في هذه الفوضى أبحثوا عن المستفيد

 


 

 

حتى لو سلمنا بأن أعمال العنف التي اشتدت نيرانها اشتعالاً في شرق السودان وغربه هي مجرد إنفلاتات أمنية، أو حتى لو افترضنا عبارة عن احتجاجات شعبية من قطاعات لها مظلوماياتها الحقيقية والمبررة، أو المفتعلة. فإن الذي ينبغي أن تتوجه إليه أنظار القيادة السياسية للدولة هو: هل هناك مظالم حقيقية عليها معالجتها بما تملك من تفويض دستوري وآليات تنفيذية، أم أنها قضايا مفتعلة القصد منها زعزعة الاستقرار لتحقيق أهداف خاصة، وبالتالي فإنها وحفاظاً على أمن الدولة وهيبتها ينبغي أن تضرب بيد من حديد وبلا هوادة عناصر هذه الفتنة والفوضى التي تهدد استقرار الدولة، لردع كل من يستهدف الأمن وسلامة المواطنين واستقرار الدولة.

(2)
إلا أن ما نشاهده الآن من تهاون إزاء ما ترتكبه هذه الجماعات، وهي معروفة للعامة قبل الجهات الأمنية، يؤكد حقيقتان لا تنتطح عنزتان عليها. أولهما أن هناك جهات في الدولة "تشجع" ، نعم أقول تشجع هذه الأعمال. إما بلامبالاتها وغض الطرف عنها. وإما بتحريضها، مباشرة أو لا مباشرة. فليس من المعقول أن تمتلك هذه الجهات قنابل وأسلحة ثقيلة وخفيفة، وتمتلك الجرأة لاستخدامها نهاراً جهاراً في قلب المدن والأسواق ودور الرياضة، مع وجود هذه الجيوش الجرارة من الجيش والدعم السريع والشرطة وجهاز الأمن والاستخبارات، داخل مدن السودان شرقها وغربها !.
هذه الدبابات والعربات رباعية الدفع بمدافعها الثقيلة والحشود الكبيرة من الجنود متنوعي الخوذات والوان القبعات الذين يجوبون شوارع العاصمة ويحتشدون أمام بوابة القيادة ما هو الخطر الذي تترصده في شوارع الخرطوم وعلى القيادة العامة، بينما المليشيات المسلحة بمختلف أنواع الأسلحة تروع المدنيين في شرق السودان وجنوب كردفان ؟!.

(3)
وعندما "يقطع" مواطن مدني، أياً كانت هويته القبلية، لا صفة رسمية له طريق هو بمثابة الشرين التجاري اسمه، ثم تتناقل وسائل الإعلام تصريحاً له بأنه "سمح بمرور المركبات المتكدسة في الطريق بسبب إغلاق العقبة حتى صباح الأربعاء، وأن إن إغلاق الطريق سيستأنف اعتباراً من أمس الأربعاء إلى حين الاستجابة لمطالبه بتنفيذ مقررات مؤتمر سنكات ورفضه مسار الشرق. ويدعو إلى تشكيل مجلس عسكري ومجلس وزارة من كفاءات إلى حين قيام الانتخابات أو الدعوة لانتخابات مبكرة". ثم يؤكد في ختام تصريحه تأييده للثورة من يومها الأول وعدم معارضته الحكومة الانتقالية او تفكيك تمكين النظام السابق"(1). فإن هذا عبث بالدولة واستهتار لم نشهده في أي دولة من الدول التي تتذيل قائمة الفشل. وهذه "مسخرة" لا تليق بالسودان، وتغري الدول الأخرى تستهين به وبنا. فعلى رقبة من نعلق هذا التخاذل والاستخذاء واللامسؤولية في ممارسة السلطة ؟.

(4)
البرهان وهو رأس الدولة والقائد الأعلى للقوات المسلحة. ثم ولزيادة الخير، هو أيضاً القائد العام، وهو الذي يعيِّن وزير الدفاع ووزير الداخلية، ونائبه حميدتي هو قائد قوات الدعم السريع. وهما بعد ذلك من استأثرا بالتفاوض مع الحركات المسلحة ووقعا معها اتفاقية "سلام ما".
وهذا يعني أنهما وضعا أيديهما على ملف الأمن كله. ورغم ذلك ما انفكا في كل مناسبة يحضرانها لا يكفان عن التشكي من فشل الحكومة في كل الملفات، بما فيها ملف الأمن، ومن التحريض على القوات المسلحة. في حين أن ملف الأمن ومؤسساته كلها تحت إبطيهما.

(5)
حسناً.
إذا كان الأمن ومسؤولياته وكل أجهزته ومؤسساته وآلياته تحت يديهما إذن من يُسأل عن عدم الاستقرار والفوضى المسلحة والتفلتات الأمنية غيرهما ؟.
هذا السؤال يعيدنا إلى السؤال الذي جعلناه عنواناً: من المستفيد؟.
ما من شك في أن الإسلامويون والمستفيدون من نظام الكيزان هم أول من تتجه أصابع الاتهام إليهم، ولكنهم، مهما بلغت إمكانياتهم وتغلغلهم في مفاصل سلطة القرار في الجهاز التنفيذي لا يمكنهم في تحريك فوضى بهذا الحجم الذي نشهده. ما لم يكن لهم وجود مؤثر في مراكز القرار بالمكون العسكري والمؤسسات الأمنية ضامن وحامٍ، إن لم نقل محرض وداعم.
وما يدعم هذا الاحتمال أن رغبة المكون العسكري الذي تقف خلفه لجنة البشير الأمنية لم يعد يخفي رغبته وسعيه المحموم للانفراد بالسلطة والحكم، سواء عن طريق الفوضى الأمنية التي تبرر رغبته أو نواياه الانقلابية. أو بتجريفه مساحات الفضاء التنفيذي واحتلالها شيئاٍ فشيئاً.
وإذا كان للإنسان من نصيحة يسديها للحالمين بينهم، فهي أن يتجنبوا هذا الخيار لأنهم أول المتضررين منه.
هوامش
(1) موقع صحيفة سودانايل الإلكترونية، بتاريخ 8 يوليو، 2021.

izzeddin9@gmail.com

 

آراء