قصص وغرائب عن الشخصية السودانية: سائق تاكسي سوداني .. عرض/ د. عادل عبد العزيز حامد

 


 

 

عرض د.عادل عبد العزيز حامد
مركز سما العالمي للإستشارات – بريطانيا

قصة حقيقية :
"كنت وقتها ضابط برتبة المقدم في الجيش و أسكن في منزل بالإيجار ، في إحدى الليالي حصل خلاف كبير بيني
وزوجتي ، و وصلنا حد الطلاق لسبب بسيط لم أعد أذكره و أصرت أن أرجعها لبيت أهلها في ذلك الليل البهيم و تعالت الأصوات ، وصراخ الطفلين !!!
و لما لم أكن أملك سيارة وقفت في الشارع و صادفت سائق تاكسي هنتر(عربة انجليزيه مشهورة فى ذالك الزمان) راجع الي بيته بعد سهرة عمل شاق ، وكان كل من السائق والتاكسي قد بلغ من العمر عتياً و لكنها المعايش الجبارة !!! ،
ركبت زوجتي و معها الطفلين في المقعد الخلفي ، وتكومت أنا مرهقاً في المقعد جوار السائق ،
أثناء المشوار لم تكف زوجتي عن النقة ووصفي بأثقل وأعنف الألفاظ ، وتصرخ في الأطفال و هم يبكون
عبرت السيارة الكبري وطوال الوقت هي تهرج وتتكلم بعنف و أنا مرهق وزاهد في الكلام وساكت ولم أرد عليها
فجأة أوقف عمنا العجوز التاكسي وبدأ ينهر في زوجتي
ويصيح في وجهها وكأنه أبوها أو أحد أعمامها ،، ويقول ليها: هسي دا سبب عشان تخربي بيتك وتضيعي الأطفال ديل ؟؟!!!
و أنا شاهد الزول دا ساكت وصابر طوال المدة دي ولم يرد على إساءاتك !!!
و أصر عليها تسكت و قال لها لا أريد أن أسمع صوتك خالص فاهمه الكلام دا ولا ما فاهمه !!!
و فجأة لف العربية و عكس اتجاهه راجعاً الى مكان أخذنا
طوال فترة الرجوع و لأن المشوار طويل و بعد أن سكتت زوجتي ولم ترد ولا بكلمة واحدة وضربنا الهواء البارد و ما زلت أذكر نوم الأطفال المرهقين في التاكسي
رجعنا البيت و حمل السائق العجوز أحد الأطفال الى داخل البيت معنا !!! وأشار الى زوجتي قائلاً: "كان دايرة طلاق وتخربي بيتك شوفي ليك سواق تاكسي غيري !!!
و أشار على قائلا: "على الطلاق ما تدفع حق المشوار"
وخرج مسرعاً و أنا أتابع صوت التاكسي يتلاشي في ذلك الليل وفي ذلك الحي البعيد في طرف المدينة وفي ذات الوقت يتلاشي إنفعال زوجتي !!! وتهدأ الأحوال !!
لم تمهلني الدهشة والخجل وذلك الخليط من الشعور أن أسجل رقم التاكسي و لا اسم عم زوجتى أقصد عمنا السائق عن اسمه و عنوانه !!!
تقدمت في العمر و العيال كبرت و تدرجت في الرتب العسكرية و صرت ضابطاً عظيماً وصلت رتبة اللواء ونزلت معاش 88 وأمتلكت سيارة ،
ولكن كل ما أمر على سيارة تاكسي صفراء هنتر أو هيلمان ينتابني شعور إطمئنان وإمتنان و أتفحص وجه السائق لعلي أعثر على ذلك الضابط أقصد سائق التاكسي العظيم !!!
أو أقول لكم هو فعلاً ضابط عظيم !!!
إذ ما هي العظمة وهذا الرجل ضبط حياتنا وما زالت زوجتي تذكره بالخير و أنا أمازحها و هي تداعب حبات المسبحة و تتمتم: "سواق التاكسي فضله علينا كبير !!!"
هذا شعب عظيم وكل فرد منه عظيم بتربيته السودانية الأصيلة ويستاهل أن يضحي الجميع لأجل وطنهم ،
ندعو ربنا أن يهدي الجميع لمصلحة وطنهم ...
(اللهم ارزقنا سواق هنتر ملهم؛
عشان يسوق البلد دي الي بر الأمان!!!) .

اي تعليق على هذه القصة ربما يفسدها تماما. هذا الرجل العظيم او هذا الضابط العظيم كما اسماه اللواء صاحب القصة تغمص شخصية والد الزوجة واعتبرها ابنته وعرف ان السبب تافه ولايرغب ان يكون سبباً للطلاق وخراب البيت وقرر ان يرجعها إلى المنزل وتبع القرار بالعمل دون أن يشاورهما او يناقشهما ولعل الشعور بالواجب والمسؤولية هو الذي فرض عليه الأمر. وفوق ذالك رفض ان ياخذ اي اجر على هذا المشوار وإنما احتسب أجره على الله.
يا له من شعب عظيم وعجيب.

 

Skyseven51@yahoo.com

 

آراء