسر التعاون مع السيد وزير الطاقة و التعدين بعد ان أعطته قحت رقم هاتفي و اعطتني رقم هاتفه علي أن نتهاتف في ما يخص الكهرباء بحكم أنني سوف أكون من طاقمه كوزير دولة للكهرباء أو وكيل وزارة لها و بحكم أن الوزير يحتاج لمن يطلعه علي مشاكل الكهرباء التي هي بعيدة عنه , و قد كان أن تناقشنا أكثر من مرة في أمور الكهرباء . في بداية يناير الماضي نما إلي علمي أن شركة المانية قد قدمت للوزارة عرضا في منتصف ديسمبر لمحطة توليد للكهرباء عبارة عن أربعة توربينات غازية نوع براون بوفري بطاقة توليدية تعادل 4 × 63 = 252 ميغاواط و هي محطة تعمل في حالة الطوارئ لمحطة كهرباء نووية و تعمل بزيت الوقود الخفيف و بالغاز و بكفاءة 27% و المطلوب من الوزارة إما شراء المحطة بمبلغ زهيد يعادل 45 مليون يورو أو السماح للشركة الألمانية أن تقوم بتركيبها و تشغيلها بنظام البوت ( BOT ) و تبيع كهربتها للوزارة بالتفاوض علي سعر الكيلواط ساعة و لمدة 15 عاما يتم بعدها تسليم المحطة بحالة جيدة للوزارة , و وجدت العرض جيدا و لكن مدة صلاحيته شهر فقط و لا بد من الإسراع في الرد بالقبول عليه .
عندما لم أتمكن من مهاتفة السيد الوزير ذهبت لمقابلته في مكتبه في بناية المعادن و بوجود مدير مكاتبه تناقشت معه في أمر عرض المحطة و كان رده أن ليس له علم بذلك و ربما قد تم تحويل أوراق العرض إلي بناية الكهرباء , و سالني عن رأيي فأبديته له و اشار أن أرسله له كتابة بواسطة مدير مكاتبه الذي أعطاني بدوره هاتفه الذي به الواتساب الخاص به . جلست لمدة يومين أدرس في العرض المقدم و أكتب في شرحه و عمل التوصيات المطلوبة و أرسلت ذلك علي واتساب السيد مدير مكاتب الوزير بتاريخ 07 يناير و أبنت أن التوربينات الغازية لم تعمل كثيرا منذ تركيبها و بناء علي جهاز تسجيل ساعات العمل فمتوسط مدة عمل كل توربينة لا تتعدى السبعة أشهر , و أن نظام التحكم المركزي قد تم تحديثه بنظام سيمنز , و أن الصيانات التحوطية و الموسمية و العمرات معمول بها , و يمكن الذهاب لمعاينة المحطة بناء علي عرضهم و الإستعانة بطرف ثالث , مع التأكيد علي توفر قطع الغيار , و عمل إختبارات الكفاءة التشغيلية عند تركيب المحطة . بتاريخ 08 يناير أرسلت خطاب آخر بواتساب مدير مكاتب الوزير أبنت فيه أن نأخذ بنظام البوت لأنهم في هذه الحالة سوف يتكفلون بأعباء كل شئ بما فيه صيانة اي أعطال تحدث و في ذلك ضمان لجودة الماكينات . أما عن سعرهم للكيلواط ساعة المولدة من محطتهم فتكون عن طريق حساب تكلفة الكيلواط ساعة بعد معرفة التكلفة الثابتة و المتغيرة لمدة معينة كشهر مثلا و تتم قسمة ذلك علي كمية الكيلواط ساعة المولدة في نفس الشهر , و أن السعر المطلوب لمحطة الكهرباء قليل جدا لأنه عادة يتم تقدير سعر المحطة بإعتبار أن سعر الميغاواط الواحد هو مليون دولار . أخيرا إقترحت في حالة عمل المحطة بالغاز أن يتم تركيبها في قري قرب المصفاة و في حالة عملها بوقود الزيت الخفيف أن يتم تركيبها في بورتسودان لتغطي دور المحطة التركية العائمة و يستفاد من حرارة مداخن التوربينات الغازية في تحلية مياه البحر لإنتاج مياه صالحة للمدينة .
بعد ذلك و لمدة شهر لم اتمكن من مقابلة السيد الوزير لمناقشته في ما كتبته له بسبب مدير مكاتبه و عندما أوشكت أيام العرض علي الإنتهاء ذهبت لمقابلة السيد الوزير في بنايات البترول و لم أجده فتحدثت مع مستشاره الذي إستمع جيدا لشرحي و وعدني أن يتحدث مع السيد الوزير عند عودته لكتابة خطاب الموافقة . بعد ذلك بيومين عندما حضر الوكلاء المحليون للشركة الألمانية لمقابلة الوزير قال لهم أنه ليس له علم بهذا العرض و لا يعرف شيئا عنه و تبين أن مدير مكاتبه لم يعطيه الخطابات التي أرسلتها علي الواتساب الخاص به و ان مستشاره لم يخطره أيضا بحديثي معه كما وعدني ! لقد قام وكلاء الشركة الألمانية بطرح ما حدث للإعلام في الصحف و في القنوات الفضائية , و فضلت أنا أن أكتب ما حدث في هذا الأمر لقحت , و لا حول و لا قوة إلا بالله , و القومة للسودان .

د. عمر محمد صالح بادي
دكتوراة في الهندسة الميكانيكية ( قوى )
مهندس مستشار و كاتب صحفي حائز على القيد الصحفي

badayomar@yahoo.com

 

آراء