قانون النقابات المرقع: تلكؤ الحكومة الانتقالية والمخاطر التي نتجت عنه (2)

 


 

 

كتبت في المقالة السابقة عن الدور الذي لعبه المجلس العسكري في دعم النقابيين الاسلامويين، بحثا عن حاضنة اجتماعية له. وسأعرض اليوم عن نتائج منهج التلكؤ والبطء الذي مارسته السلطة الانتقالية، وحاضنتها السياسية، تجاه قانون النقابات. بل يمكننا القول انهم لم يهتموا بقيام نقابات ديمقراطية، منتخبة من قواعدها، الأمر الذي كان سيجعلها إحدى ركائز التحول الديمقراطي، ويجنب البلاد الانجرافات التي تمت.
كان من اوجب واجبات الحكومة الانتقالية، وحاضنتها السياسية، ان تقرر الغاء قانون النقابات الانقاذي لسنة 2010، واستبداله بقانون 1987. وان تدعو قواعد النقابات لاختيار قياداتها في انتخابات ديمقراطية حقيقية. وهو الامر الذي حدث بعد ثورة أكتوبر بإلغاء قانون 1960 واستبداله بقانون 1948. والسبب ان قانون 1960 فرض قيودا كبيرة على الحريات النقابية، كما الغت السلطة العسكرية نتائج وقرارات مؤتمر 1963، وحلت اتحاد العمال المنتخب. لذلك تم الإلغاء وإعادة التأسيس، وهو وضع مشابه لما بعد ثورة ديسمبر، حيث خرب الاسلامويين الحركة النقابية وفرضوا كوادرهم عليها. وقد يتساءل البعد لماذا لم يحدث ذلك بعد الانتفاضة في 1985؟ والاجابة بسيطة لان النقابات كانت منتخبة من قواعدها، بل وقادت الانتفاضة عن طريق التجمع النقابي.
الأمر المستغرب ان ما تم هو العكس تماما. فقد تركت القيادات السابقة تتحرك داخليا وخارجيا بسهولة. وتقوم بترتيب بيتها من كل المخالفات، وتخفي الوثائق، وتصحح الحسابات. وفي هذا الاثناء يكلف افندية وزارة العمل بإجراء تعديلات على قانون 2010. ثم لجأت للإجراء الإداري مما يشكل تدخلا في العمل النقابي.

حل النقابات مرة أخرى:
كما هو معروف، أدت المفاوضات بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، عن طريق وساطة الاتحاد الافريقي، الي الوصول لشراكة بين الطرفين. وكان ضمن ما تم التوصل اليه تكوين لجنة لإزالة التمكين لمحاربة فساد النظام السابق واسترداد الأموال المنهوبة، مهمتها الأساسية فكفكة دولة الحزب الواحد وإزالة مؤسساته. وكان من ضمن قرارات تلك اللجنة القرار الآتي، الذي نشر بموقع الحرة بتاريخ 14 ديسمبر 2019:
" أصدر رئيس لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد واسترداد الأموال الفريق الركن ياسر عبد الرحمن العطا قرارا الجمعة 14 ديسمبر 2019 يحل المكاتب التنفيذية ومجالس النقابات المنشأة بموجب قانون النقابات لسنة 2010، وحل المكاتب التنفيذية ومجالس الاتحادات المهنية لسنة 2004، وحل المكاتب التنفيذية ومجالس الإدارات المنشأة بموجب قانون أصحاب العمل لسنة 1992. ونص القرار على حجز العقارات المسجلة بأسماء النقابات والاتحادات المهنية واتحاد أصحاب العمل وحجز الآليات والسيارات ووسائل النقل المسجلة بأسمائهم وحظر التصرف فيها. ونص القرار على تعيين لجان لتسيير النقابات والاتحادات المهنية واتحاد أصحاب العمل وتصريف اعمالها الضرورية."
صدر القرار بعد سبعة أشهر من فك حظر النقابات والاتحادات، وهي فترة أكثر من كافية، لإجراء تغييرات أساسية وكبيرة في الوثائق والحسابات البنكية والممتلكات، حسب ما ظهر من تجارب كثيرة سابقة.
نكرر القول ان الديمقراطية النقابية كانت تستوجب ارجاع القوانين النقابية (قوانين ما قبل انقلاب 1989)، واجراء انتخابات لتقرر الجمعيات العمومية لقواعد العاملين من يمثلهم. وأن يتم ذلك بشفافية تامة وتحت اشراف قضائي. ولكن ذلك لم يتم، تحت حجة انتظار صدور قانون جديد للنقابات. وهذا الموقف ادي لابعاد القيادات ، التي ستنتخب ديمقراطيا، من المشاركة في اعداد القانون الجديد الذي ينظم شئونها.
عدم التقدير السليم لمناهج عمل التنظيمات النقابية، والتلكؤ غير المبرر، أدي لتفجر الصراعات وسط النقابيين، فيما بينهم، وكذلك مع وزارة العمل، ومع الاتحادات الإقليمية ومنظمة العمل الدولية. وسنتعرض لكل ذلك عند مناقشتنا لما شاب اعداد قانون النقابات.
(نواصل)
siddigelzailaee@gmail.com

 

آراء