قصور وفيلل.. خلف الأسوار!
7 January, 2010
الفاضل حسن عوض الله
سطر جديد
المستعمرات الإنعزالية أو الأماكن المحددة التي تستوطنها بعض فئات المجتمع بطوعها أحياناً أو بفعل السلطة أو السطوة الاقتصادية في أحيان أخرى.. هذه الجزر المنعزلة يطلق عليها الغربيون مصطلح (الغيتوهات)، ولعل أبرز أمثلتها أكواخ الصفيح التي عاش فيها السود في جنوب أفريقيا إبان الفترة العنصرية، وكذلك الضواحي الفقيرة في المدن الأمريكية الكبرى مثل نيويورك والتي تحتشد فيها الأعراق السوداء والطبقات الدنيا من المهاجرين الآسيويين واللاتينيين وغيرهم.
هذا النمط من مستعمرات (قاع المدينة) عرفته الخرطوم منذ بواكير الستينات كنتاج طبيعي للهجرة من الريف للمدن ومن أمثلتها (كرتون بحري) والذي أُسمي لكون (قطاطيه ورواكيبه) كانت من الكرتون في ذاك الزمن حيث كان هذا الحزام يحتل منطقة شمال الخرطوم بحري. أيضاً من أمثلته منطقة القماير في شمال أمدرمان القديمة إلى جانب أمثلة اخرى تتجسد في منطقة (عشش فلاتة) وأحزمة أخرى ظلت تنمو وتطوق العاصمة المثلثة من كافة جنباتها فيما عُرف لاحقاً بالسكن العشوائي.
أحزمة الفقر هذه كانت تغيب عنها سلطة الدولة ما أن تغرب الشمس وأحياناً في وضح النهار حيث تحكمها شريعة الغاب وفي أحيان أخرى تُحكم بواسطة الأعراف القبلية والعرقية، والمساحة العازلة ما بين جمهوريات الفقر هذه وقصور الأثرياء (على قلتها في ذاك الزمن) كانت تتمدد فيها الطبقة الوسطى التي تشكل قوام سكان العاصمة.. هذه الطبقة الوسطى ظلت صمام الأمان الذي يمتص الإحتقان الاجتماعي ويحتوي فتيل الإنفجار ما بين سفح وقمة هذا الهرم الاجتماعي.
الآن تغير الوضع تماماً حيث ذاب وأضمحل حزام الطبقة الوسطى العازل وأًصبح أبناء هذه الطبقة كماً مضافاً لمستوطنات الفقر بفعل القهر الاقتصادي الذي عصف بهذه الطبقة وأنهى دورها العازل الذي ينزع فتائل الإحتقان، وبقيت قصور الأثرياء – التي تطاولت وأشرأبت للسماء على الرغم من ضآلة تعداد أهلها الذي لا يتجاوز 5% من المجتمع- بقيت هذه القصور عارية ومكشوفة تتوجس من إلتحام الطبقة الوسطى في أتون البؤس مع جيرانها من أحزمة الفقر.
لذلك إنقلبت الآية فبعد أن كانت المستعمرات الإنعزالية هي ملاذ الفقراء والنازحين، راح الأثرياء يبنون (مستعمرات الثراء) في شكل قصور وفيلل تطوقها الأسوار والأسلاك الشائكة ويحيط بها حراس مدججون مستأجرون، وتضم في داخلها أسواق ومدارس وأماكن ترفيه ومطاعم وأندية وحمامات سباحة رفيعة المستوى. هكذا راحت (مستعمرات الثراء) هذه تزداد عزلة وتوجساً خلف أسوارها المنيعة وفي فيللها الباذخة التي يقارب ثمن الواحدة منها منها مليون دولار.
هذه المعادلة المختلة تمثل مؤشراً خطيراً تغض كافة قوانا السياسية والاجتماعية البصر عنها وهي منهمكة في التنظير في أزمة دارفور والجنائية وصراع أبيي وتحالفات الإنتخابات!!