قصاصات وحكايات في (الاختلاف لا يفسد للود قضية)

 


 

 

أحمد خير يروي كيف اصبح المعتقل محققا وضابط الأمن معتقلا

    يفرقنا إنقلاب.. يجمعنا واتساب:

    isammahgoub@gmail.com
    # ثلاثية (السمع والطاعة) (الامر امر دين) (انه امر تنظيمي).. جعلت من المسلم الحر عبدا للرجال والهوى
    * الترابي أصدر أمرا تنظيميا بمقاطعة شيخ صادق ومن معه

    # فئران سجن كوبر لم تشبع من اصابع أرجل الجبل الذي لا يهزه ريح على محمود حسنين فأكملت وجبتها بأطراف الترابي
    * منصور خالد تمنى ان يتعلم الترابي من تلميذه الغنوشي وتساءل على لسان الطيب صالح: لماذا تريدون نشر الإسلام من بلد لا فيه كعبة لا أزهر؟

    # الوطن يعيش مسرحية سياسية يتبادل تمثيلها اجيال من النخب.. جيل يستلم ازمة نكرة فيسلم الثاني أخرى غير معرفة ولو بالاف واللام وثالث يستلمها معرفة ومعروفة فلا يفعل فيها غير أن يرحلها لرابع بذات تعريفاتها وهكذا منذ الاستقلال
    ---؛؛؛---

    (رفع أحدهم في مجموعة "الاختلاف لا يفسد للود قضية" خبرا عاجلا معززا بصور يفيد بانطلاق مظاهرات بالقرب من داخلية الطلاب بجامعة الخرطوم تهتف.. الشعب يريد اسقاط النظام. ارحل ارحل ارحل يا بشير)، فبدأ السجال التالي:
    - مبارك الكوده: موضوع التظاهرات دا صحيح. أم هذه صور قديمة؟
    * فيصل عبد الرحمن: والله ناس الخرطوم نايمييييين ولا على بالهم. أفيدونا يا ناس البندر.
    - عصام محجوب: يمكن نايمين على راي يا فيصل.
    * احمد بابكر: هسي المظاهرة شغاله ومعي بالهاتف زول في موقع الحدث.. وناس الشرطه والكجر وصلو.. وحا تبدأ الملاواة. أفاد من تحدثت معه بوجود حضور امني كثيف ابعدهم عن مكان المظاهرة.
    - عصام: وستبدأ جرائم جديدة.
    *الكوده: اذن سخنوا الموضوع بدل الونسة بتاعتكم دي يا عصام. ان شاء الله بالدعوات.
    - عصام: يعني الناس الحاكمين ديل ما عندهم شهر من شهور ربنا لا يرتكبون فيه جرائم؟ الدعوات دي إلا يكتبوها يا الكوده؟
    * الكوده: حركوا الشارع.
    - عصام: نحن من هنا علينا ان نكون هنا طالما اخترنا ان ﻻ نكون هناك. انا ﻻ ادعو اي انسان يناضل. قد تفهم دعوتي بأنها لأجلي لاني اريد ذهاب النظام. الخيار خيار شخصي، لا استجابة لدعوة للتحرك إلا مِنْ مَنْ تَحَرَك او يريد ان يتحرك. لست من الذين ابقى هنا وأدعو آخرين هناك ليقوموا بالثورة. ولكنني اراقب الثورة. اكتب عنها. اسجل حالتها بأحرف من نور، وهذا اضعف الايمان بها والمشاركة فيها من البعد. أما ان أقل لأحد أخرج.. فلا ولن افعلها. لأنني هنا ولست هناك.
    * فيصل: حرض من الخارج فالتحريض من الثورة. الكلمة الثورية ثورة.
    - عصام: حرض أنت. لست محرضا احد لان يفدي املي بروحه.
    * فيصل: اذن انت مع الثورة السلمية.. لكن الناس الحاكمة ما بخلوها سلمية. وربنا مع الذين هم على الأرض ويعرضون حياتهم وآمالهم ومستقبلهم للخطر ولا يبالون؟
    - عصام: من ﻻ يستطع تقديم روحه مع الآخرين عليه بالدعاء لهم فقط ﻻ تحريضهم. دع خياراتهم لتكون بيضاء وشخصية. انا مع التغيبر، سلمي ثوري أي كان.. ولا ادعو للخروج له طالما ﻻ اشارك فيه فعليا. لا ادعو أحد للخروج او التضحية.. القرار شخصي. عندما أكون قادرا على الخروج، عندها أملك حق دفع الاخر للخروج معي.
    * فيصل: دي مثالية منك يا عصام.. هناك ثوار كثر قادوا ثورات وهم بالخارج.
    - عصام: انها ارادات. قُدرات. ﻻ اتبرع بما ﻻ املك.
    * فيصل: وهناك ثوار على الخنادق وثوار في الفنادق كمفاوضين، والمعارض السياسي ليس مثل العسكري. لا نريد ان نكون اقرب للمتفرجين على الاحداث. الكلمة سلاح ايضا وكلمتك جزء من الثورة. وما اعظم الافعال عندما تكون كلمة ملهمة وحية ومتفجرة.
    - عصام: لا أدين حتى الذي يعمل للثورة من الفنادق. اااااه.. انني حقا متفرج على الأحداث طالما ليس لدي فعل فيها. ما كتبته وما سأكتبه في التغيير يقيمه اصحاب فعل التغيير على الارض. لا اريد ان يُكتب أو يُقال عني انني دفعت الناس للخروج للموت وانا جالس هنا غير معرض نفسي لذات المصير. حتى زملائي في هذا "القروب" الذين هم في الداخل اشجع مني، وإن لم يخرجوا. انهم يملكون حق الدعوة للخروج، تلك هي محدداتي. مثلا اختنا تراجي التي تدعو للتغيير السلمي بعد انفصالها عن حركات حمل السلاح.. انها الان في السودان. ننتظر معرفة رأيها من التحرك السلمي، استمر ام توقف، قمعه النظام ام تركه فتوقف لوحده او ازداد اشتعالا. ﻻ ادعوها للمشاركة، فالقرار قرارها الشخصي. ولكن رأيها مطلوب وبكلمات واضحة كما كانت تفعل من الخارج. لنراقب ونرى.
    * فيصل: طبعا الموقف مرتبط بتعريف اي فرد لنفسه.. صحفي ام ناشط سياسي ام سياسي ام اكاديمي. لان كل فرد سيتخذ ويحدد موقفه ومستوى مشاركته وخطابه من خلال حالته. وانت شكلك صحفي زينا كدا. ناس د.احمد عندهم موقف مختلف.
    - د. احمد بابكر: برافو يا فيصل. صحيح انا جزء من منظومة. المهم عندي منظومتي تكون مشاركة وتكون في الشارع وهذا ما حدث في سبتمبر حيث شاركت اغلب القياده في التظاهرات واعتقلت وكنا اكثر حزب سياسي تم اعتقال أعضائه، وأخر ناس تم اطلاق سراحهم.
    خالد محمد الحسن: ما اروعك اخي عصام..
    هكذا قال صدام.. حين اغروه بالخروج اﻵمن هو وأسرته. هكذا كان فعل د. غازي صلاح الدين.. حين حاصروهم في دار الهاتف، إذ تسلل ليستجلى الخبر فعلم بفشل حركتهم. لم يهرب.. ولم يدعوا له، بل عاد الى رفاقه ليواجه مصيرهم الذي هو مصيره.. فاستحق تقدير أعدائه. وكذا كان فعل غاندي.... الخ، فهكذا هم الصادقون يزينهم صدقهم، اختلفت ام اتفقت معهم. لذا كان المصطفى آخر من هاجر.. بعد ان إطمأن على أصحابه. هكذا يكتب الناس تاريخهم، وكذا هو فعل من يعرف قدر الكلمة.. الكلمة التي تهوي بصاحبها سبعين خريفا في النار، او تصعد به سبعين خريفا في الجنه. تحية وإجلال لك.. اخي عصام.
    - امية يوسف: المبدئية أمر عزيز ونادر. من خلال قراءتي البسيطة لتاريخ السودان، هناك تميز كبيييير لوزراء الحزب الاتحادي الديمقراطي في الخمسينات والستينات من حيث المهنية والأمانة.
    * خالد: السلام عليكم أخي.. بل أخوي، فهي اقرب لوجداننا وخارطتنا الذهنيه.
    عصام والقروب المؤتلف بود الإختلاف، محمود والحلو ود حليوه احمد بن الخالة شامة حليوه القدال الذي بحث عن شليل وما وجده.. ونحن على أثره نبحث عن شليل وين راح وصابرين حزن الغنا.. لكن عزاءها انه نحن وانتم حلمها، العاشقين ترابها. سلام لكم ولكل اﻻخوة.
    عدت من بورتسودان وجلست اليوم مع والدي محمد الحسن خليل ورحت احكي له عن جمال المدينة وعمرانها فقاطعني كأنه لم يسمع حديثي، وقال.. زرت قبر عثمان دقنه؟ فقلت له ﻻ. فقال.. اذاً انت لم تذهب لبورتسودان.. لو اردت السياحة أكيد أزمير اجمل. وذهب يعدد لي مدن السياحة، وأضاف.. حين تذهب سواحا في مدن السودان، أذهب لمن رسم معالمك وكان له فضل عليك. قال.. هل تعرف ان هنالك دراسة عملت مقارنة بين عثمان دقنه وجيفارا اثبتت وجه شبه بينهما، إﻻ ان دقنه اعمق، ونحن ظلمناه، في حين جيفارا وجد من يكتب عنه. قلت كيف؟ فواصل قائلا.. عثمان دقنه ظلمه الخليفه أو احد انصاره حين لم يوافقوه في مهاجمة الانجليز عند الشلال بدﻻ من كرري، وظلموه حين لم ينزلوا عند رأيه بان يكون الهجوم ليلا.. فاختار احد آل المهدي ان يكون نهارا.
    قاطعته.. من وين جبت الكلام ده؟ قال لي.. كتاب حا اشوفو ليك، بيد ان الكاتب لم يذكر إسما، بل اكتفى باﻻشارة لوجود اسم في المنشور من الوثائق البريطانية. وأردف والدي محمد الحسن.. ظلموه حين ذهب وفد السودان لزيارة ملك بريطانيا ولم يحدثه أي منهم او يطالب بإطلاق سراحه، بل اهدوه سيف المقاومة وما علموا ان السيف الحقيقي كان في سجن حلفا... كم ظل غاندي او حتى مانديلا في الحبس، وكم قضى دقنه في السجن.. 26 سنه؟ ظلموه حين مات برغم ما ظهر له من كرامة.
    قال والدي ساخرا.. طبعا عجبتك كلمة كرامة دي ﻻنها لغة ادبياتكم... لَمَّا غرقت حلفا او أغرقت، طمرت المياه المقابر فأخرجنا الموتى وكان جثمان دقنه كأنه نائم.. ظلموه حين رفضوا دفنه في سواكن ودفن في أركويت.. وجيت انت فرحان لتخبرني بظلمك له.. وجاي تكلمني عن المباني ولو خليتك شويه ستحدثني عن جمال المساجد والجامع الكبير وتسوقني بالكلام وتختم لي بـ هي لله.. هي لله.. كان عليك ان تبحث يا إبني عن ذلك القبر، لو زرته لمدك بمدد ان تحيا بالله وتموت في الله.. وتعرف كيف تبنى اﻻوطان.. وأكيد لو كنت مشيت جنوب افريقيا كنت حا تزور قبر مانديلا، نحن كده نترك البحر ونستقل السواقيا زي ما قال صحبك المتنبي.. يا ابني انت لم تزر بورتسودان ولم تراها... قوم جيب لينا فول من فوال الهجرة عشان اغش نفسي بأنك تحسن شيء على اﻻقل.
    توقف والدي محمد الحسن عن الحديث ولم اتوقف عن مراعاة فروق الوقت وانا انظر لكل المشهد وأقول:
    عذرا أسد الشرق.. والغرب.. والشمال.. والجنوب..
    عذرا القدال..
    عذرا الشفيع.. عبد الخالق..
    عذرا محمود محمد طه..
    عذرا محجوب شريف..
    عذرا شهداء الميل 40 وبقية اﻻميال..
    وعذرا لكم للاطالة..
    فالدقيق كان يا دووووب بعجنوه.. واﻻن طلع رغيفا من الفرن.
    - الكودة: كلام عميق اخي خالد. تحياتي لوالدكم٠٠ الذي اظنه عارف بالله وعارف بالوطن.
    * خالد: السلام عليكم والتحية لك شيخ الكودة.
    - أحمد بابكر: صباح الخيرات. هكذا تكون الصباحات وللا بلاش. يا أخي، ما ظلمنا عثمان دقنه.. نحن ظلمنا انفسنا لأننا ظلمنا كل تاريخنا. علينا العزم واليقين والعمل ان نكتب تاريخنا كما هو.. تاريخنا الحقيقي، وهذا نضال اخر لن ينتهي ابدا. كثير مِنَّا يعرف القليل لأن القليل هو ما كتب.. وحتى ما كُتِب، كُتِب بمزااااااج. هناك حلقات مفقودة، هل فعلا مفقودة؟ أم تم اخفائها قسرا وتعسفا من هذا التأريخ؟ التاريخ طاقه دافعة، احيانا تكفيك عدم امتلاكك الـ اف 16 و18 لتنتصر. تحيه لكم.
    - اميه: صباح المزاج الرايق. لو استقرت الدولة وتفرغ كل زول لشغلته فان كل الامنيات الصادقة ستتم بإذن الله.
    * خالد: وعليكم السلام.. اخي أميه. ليتك لو كتبت لنا عن الشيخ الصادق صادق.. عن الحبر ومحمد الخير عبد القادر وشيخ ادريس.. لتكون مُدَارَسَة بعنوان "المؤتلفة قلوبهم.. ومختلفة آرائهم". الكل يكتب ويوثق.
    - امية: باذن الله. ما يميزهم او الرابط بينهم السهولة والسودانية والتواضع، وان كل واحد منهم مدرسة قائمة بذاته. فالشيخ صادق، هو الاب الروحي للحركة الاسلامية بكل تياراتها ويجد اجماعا كبيرا، كاتبا وأديبا وشاعرا. من مواليد مدينة الرهد 1926يسكن في ورثة زوجته بشمبات، ووالده كان معلما ثم ناظر مدرسة. درس شيخ صادق الثانوي ثم الحقوق بمصر حيث زامل عبد الخالق محجوب، وشكلا يومئذ رابطة السودانيين حيث احدهما الرئيس والأخر سكرتير. وهو من قدم علي شمو والفنان سيد خليفة للإعلام وقدم ديوان التجاني يوسف بشير اشراقة لأديب مصري ووضعه للطبع بمعاونة علي البرير. بايع الامام حسن البنا مباشرة.
    * احمد: والد الحبر يوسف نور الدائم حفظ القرآن في خلوتنا في قرية اسمها ملولحه وهي مسقط رأس الوالد وتقع شرق سنار وتحديدا في الناحية الشرقيه للربوة وبينهما النيل الازرق وشرقها علي بعد كيلو يوجد الدندر. فهي بين النيل الازرق ونهر الدندر ولذلك كانت ملولحه بينهم. فكان الناس يرتادون الخلوه وهي في الاصل اسمها طيبه لكن كان الناس يقولون "ماشين لعند الملولحه" فسار اسم ملولحه عليها.. وقصتهم طوييييله وجميله.
    - اميه: دي معلومة جديدة علي يا دكتور احمد. شيخ الحبر من اسرة عريقة في الريف الشمالي بامدرمان. جده استاذ الامام المهدي وخاله الشريف حسين الهندي. حفظ القرآن وهو إبن 10. درس بوادي سيدنا ثم جامعة الخرطوم ثم ادنبره.
    - احمد: يا اميه لو التقيت شيخ الحبر اساله من فكي مصطفي محمد احمد طه. موجود حتى الان واعتقد اقترب من المئه عام لكنه لازال يمارس التحفيظ والتجويد. ودي وصيه.. انه ببني في مسجد عايز يعملو خلوه حديثة، فاضل ليهو التشطيب. لو تعرفو اي منظمه تستطيع اكمال التشطيب تكونوا ما قصرتو.
    * اميه: هسي برسل كلامك دا لمحمد الحبر.
    - احمد: جدي فكي مصطفي كان في برلمان 54 ويقال انه قرأ القرآن في جلسته الافتتاحية، وهو يعتبر من كبار خلفاء ال الهندي، لدينا علاقة متينة معهم. المشكلة ان المنطقه غرقت في الجهل والأمية لاندثار الخلوه الاولي وذلك لظروف اقتصادية، لكن هناك عزيمة قوية لإرجاع الامور كما يجب لأنها المكان الوحيد لتعليم القرآن.
    * امية: ربنا يكون في العون.
    - الكوده: اليكم ما لم يعشه معنا أميه: كنّا في العشرينيات من أعمارنا عندما انشقت مجموعة الشيخ صادق عبد الله وكنا حزينين لخروج هذا الشيخ الجليل عن الجماعة. طبعاً كانت المجموعة الأكبر هي مجموعة الشيخ حسن الترابي اذا جازت التسمية بالأسماء، لذلك صوروا لنا ان شيخ صادق خرج عن جماعة المسلمين وجاءتنا أوامر تنظيمية ان لا نتعامل معهم وألاَّ نسلم عليهم. كنّا حينها معلمين بمدينة كسلا.. تصوروا هذا الغلو وهذا القياس الخطأ في حق اخوة لنا كان خلافهم معنا خلاف أولويات فقط؟ نحتاج لمراجعات كثيرة وعميقة. تصور أوامر تنظيمية ألاَّ نتعامل معهم؟
    - أميه: يا شيخ الكودة، حكي لي عمنا عبد الرحيم مكاوي ما ذكرت، وقال ان الشيخ البروف يوسف العالم قد وقف حينها في الجلسة وقال للترابي.. دا لا دين ولا سودانية وانا من دربي ده ماشي عليهو. قال مكاوي.. فعلا ركبنا سيارته ومشينا زرناه رغم اننا مع الترابي. شيخ صادق في السبعينات كان رئيس تحرير جريدة المدينة المنورة وقبلها كان رئيس تحرير مجلة المجتمع الكويتيه ومؤسس دار لوتاه للطباعة بالامارات. وتلك قصة غريبة وطريفة دعها لمرة قادمة.
    * الكوده: هذه الأخطاء ظلت ملازمة للحركة الاسلامية عموماً اخي أمية، ومن اكبر الأخطاء مصطلح (السمع والطاعة) (الامر امر دين) (انه امر تنظيمي). لقد جعلنا من المسلم الحر عبدا للرجال والهوى.
    - عصام: تحياتي. وكأنني كنت متوقعا ما ستطلب أخي خالد ان يفعل امية وغيره من الأصدقاء، فجلست قبل ان تسطر طلبك في رسالتك عاليه اكتب وأكتب منطلقا من رسالتك الرائعة بالأمس، وعندما مَرَّ طلبك امامي ضربت له تعظيم سلام، فصرت كلما اكتب، أخالك تقول لي.. هل من مزيد؟ وهو عين ما اطلب انا ايضا من الآخرين وأشهدك على قولي واسأل كذلك د. أحمد بابكر. اليك ما كتبته دون تصحيح، فليعذرني الاساتذة والعتبى لهم حتى يرضوا.
    اخي خالد.. هل اكتفي بحديث والدك محمد الحسن وقد تابعت بالصورة والقلم زيارتك لمدينتي بورتسودان.. وكل مدن السودان انا منها وهي جزء مني؟
    (عدت للرسائل وقرأت واحدة كان خالدا قد رفعها للقروب ومعها صورة لصبي بجاوي يجلس امام مائدة عليها صحن "فتة بوش"، وكتب في الرسالة: ما علينا.. فان الدرس اﻻول من هذه المدينة وهؤﻻء الناس، ناس السودان الذين يعيشون فيها، قدمه لي هذا الطفل الرجل. كنت حين جلست شعرت باني أضخم من الكرسي، حتى جلس قبالتي. وبعيون بريئة.. كعيني راضية، وابتسامة غسلتني، وبلكنة بجاوية معتقة، قال لي.. تفضل يا خال. شكرته وبادلته ابتسامة دون ابتسامته.. فتلك يشع منها التفاؤل واﻻمل والطيبة، وهذه مثخنة.. وﻻ أزيد. قال لي.. والله اﻻكل لو ما يبقى اكتر من اتنين ما عندو طعم. فشعرت بتضاؤلي.. تضاءلت حتى ان الكرسي مع ضيقه كان له ان يسعني ومعي أهل الحوار والصحفيين ونحن جميعا. بحشرجة وعين تتقيه، قلت له مستأذنا.. ممكن أصورك؟ بذات اﻻبتسامة قال لي.. طوالي. فصورته مره واثنين وعشرة. رحم الله سيدنا عمر حين قال للرجل تكلم حتى اراك. وليت هذا الصبي لم يتكلم حتى ﻻ أراني.).
    * عصام مواصلا: طلبت منك ان تحدثنا عن الانسان في بورتسودان، فاخترت مشهدا واحدا يا خالد والمدينة مليئة بالصور المتحركة من الماضي إلى الحاضر، والغريب أن بها صور للمستقبل لمن يحسن النظر. كدت ان اكتب "قادمة من المستقبل" ولكنني أخشى ان تركض خلفي اجيال في رحم الغيب لم تولد بعد وتعنفني بأنني كشفت "ورقها".
    يبدو انك انشغلت بمهمة ما، دعك منها، فالمهم ان والدك محمد الحسن، وبفضلك، جاء وقدم لنا درس عصر جماعي، بما نقلته عنه من تاريخ وجغرافية بلد وحسابها في صندوق التربية، و"جرورتها" من خزينة الوطنية. يا لها من محاضرة اختصر فيها حركة التاريخ فلم يركن، لحرف (لو) التي ﻻ تستعمل ابدا في تسجيل التاريخ. استعملها ليشككك في حقيقة زيارتك لبورتسودان، مشيرا الى ان السياحة في ازمير ومدن اخرى اجمل. واستعملها، يا للفطنة، في مرة ثانية للفت نظرك بأنك جاهز لتحدثه بما انغلقت فيه، خوفا من أن تكرر له ما يتردد حوله في مدينته الخرطوم التي صارت لا تعرف إلا اللف والدوران في ذات الدايرة، وتلك لفتة بارعة منه اعجبتني طبعا، مع الدرس البارع للتفكير في ضرورة بناء الأوطان، أي أوطان، وليس فقط "وطنا البي اسمك رطنا".
    "لو" يا خالد ليست كما نعرف فحسب، وانما تفعل فعل "اللولوة" الذي تحدث عنه د. منصور خالد عندما اضطر للإجابة عن سؤال حول د. الترابي فقال: الترابي بدأ اكثر تواضعا في الظاهر ولكن عندما يتحدث عن فرض عين وجمع أهل القبلة، يعبر "بلولوة" ﻻنه مدرك للطبيعة والحالة. لا يمكن أن تحرك العالم الإسلامي من الخرطوم.. لماذا، كما قال الطيب صالح مخاطبا العصبة الانقاذية، تريدون نشر الإسلام من بلد لا فيه كعبة لا فيه أزهر؟
    تصور اخي خالد ان منصور قال عن شيخك: كنت اتمنى ان يتعلم من تلميذه الغنوشي. وقفت كثيرا عند تلك الملاحظة وتذكرت قول لراشد الغنوشي في لقاء مع الترابي بالخرطوم قبل انقلاب الانقاذ، جمع له الشيخ حسن الترابي في حفل عشاء أقامه لضيفه في منزله، شخصيات خارج الهيكل التنظيمي للجبهة الاسلامية القومية ولفيف من شباب الجبهة وفد حضرته متعللا باصطحابي والدي، مع انني على قول الصديق موسى يعقوب لا أحتاج لدعوة لبيت الترابي. قال الغنوشي: عليكم بالمحافظة على الديمقراطية وان ينهض شباب الجبهة للدفاع عنها. ياااااه هل كان الغنوشي يستقرأ ما سيفعله شباب الجبهة؟ يهيمون بحب السلطة. ومخرجات السلطة. ووظائف ومناصب تقدمها السلطة.. وبكل السلطة وما توفره من جاه. هل كان يعلم ما سيفعله الشيوخ وأراد ان يحذر الشباب وهو لا يعلم أن قادة شباب الجبهة يومها كانوا هم الانقلابيين الحقيقيين؟ وكانوا هم من فكروا وخططوا وموهوا ونفذوا الانقلاب؟ بل وانقلبوا بعد عشرية واحدة على شيخهم الترابي الذي علمهم السحر ووضعوه في السجن لا حبيسا بإرادته وإنما محبوسا تقطم أصابع ارجله فئران سجن كوبر، بعد أن لم تكتف ولم تشبع من اصابع أطراف الجبل الذي لا يهزه ريح الاستاذ على محمود حسنين؟
    بالأمس اشدت اخي خالد بمداخلات لي و(كوبي باست) رفعتها من جديد في القروب كما كتبتها انا. اذن دعني اعترف لك انني هكذا كما اوضحت عن نفسي وموقفي مذ التقيت مع والدي بالأستاذ أحمد خير في بيت الايجار الذي كان يسكنه بالخرطوم 2 او في بيت الأسرة الذي سكنا فيه بود البنا في امدرمان، ولاحقا في الكدرو وهو ايضا كان بيتا سكنا فيه بالإيجار. كنت اجلس وأستمع، وفي مرة من المرات، وحدث ذلك في النصف الأول من السبعينات، كان أحمد خير قادما من ندوة تحدث فيها في جامعة الخرطوم. أذكر انه قال فيما ما معناه: كن صادقا عندما تدعو الناس للخروج للشارع ضد نظام باطش.. تأكد انك ستخرج امامهم. تم اعتقاله في اليوم التالي. إذن، كان احمد خير صادقا مع نفسه في دعوته.. وقد كنت مثله عندما خرجت في شعبان 73 ورفعت مع اخرين أحمد عثمان مكي فوق اكتفنا وفعلتها مرة ثانية في انتفاضة أبريل 85 مع اشقائي باسم التنظيم الشبابي للحزب الاتحادي الديمقراطي، بل حملت مكبر الصوت المحمول، عِلْمَا بأن من يفعل ذلك يصبح هدفا نادرا لا تخطئ الطلقة نقطته الوسطى، فتهشم (المكرفون) وقد تَسْكُت صوت حامله إلى الابد. في مثل تلك الايام والإحداث دعوت الآخرين للخروج وخرجت معهم.. فكيف ادعوهم الان للخروج هناك وانا هنا، ولا انوي اصلا الخروج في مظاهرة لا مطالبة بإسقاط نظام ولا بقاء الاخر الديمقراطي الذي سيتشكل بعد سقوط الحالي؟
    تذكرت الان حديث د. منصور خالد عن أستاذ الجيل، فقد قال: احمد خير هو الوحيد الذي كان صادقا في نقده ولم يؤله القيادات.
    مر بذاكرتي شريط لأحداث ومشاهد كأنها تحدث امامي اليوم، اشترك فيها والدي الذي كان صديقا لأستاذه احمد خير، استاذ وخال صديقي والدي، التوأم حسين وزين العابدين الهندي. وتذكرت وداعي لهما عائدين للسودان، ابي واحمد خير، مع جثمان حسين الهندي في مطار بغداد. وبدأت ترجع بي الذاكرة إلى اللحظات الأولى التي رأيت فيها أحمد خير مع جدي زيادة أرباب في بيتنا تارة، وفي بيت زيادة بابي روف تارة أخرى، وفي بيت أحمد خير تارة ثالثة.
    حكى لي احمد خير بأنهما عندما كانا في الحبس بعد اعتقالهما ومن معهما مباشرة من سلم الطائرة التي نقلت جثمان الشريف حسين الهندي ليوارى الثرى في بري الشريف، سأل احد ضباط امن نظام مايو البغيض والدي بنهرة: من كان معكم في المؤتمر الذي عقد في جزيرة خالكيزا باليونان؟
    اخطأ الضابط لأنه واصل حديثه بتعليق سخيف اراد به ان يجعلنا نعرف بانه يدري بكل شيء، فقال: ألم يكن معكم دندش؟ دندش الدلال.. بالله انتو ناس محترمين تباروا لي دندش الدلال؟ دندش بتاع الدلالة القاعد في ليبيا لا شغلة لا مشغلة؟ ده زول تباروهو الدلال ده؟
    عندها نظر له محجوب نظرة بريئة جدا اظهرت حالة مسكنة لم أعهدها في محجوب الماحي مطلقا، ولكنه يبدو انه قصدها، وقال له بصوت بريء جدا: ولدنا المحترم من وين؟ فقال الضابط: من الخرطوم من هنا. لا يا ولدي من ياتو بلد اصلا.. يعني ابوك.. من وين ابوك ان شاء الله يكون حي وربنا يديم عليه الصحة والعافية؟ من وين انتو جايين يا ولدي؟
    جدد محجوب سؤاله وقلت بيني وبين نفسي، ابوك ده داير يصل وين متمسكن للزول ده.. لو خلاني ليهو والله عكازي إلا يتكسر فوق ضهرو.. قربت انفجر فيه إلا أنه قال لمحجوب وكأنه يفتخر: انت داير شنو يا متهم.. انا جعلي، نحن جعليين رحلنا من جبل أم علي للجزيرة. فتحدث محجوب بصوت بدأه هادئا ولكنه حمل حسم وقوة في نفس الوقت، وقال له: انا زاتي يا ولدي جعلي زيك وزي ابوك.. بس كان ماك عارف، نحن الجعليين غير عتالية وعربجية شغالين شنو؟ مهنة أغلبية أهلنا في المدن عتالة وبتاعين كارو، أكان ما عارف أعرف.. فاهم؟ ما تستهزئ بمهنة زول تاني طالما انت جعلي ومهنة العتالة بتاعة اهلك الجعليين مهنة محترمة.. وريني الدلالة فيها ايه كعب؟ مهنة شريفة ونظيفة وبتربي أسر بشرف. وبصوت أكثر قوة أضاف محجوب: تاني ما أسمعك تستهزئ بمهنة زول.. الكلام ده فاهمو؟
    عندها ارتحت في مقعدي واسترخيت تماما بعد توتر، وقلت لنفسي محجوب بقى المحقق والضابط اصبح معتقلا.. خلاص كسبنا الجولة.. ابوك يا ولدي يا عصام كان عليه ان يكون قانونيا.. محاميا او قاضيا.
    ليس هنالك مثل أحمد خير عندما ينفتح في الحديث ليحكي احداثا ومواقفا مر بها. واصل قائلا: بتاع الأمن عِرِق برغم أن الوقت كان شتاءا.. مسكين ذلك الضابط فقد بدأ حديثه معنا بخطأ كبير استغله محجوب وجعل الضابط يفقد عنصر المبادرة.. اول حاجة كونه انه جمعنا الإتنين في غرفة واحدة، ده كان خطأ كبير منو.. لكن يمكن أساسا كان عنده تعليمات يفكنا بس داير يتفلسف شوية ويعمل فيها محقق فسمع من ابوك الكلام الجد جد.. ولذلك عاد لسؤاله الأول ولكنها عودة مكسورة، فردد سؤاله وقال وهو ينظر الي انا هذه المرة: من كان معكم في مؤتمر خالكيزا في اليونان؟
    لم اكن أظن ان أحمد خير يمكن ان يكون ممثلا، برغم انني كنت كلما أراه اتذكر نجمي المفضل انتوني كوين، غير انه اقنعني بإمكانية أن يكون ممثلا بارعا بعد تمثيله امامي للمشهد الذي جمع والدي بضابط الامن المايوي في ذلك اليوم ليضعني في كامل الصورة وهو يقول لي: ابوك بلغ عنك.. قال للضابط جاء شباب كثر _ وكان يتحدث مقلدا طريقة معينة يتحدث بها احيانا والدي وأضاف اليها ان رسمت يداه الطويلتان شكل هندسي في الهواء خلته دائرة ولكن حركة يديه انتهت في شكل قلب، مواصلا حديثه _ جاء شباب وطلاب كثر لا أعرف أسمائهم والوحيد الذي اتذكره منهم هو ابني عصام فقد جاء من رومانيا، وفي بادئ الأمر رأيته قادما من البعد ولم أعرفه، ثم حين اقترب مني ليسلم علي...... يبدو أن محجوبا استعد بقصة وكان في نيته ان يسرح بالضابط، إلا ان زولنا بتاع الأمن فجأة أخذ أوراقه وخرج من الغرفة وتركنا انا ووالدك لوحدنا. ابدع احمد خير في تصوير المشهد بالكلمات وقال.. بدأت انظر لمحجوب _ ومن فوق نظارته نظر الي، فيما أظن ذات النظرة التي تبادلها مع والدي، ثم واصل _ بدأت انظر لمحجوب مستغربا، وهو ينظر الي دون أن يحرك ساكنا وانا مندهش ولم اعبر عن استغرابي إلا بنظرتي إليه.. ولولا بعض حياء لانفجرنا معا ضاحكين، كتمت ضحكتي احتراما للجدية التي كانت تكسو ملامح محجوب فجعلتني أقول.. لله في خلقه شئون، ولزمت الصمت الى ان انتقلنا لحالة أخرى في الحبس الذي لم يطل في هذه المرة فقد تركونا نذهب وربما قالوا الزول الذي يبلغ عن ولدو اتركوه يمشي بيتو بدل يجننا معاه.
    كيف ترى اخي خالد، الذكريات والأحداث التي تبدو قريبة برغم طول مسافة الزمن التي تفصلنا عنها؟ أراها وكأنها مشاهد من روايات الخيال اللإنساني، وهي في الحقيقة جزء من مسرحية السياسة والوطن التي يجري عرضها ويتبادل تمثيلها أجيال. جيل يستلم ازمة نكرة، ويسلم الآخر ازمة غير معرفة ولو بالاف واللام. جيل يستلم الأزمة معرفة ومعروفة، ولا يفعل فيها غير أن يرحلها لجيل آخر بذات تعريفاتها، وهكذا دواليك منذ الاستقلال. نحن في سباق تتابع حاملين الأزمة، تارة نكرة وتارة معرفة، ونتبادلها وندور بها في ذات المضمار الى ما لا نهاية فليس هنالك ميس.. وأحيانا تقف امامنا حواجز لا نقفز فوقها وإنما نصطدم بها وهكذا نتخطاها وتتكسر كل قواعد التنافس، ومع ذلك يستمر السباق في ذات المضمار حيث الميس سراب.
    * رمضان محجوب: صباحكم خير. ما أروع والديكما عصام وخالد وهما يمنحاننا دروسا شتي لتذكرنا بتلك الكوة في نفق الطريق. نسأل الله الرحمة والمغفرة لمن سبقنا من اولئك الأفذاذ وأوفر الصحة والعافية لمن هم بيننا يمنحوننا دون مَن او أذى من عصير تراكم خبراتهم وحكمتهم ومن معينهم الذي يأبى نضوبا.
    (ثم رفع رمضان مع مداخلته باقات من الزهور والورد.. فشتلتها جوه قلبي. ياااااه كم احب شتل الورد والزهر).

 

آراء