قبل نصف قرن .. هكذا تكلم المحجوب (1/4)

 


 

 

ولد محمد أحمد محجوب عام 1908 بالدويم.
- تخرج في كلية غردون التذكارية مهندساً مدنياً عام 1929. وعمل مهندسا بمصلحة الاشغال ثم عاد للكلية لدراسة القانون.
- عمل قاضياً حتى عام 1946 وقدم استقالته ليتفرغ للعمل السياسي.
- اشتغل بالمحاماة منذ 1947 وحتى وفاته عام 1967، إلا في الفترات التي تقلد فيها مناصب وزارية.
- شغل منصب وزيراًلخارجية في يوليو 1956، ومرة ثانية بعد ثورة اكتوبر 1964.
- انتخب رئيساً للوزراء في يونيو 1956، ثم مرة ثانية في مايو 1967 وحتى قيام انقلاب نميري في 1969.
- قضى فترات في المنفى الإجباري في جنوب السودان إبان الحكم العسكري الأول. والإقامة الجبرية بمنزله في أوائل الحكم العسكري الثاني، ثم المنفى الإختياري بلندن.
(يسخر القدر من غفلتنا، ويعيد التاريخ نفسه، وتبقى كلمات الراحل محمد احمد محجوب رئيس وزراء السودان الأسبق – التي خطها قبل خمسين عاماً- ناصعة تشهد على العجز الفاضح لقياداتنا - من الحزبيين و السياسيين وزعماء الطوائف والعشائر والعسكريين - على استلهام الدروس والعظات من كبواتنا واخفاقاتنا المتكررة. وهاهو السودان – أو ماتبقى منه – يعود للمربع الأول بعد استقلاله بسبعة عقود. تعطن جلابيبه روائح قديمة وأبخرة عتيقة. في ما خرج شباب ثائر وثاب لم يتعطر بالفلير وبنت السودان يوماً، يتوق لوطن كالغائب - يسمع عنه، وينسب إليه، لكنه لم يحس يوماً بأنه يعرفه وإن ألف بعض ملامحه.. لأن من حكموه عقروه ونهبوا موارده وجردوه من هويته وسمموا مستقبله. وساموا الشعب والبلاد عسفاً وخسفاً.. فخرج شبابه أعزلاً ليواجه البطش وهو يحمل كفنه بين يديه .. يطلبون الموت لتوهب الحياة الكريمة لغيرهم..
قال صديقي لابنه: تخرج في المواكب كل يوم، ألا تخشى أن يقتلوك؟ فأجابه: وهل أنا حي ؟
ما يشهده المجتمع السوداني في مدنه وبواديه من حراك متصل في عامه الرابع، ينبيء بأنه مقدم على ثورة حقيقية وتغيير شامل، لن يفلح الآباء والزعماء التقليديون المحافظون في لجمه، ولا سارقي الثورات والانتفاضات في تدجينه، هذه المرة.
وبالعودة لقراءة ما خطه المحجوب منذ خمسين عاماً، ولا يزال حاضراً نضراً، آثرت أن اقتطف بعض مقولاته، وستجدونها بليغة الوصف والتشريح، بل - واقتراح العلاج لعلة اضطراب السياسة لدينا. ولم تحتج مني إلا لإشارات أو تعليق مقتضب).
1- ضعف الأحزاب وعجز الساسة:
إن قصة السودان منذ الاستقلال في الأول من يناير 1956 هي قصة الإلتباس السياسي المحزنة وغير الناجزة.
فلقد كان لدينا عندما جاء الاستقلال تكتلان سياسيان رئيسان، هما: حزب الأمة الذي كان متحالفاً مع الأنصار المهديين. وحزب الاتحاد الوطني المدعوم من السيد علي الميرغني وطائفته الختمية. ص 177
وبدأت مشاكلنا فور حصولنا على الاستقلال. وكان السبب الأساسي لهذه المشاكل واحداً: فالأحزاب التي اما عملت من أجل الإستقلال أو عارضته، وجدت نفسها ور تحقيق الاستقلال من دون أي هدف محدد، وتتصارع في محاولة لتلبية احتياجات البلد الحديث العهد.
كان الشيء الكثير متوقعاً من الأحزاب، فقصرت جميعها عن تحقيق هذه التوقعات، إذ لم تكن لديها برامج مفصلة ومحددة لمعالجة النمو الاقتصادي والاجتماعي. وكل قضية طرحت في مرحلة مابعد الاستقلال كانت تعالج وقاً لأهواء الحزب. ص 177
- لم تمر الديمقراطية بمحنة في السودان فقط، بل في جميع انحاء القارة الأفريقية منذ أواخر الخمسينات. ولم تنجح تجربة الديمقراطية في أي منطقة.
- تخطت الثورة المهدية – تنقية الاسلام وتوحيد السودانيين والخصومات الطائفية – وجمعت كل السودانيين تحت راية الكفاح. وقد عاشت هذه الروح الوطنية حتى بعد غزو السودان وغقامة الحكم الاستعماري.
- عاش السودان مرحلة مضطربة بعد الاستقلال. لقد استعمل السودانيون النظام السياسي الذي وضعه المستعمر كأساس للحكم بعد الاستقلال. وأقيمت المؤسسات اللازمة للديمقراطية الدستورية على عجل لتحويل دستور الحكم الذاتي الى دستور انتقالي للبلد حديث العهد بالاستقلال. غير أنه لم توفر للديمقراطية في السودان فرصة حقيقية.

ما هي مكامن أخطائنا ؟:
- تكوين الأحزاب الساسية كان قائماً على الولاء القبلي والطائفي، بدلاً عن البرامج.
- وجدت الأحزاب التي عملت من أجل الاستقلال أو عارضته نفسها بلا هدف معين بعد تحقيق الاستقلال.
- فشل جميع محاولات وضع سياسة متناسقة، فقام حكم إئتلافي.
- سادت الخصومات الشخصية والطائفية والدسائس، وأصبحت القوة الشخصية قصيرة المدى هي المسيطرة.
- غلبة المطامح الشخصية على مناقشات الدستور الطويلة والعقيمة حول طبيعته: إسلامي أم علماني. وهل تكون الجمهورية رئاسية أم برلمانية. ص 304
انطلقت شرارتا الإنقلابين العسكريين في الوقت الذي كان فيه البرلمان يحاول تسوية الخلافات الناجمة عن الطموح والمصالح الشخصية. لقد أساء الشعب استعمال الحريات التي حققتها له الديمقراطية، فانتزعت الأنظمة العسكرية التي تلت هذه الحريات منه. ولم يتطوع المواطنون الأكثر وعياً ومسؤولية لتبني نوع من الانضباط الاجتماعي الضروري لبناء ديمقراطية جديدة. وساهمت الصحافة في الانتقاد الهدام من دون طرح الأفكار البناءة ووصلت الى فوضى تامة.
لم تستطع حكومتي الإئتلافية (بعد أكتوبر) الصمود، لأنني كرئيس للوزارة لم تعطني الأحزاب الثلاثة المؤتلفة الحرية لاختيار اعضاء من حزبين فقط لحكومتي الدستورية، بل إنه بدلاً من ذلك أعطيت قائمة بالأسماء لكي أختار من بينها. ص 305 (هل وقع حمدوك في نفس الورطة؟).

كتاب (الديمقراطية في الميزان) - كتب في عام 1972. ونشرت دار جامعة الخرطوم للنشر طبعته الثانية 1986

saadeenn@gmail.com
//////////////////////////////

 

آراء