في يوم المرأة العالمي، الكاشف و”أحلى يوم المهرجان”: هل هو مهرجان الاتحاد النسائي في الخمسينات؟

 


 

 

عبد الله علي إبراهيم

(لا أكف عن استعادة هذه الكلمة كلما حل فينا يوم المرأة العالمي ليرى الجيل عن كثب من جعلوا كل هذا ممكناً)

كثيراً ما تساءلت إن كان "يوم المهرجان" المقصود في أغنية عبقريّنا إبراهيم الكاشف والسر قدور هو مهرجان الاتحاد النسائي الذي كان ينعقد مرة في كل عام في الخمسينات. يقول نص الأغنية:
لقيتك وهويتك وانت وريتني الحنان
الحنان في أحلى نظرة
في ابتسامتك في خيالي أحلى ذكرى
والإشارة نظرة عابرة
شفت حبك كنت خايف كنت قايل
الجميع عارفين محبك
والعيون راصداني لمن أبقى جنبك
بنبقى ذكرى
انت فيها
قلبي وفيها قلبك
فيها يوم المهرجان
أحلى يوم: المهرجان
أحلى من عمر الزمان
ما أوحى لي بالسؤال كلمة راح عليّ اسم قائلها الآن عن أن مهرجان الاتحاد النسائي كان، ولأنه مما استقوت به المرأة، مناسبة للقاء النساء بالرجال وتكحيل العين بمشاهد الجمال البشري. وقد عزت تلك المواضع في مجتمعنا قبل تحرر المرأة بعد ثورة أكتوبر حتى كانت مناسبة الأفراح، المثالية لهذا الغرض، "قوانتانمو" يكاد يستأصل النظر والنظر المضاد فيها. ولذا كان الغزل نظراً من الأعالي مثل قول الكاشف نفسه "بطير بفوق بغرب السوق" طمعاً في رؤية الحبيبة.
وسبق خروج المرأة ل"يوم المهرجان" خروجها لموضعين آخرين في بيئة الحجاب المطلق، قوانتانمو. وهما إما في "يوم الزيارة" أو "بيت الخياطة" ويوم الزيارة هو يوم مُضطَر لعيادة مريض. وهنا يعطل المجتمع حذره المدجج لبرهة فينقدح الشرار البشري ويهنأ البصر الصدئ:
نظرة منو ونظرة مني
وارتفعت الحرارة
والتهبت العواطف
واصل النار شرارة
وخلد ذلك اليوم الكاشف أيضاً. أما الموضع الأخر فهو "بيت الخياطة" وهي مدارس لتعليم الخياطة والمنسج. وقالت السيدة محاسن عبد العال في كتاب لها عن المرأة باللغة الإنجليزية إنه وُجدت مدرستان للخياطة واحدة في أم درمان أنشأتها مدينة عبد الله وأخرى في بري أشرفت عليها عاشة إبراهيم. وكلاهما من خريجات كلية المعلمات بأم درمان. وأعجبني أنها قالت عن "بيت الخياطة" إنه برر لخروج المرأة وتلقي عبارة غزلة في الطريق أو نظرة. وبدا لي ذلك من حقها علينا كلما رأيت منقبة ترفل في أثوابها الكثر. فأقول في نفسي: ما الذي تخفيه عنا. ربما الكثير المثير الخطر؟"
ولكن لربما كان "يوم المهرجان" يوماً من أيام وهم الكاشف بلقاء الأحبة وهي مجرد اضغاث. فهو الشادي برحلة لا واقعية يختلي فيها بالمحبوبة حتى "بين طيات السحاب". ومنها "قوماك ننفرد على مقرن النيلين" و "تحت فيحاء الخميلة" و "داخل روضة" وغيرها كثير. وذاعت الرحلة المختلسة أو المتوهمة في غناء ذلك الزمان. فخذ عندك "على النجيلة جلسنا" وتلك التي لعثمان الشفيع" "البان جديد". ولكن واسطة عقدها كلها هي "الجمعة في شمبات". وأنا لا أعتقد أن هناك من صور اعتزال المعاقل "القونتنامية" الاجتماعية مثل الكاشف في مثل قوله:
كل زول مفتون بى زولو
عيون لي عيون محاربة
وشفاه لشفاه مقاربة
وزى ما الناس يقولوا
خليهم يقولوا
حلات الجمعة يومها
وحلو شمبات مقيلها
من فوق خفق لحني موسيقي لا حول ولا قوة إلا بالله. ولربما سمع الأستاذ محمود محمد طه هذه الأغنية للكاشف، تحديداً من الكاشف، فقال لطلابه إن للرجل ديناً على كل سوداني وسودانية. وأخذهم لزيارته في بيته. وقد سبقه إلى سكة اتحاد العشق الإلهي والبشري المروي عن الشيخ الفاتح قريب الله حين سمع كرومة يصدح ولهاً في ليل أم درمان:
يا ليل ابقالي شاهد
على نار شوقي وجنوني يا ليل
فاستدعاه من حفله ليغنيها وليشجيه به على وجهها العرفاني.
هل كان يوم المهرجان، أحلى من عمر الزمان، هو مهرجان الاتحاد النسائي؟

ابراهيم الكاشف | المهرجان (youtube.com)

IbrahimA@missouri.edu

 

آراء