قانون التفكيك مرة أخرى

 


 

 

 

وصلتني عدة تعليقات بعضها يؤيد وبعضها يستنكر رأيي حول قانون التفكيك، ويبدو أن الموضوع يشوبه تعقيد يحتاج للمزيد من التوضيح :-

دعونا في البداية ان نتفق علي أن مرجعية هذا النقاش هي الوثيقة الدستورية وقانون التفكيك لسنة 2019 وتعديل 2020 ...عليه :-
? بموجب المادة 4 - 2019 تم حل حزب المؤتمر الوطني وواجهاته واسترداد ممتلكاته، هذا نص لا اختلاف حوله.
? المادة 7/أ - 2019 تعطي اللجنة حق حل أي جهاز حكومي حزبي، هذا نص لا اختلاف حوله.
? المادة 7/ب - 2019 تعطي اللجنة حق حل أي منظمة أو جمعية أو نقابة أو اتحاد مهني أو طلابي أو أي مؤسسة أو.... أو أي أذرع حزبية أو أمنية او... وإنهاء خدمة منسوبيها وتحديد طريقة التصرف في أموالها. هذا نص لا اختلاف حوله.
? المادة 7/ ج - 2019 تعطي اللجنة حق حل النقابات ومجالس إدارتها أو لجانها أو.... أو اتحادات أصحاب العمل أو.. وأي نقابات فئوية..الخ. وهذا نص لا اختلاف حوله.
? المادة 7/ د - 2019 تعطي اللجنة حق التوصية لدى الجهات المختصة بإنهاء خدمة اي شخص في أي جهاز حكومي.. حصل على الوظيفة بسبب التمكين أو... الخ. وهذا نص لا اختلاف حوله.
? المادة 7/ ه - 2019 تعطي اللجنة حق التوصية للجهات المختصة بإعفاء اي موظف أو... في أي من الجهات الواردة في المادة 7/أ/ب. هذا نص لا اختلاف حوله.
❎ المادة 7/ و - تعطي اللجنة حق (اتخاذ كافة التدابير والإجراءات والدعاوى ضد أي شخص محاربة للفساد أو المفسدين أو ضد أي فعل من الأفعال التي تشكل جرائم ضد الأموال العامة والخاصة أو.... الخ.)

استنادا على هذا النص أصدرت اللجنة الموقرة قرارات بالاستيلاء على أموال باسم السادة /الحاج عطا المنان على كرتي، د. مأمون حميدة وآخرين، وهذه الأموال كانت موضوع بلاغات أو إجراءات أمام لجان شكلها السيد النائب العام للتحقيق في قضايا الفساد .

لم يشرح القانون مدلول كلمتي التدابير والإجراءات، لكن مفهوم لنا كقانونيبن أنهما لا تعنيان الاستيلاء، ويكفي دليلا على ذلك أن اللجنة شعرت بأنها في حاجة لتعديل القانون ليعطيها سلطة الاستيلاء.

علي ضوء ذلك ينحصر رأيي في:-

☑️ قرارات الاستيلاء المذكورة لا سند لها في قانون 2019.
☑️ أصلا لا يحق للجنة التدخل في بلاغات أو إجراءات قيد النظر أمام النيابة.
هذا من ناحية مبدئية، دون حاجة لتكرار الآثار السالبة المترتبة على هذا التدخل والتي أوردتها في مقالي، ودون حاجة للإشارة للخطأ في مصادرة عقار مملوك لأحدهم منذ 1982، لكن أوردت هذا الخطأ لأنه هو الذي لفت نظري كقانوني، للبحث في قانونية اختصاصات اللجنة .

( ويزداد الأمر سوءا، ان يكون النائب العام هو من قام باحالة هذه الملفات للجنة التفكيك، اذ يعد هذا تخليا و تهربا منه عن القيام بواجبه الاساس في احالتها للمحكمة المختصة، ثم تمثيل المجتمع امامها للحصول علي الادانة والعقوبة اللازمة في مواجهة المتهمين، والأمر بمصادرة الاموال)

أما بالنسبة لتعديل 2020، فقد عالج موضوع الاسترداد بالتعريف التالي ( يقصد به إعادة ملكية الأموال التي تم الحصول عليها أو انتقلت ملكيتها بفعل من أفعال الفساد أو التمكين بشكل مباشر أو غير مباشر بواسطة الحزب أو أي من واجهاته أو أي شخص آخر..)

رأيي بشأن هذا التعريف :-
? هناك تفكيك لكيانات يعطي اللجنة تلقائيا حق مصادرة أو استرداد أموال الكيان الذي تم تفكيكه، مثل الاجهزة الحكومية الحزبية والجمعيات والمنظمات.. الخ (راجع المواد 7/أ- 7/ب-7/ج - 2019)، وهذا لا اختلاف حوله، رغم أن التعبير الذي ورد في القانون هو (تحديد كيفية التصرف في الأموال والأصول)، فالنتيجة في رأيي واحدة.
? للمزيد من التوضيح فإنه لا اختلاف حول الاسترداد المترتب تلقائيا على تفكيك كيانات يمثل وجودها في ذاته نوعا من التمكين، وليس لارتباطه بعمل من أعمال الفساد، مثلا حل منظمة الدعوى الإسلامية يترتب عليه تلقائيا قرار المصادرة أو الاسترداد، فالمنظمة قائمة بموجب قانون لكن وجودها يشكل تمكينا يستوجب التفكيك، بغض النظر عن كونها مارست فسادا ام لم تمارسه .
❎ سبب اعتراضي على التعديل هو أنه اخرج قانون التفكيك عن هدفه ودخل في قضايا الفساد، والتي عرفتها المادة 13 بالرشوة، الإختلاس، استغلال الوظيفة، ... الخ.

فكل هذه الأفعال مجرمة بموجب قوانين عقابية سارية والنص عليها هنا يعد تداخلا غير حميد بينها وتلك القوانين، فضلا عن أنه يعد تدخلا من قبل اللجنة في اختصاصات الأجهزة العدلية (النيابة والقضاء)، كما تكتنفه عيوب في أصول التشريع، كل ذلك وفق التفصيل الذي أوردته في مقالي.
❎ التعديل يخالف الوثيقة الدستورية، حيث جعلت لكل مهمة من مهام الفترة الانتقالية جهة مختصة بتنفيذها، وجعلت للقضاء السلطة الحصرية في المحاكمة وما يتبعها من مصادرة واسترداد يترتب على الادانة.
ويبقى من الأفضل تجنب اي فعل يخالف شعارات الثورة ويكون عرضة للالغاء .

? ليس في هذا التوضيح ما يخالف الرأي الذي أوردته في المقال.

الرد على الحجج التي أثارها بعض الزملاء الإجلاء :- & القول بأن قانون المعاملات المدنية ينص على الاسترداد بدون محاكمة، مع الاحترام، فان القانون المذكور نص على الاثراء بلا سبب، في الباب الرابع، كسبب من أسباب التقاضي المدني ولا يوجد نص يتحدث عن الاسترداد بدون محاكمة.

& الدفاع عن التعديل تمسكا بالشرعية الثورية، مع الاحترام، فان الوثيقة الدستورية في ذاتها تقنين للشرعية الثورية (راجع الديباجة)، وليس أدل على ذلك من أن الفصل الرابع عشر منها اشتمل على وثيقة الحقوق والحريات، كعهد بين كافة أهل السودان وعلى التزام وتعهد الدولة بحمايتها. ثم اشتملت ذات الوثيقة على تفكيك بنية تمكين نظام الإنقاذ وما يترتب على ذلك من حل كيانات وإنهاء خدمة أشخاص، كإجراء استثنائي يشكل خصما على وثيقة الحقوق والحريات، لكنه يقوم على الشرعية الثورية.
هذا يعني أن الشرعية الثورية تكون في حدود ما يتيسر فهمه من نصوص الوثيقة الدستورية.
اخيرا :-
علي أن أعبر عن تقديري واحترامي لكل الآراء المخالفة والمؤيدة، فسواء اتفقنا أو اختلفنا فهذا دليل عافية منحتنا لها الثورة، فمناخ دولة القانون من شأنه أن يحدث الحراك والاختلاف في وجهات النظر بغرض الوصول للرأي الصائب الذي يهدف لتحقيق العدالة.
وإذا كان هناك من قام باقتطاع جزء محدود من مقالي، ليخرجه عن سياقه ، ليسعد به ويغيظ غيره ، فليهنأ به.

عبد القادر محمد أحمد
المحامي.

aadvoaahmad2019@gmail.com

 

آراء