قضايا: هل يحق للسمسار تقاضي عمولة من البائع والمشتري معاً؟ .. ترجمة: عبد المنعم عجب الفَيا

 


 

 

محكمة الاستئناف (العليا)(1)

ثيودور اتش. ابستوليو ............................ مستأنف
ضد
ألبيرت إيه. نهمياس ......................... مستأنف ضده

موجز وقائع الدعوى:
المدعي سمسار وقد طلب منه المدعى عليه أن يقيم مزاد علني عام لبيع أصول شراكة محلولة. تم الاتفاق بين المدعي والمدعى عليه وطرف ثالث على أنه إذا رسا المزاد على الطرف الثالث يدفع الأخير للمدعي عمولة شاملة قدرها 100 جنيه على ألا يدفع المدعى عليه، شيئاً.
غير أن المزاد لم يرسو على ذلك الطرف الثالث ورسا على مشترٍ آخر وقد دفع هذا المشتري للمدعي عمولة قدرها 700 جنيه. استلم المدعي هذه العمولة ثم طالب البائع (المدعى عليه) أن يدفع هو الآخر عمولة بنسبة 5% من عائد البيع.
أصدر القاضي الجزئي حكماً برفض الدعوى وأمر بشطبها برسومها. فاستانف المدعي إلى "المحكمة الأعلى" التي حكمت لصالحه بمبلغ 773.500m جنيهاً مع الرسوم. فاستانف المدعى عليه إلى محكمة الاستئناف (العليا) والتي قضت بأن المدعي يستحق فقط لتعويض اسمي قدره 5 جنيهات.

خلاصة أسباب الحكم:
1- السمسار وكيل عن البائع والمشتري ويستحق أن يتقاضى أجراً (عمولة) من البائع والمشتري، ما لم يوجد اتفاق صريح يقضي بغير ذلك.
2- إذا لم يكن هناك اتفاق بين البائع والسمسار على عمولة، تقدر العمولة بحكم العرف والعادة المتبعة في البيع بالمزاد وإذا لم يثبت وجود عرف أو عادة متبعة، يستحق السمسار لتعويض عادل ومنصف بحسب ظروف القضية.
1- وفي هذه الدعوى لا يستحق السمسار المدعي من البائع (المدعى عليه) إلا لتعويض اسمي فقط، قدره، 5 جنيهات.

حكم محكمة الاستئناف (العليا)

21 ديسمبر 1959
القاضي/ عبد المجيد إمام:
هذا طلب مراجعة(2) مقدم من المستانف (المدعى عليه) ضد قرار قاضي المحكمة الأعلى بالخرطوم المؤرخ 2 يونيو 1959 والذي أمر فيه بالحكم للمدعي (المستانف ضده) بمبلغ 773.500m جنيهاً شاملة الرسوم. وكان قاضي المحكمة الجزئية قد أمر في قراره الصادر في الأول من سبتمبر 1959 بشطب الدعوى برسومها.
وتتلخص وقائع الدعوى في الآتي:
المدعي (المستانف ضده) "ألبرت إيه. نهمياس" يعمل سمساراً/ دلالاً auctioneer في المزاد العام. طلب المدعى عليه (المستانف) "ثيودور اتش. ابستوليو" من المدعي بموجب رسالة مؤرخة 13 نوفمبر 1956 تنظيم مزاد عام public auction لبيع أصول الشراكة المحلولة (السادة/ جي ان ستاماتبولوس، و تي. زد. زافاريز وشركاؤهم) بالخرطوم.
وبناء على هذا الطلب قام المدعي بتنظيم المزاد والإعلان عن مكان وزمان المزاد وشروط البيع وأدنى سعر reserve price
أقيم المزاد بواسطة المدعي في يومي 17 و23 على التوالي من شهر نوفمبر 1956 وبيعت الأصول ورسا المزاد على صاحب أعلى عطاء أو سعر highest bidder وبيعت الأصول إلى Boxall and Company "بوكسول وشركائه" بمبلغ 14.000 جنيه. استلم المدعي من المشتري مبلغ 700 جنيه عبارة عن عمولته ثم سلم عائدات البيع كاملة إلى المدعى عليهم (المستانف).
قام المدعي برفع دعوى لمطالبة البائع (المدعى عليه) بعمولة commission بنسبة 5% مدعيا أنها هي العمولة المتعارف عليها في السوق والمستحقة من كل من البائع والمشتري بحسبما ذكر المدعي في عريضة دعواه أمام المحكمة الجزئية.
أنكر المدعى عليه (المستانف) وجود عمولة متعارف عليها في السوق كما دفع بعدم وجود أي اتفاق على دفع عمولة وذهب إلى أنه في ظل غياب اتفاق فإن المدعي لا يستحق أي عمولة. أقر المدعي بأنه لم يكن هناك اتفاق بينه وبين (البائع) المدعى عليهم على عمولة محددة وأصرّ على وجود عرف تجاري بدفع نسبة 5% عمولة.
وكان قد تم الاتفاق، قبل قيام المزاد، بين المدعي والمدعى عليه من جهة وطرف ثالث هو Stamatopoulos "ستاماتبولوس" من جهة أخرى، وفحواه أنه إذا رسا المزاد على ستاماتبولوس يدفع الأخير للمدعي مبلغ إجمالي قدره 100 جنيه على ألا يطلب المدعي شيئا من المدعى عليه.
غير أن هذا الاتفاق أجهض لأن المزاد لم يرسو على "ستاماتبولوس" وإنما رسا لصالح "بوكسول وشركائه Boxall and Company وبالتالي لم تعد تلك الاتفاقية ملزمة للاطراف ومع ذلك تظل على ارتباط بهذه الصفقة كما سنرى أدناه.
وكان قاضي "المحكمة الأعلى" قد طرح في سياق النظر في طلب المراجعة النقاط القانونية التاليه: "أرى أن طلب المراجعة يمكن الفصل فيه مباشرة بالفصل في هاتين النقطتين:
أولا: في ظل غياب اتفاق اتفاق مكتوب أو شفهي بين البائع والسمسار هل يكون السمسار مستحقا لأي أجر؟
ثانيا: إذا كان السمسار مستحقا لأجرـ فهل يجوز له أن يتحصل على أجر من كل من البائع والمشتري، وإذا كان ذلك كذلك فما مقدار هذا الأجر؟".
ونحن نرى للفصل في هذه النقاط أنه من المبادىء الراسخة في القانون أن السمسار الذي يتعهد بالبيع بالمزاد يكون بحكم طبيعة عمله وكيلا عن كل من البائع والمشتري، ولذلك فهو يستحق في حال عدم وجود اتفاق صريح لأجر بموجب العقد الضمني وذلك "بالقدر الذي يستحقه" quantum meruit من البائع والمشترى معا.
وقد عالجت المادة 58 من قانون بيع البضائع لسنة 1893 وضع السمسار مع بعض الضوابط التي يجب توفرها في حالة البيع بالمزاد. ويمكن بسط القاعدة العامة في ذلك كما يلي: "عندما يبيع السمسار فهو وكيل عن البائع فقط ولكنه عندما يقوم بالتوقيع على اجراء أولى كجزء من الصفقة أو عند التوقيع على العقد أو مذكرة العقد فإنه لأغراض ذلك يعد وكيلا عن المشتري أيضاً". (هالسبيري، قوانين إنجلترا، ص 71).
وعن دفع البائع أجر السمسار المستحق، يقول المرجع المذكور ص 84: "يجوز تحديد أجر السمسار المستحق من البائع باتفاق صريح على المبلغ وشروط دفع الأجر. وفي حال عدم وجود اتفاق صريح يتحدد الأجر بالعرف إن وجد، وإذا لم يوجد عرف يمكن تطبيقه، فيستحق السمسار أجرا معقولا ومنصفاً. وفي كثير من الأحوال عندما يقوم السمسار بانجاز كل المطلوب منه يحتسب أجره بنسبة مئوية وفقاً للعرف المتبع".
وفي هذه الدعوى الثابت أن المدعي (المستانف ضده) قد قام بكل ما تعهد به من أجل المزاد فهو قد أصدر الإعلانات عن المزاد ونظّم وأدار عملية البيع وباع في النهاية لشركة "بوكسول" التي رسا عليها المزاد ثم سلم عائدات البيع إلى المدعى عليه (المستانف) وبذلك يكون مستحقا للأجر بموجب العقد الضمني.
ولكن السؤال هو ما مقدار الأجر الذي يستحقه المدعي من البائع في هذه الدعوى؟
وفقا للقانون يجب أن يكون الأجر في حال عدم وجود اتفاق منصف ومعقول بحسب العرف أو العادة المتبعة. وعلى المدعي إقامة البينة على هذا العرف أو العادة ولا يجوز للمحكمة أن تأخذ علما قضائيا من تلقاء نفسها بذلك.
وبانزال هذه المبادىء القانونية على وقائع الدعوى نجد أن محكمة أول درجة قد وجدت أن البينّات المقدمة من الطرفين لاثبات أو نفي وجود هذا العرف، متضاربة و لا يعول عليها وينبغي طرحها.
كذلك وجدت "المحكمة الأعلى" أن البينة المقدمة في هذا الشأن unreliable لا يعوَّل عليها. وللمحكمتين الحق في وزن البينة فلها الحق في قبول هذه البينة ورفض تلك وفق القانون. ونحن لا نتدخل فيما استخلصته المحاكم الأدني من وقائع إلا في حالات استثنائية. وكانت المحكمة الأدنى قبلت رسالة من "السكرتير الإداري" السابق أبرزها المدعي (المستانف ضده) لترجيح ميزان البينات لصالحه ولكن هذا المستند (الرسالة) لا يجوز قبوله في الاثبات.
والآن وحيث أنه لم يثبت لدينا وجود اتفاق بين البائع والسمسار على أجر محدد كما لم يثبت وجود عرف أو عادة أو نسبة مئوية متعارف عليها، فيلزمنا الرجوع إلى الأحكام العامة لعقد الوكالة. والقاعدة العامة في قانون الوكالة هي:
"ليس للوكيل الحق في المطالبة بأجر من الموكل ما لم يكن هناك اتفاق على أجر صراحة او ضمنا. وفي حالة عدم وجود اتفاق صريح فانه يجوز استخلاص الاتفاق من الظروف والقرائن بحسب الحالة، وللمحكمة في سبيل تحديد مقدار هذا الأجر ان تبحث في المفاوضات السابقة بين الأطراف. ولكن إذا تُرك تقدير مبلغ الأجر لاختيار الموكل فلا يجوز للمحكمة التدخل في تقدير مبلغ الأجر أو في الأسس التي يحتسب على أساسها. وفي هذه الحالة إذا لم يدفع الموكل عمولة فإنه لا يجوز للوكيل المطالبة بأي عمولة"(3).
وهنا في هذه القضية التي أمامنا لا توجد أي إشارة بمحضر الدعوى تدل على أن تقدير مبلغ العمولة قد ترك لخيار المستانف (المدعى عليه) بل أن المدعى عليه قد أكد جازماً انه لم يكن في نيته أن يدفع أي عمولة للمدعي كما أن المدعي قد أسس دعواه على العرف والعادة ولم يؤسسها بالقول إن تقدير مبلغ العمولة قد ترك لاختيار المدعى عليه.
ولكن الثابت ان المدعي كان قد وافق على أخذ مبلغ 100 جنيه كعمولة من المدعو "ستاماتبولوس" على ألا ياخذ شيئا من المدعى عليه. غير أن هذه الاتفاقية قد اجهضت بسبب أن المزاد لم يرسو على "ستاماتبولوس" وإنما رسا على شركة "بوكسول" ومع ذلك تضع هذه المحكمة الاتفاقية في الاعتبار عند تقدير الأجر المستحق. فالمدعى عوضا أن يستلم ميلغ 100 جنيه استلم في الواقع مبلغ 700 جنيه من المشتري، وعليه نرى أنه لا يستحق سوي تعويض اسمي قدره مبلغ 5 جنيهات.
يبدو إن عادة تحديد عمولة ثابتة للبيع بالمزاد لا تزال في السودان أو الخرطوم بالأحرى في طور التأسيس ولم تتبلور بعد في عرف راسخ يؤخذ به وفي هذه الحالة يكون من الغفلة بمكان ألا يضْمَن السمسار حقه باتفاق كتابي أو شفهي.
لما تقدم من أسباب نرى أن هذا الطلب يجب أن يقبل جزئيا لكي يستحق المستأنف ضده (المدعي) فقط لتعويض اسمي nominal damages قدره مبلغ 5 جنيهات زائد المصاريف وتقدر بمبلغ 54.500ms.

القاضي/ محمد أحمد أبو رنات/ رئيس القضاء:
أوافق.

هوامش:
(1) ترجمناها من الإنجليزية إلى العربية عن "مجلة الأحكام القضائية السودانية لسنة 1959 ص74 ، Sudan Law Journal and Reports, 1959 وكانت المحاكم السودانية تصدر الأحكام القضائية بالانجليزية حتى سنة 1970.
(2) كان الاستئناف آنذاك يقدم في شكل طلب مراجعة.
(3) تناظر هذه القاعدة في قانون الوكالة نص المادة (438) من قانون المعاملات المدنية السوداني لسنة 1984 والتي تقرأ: "على الموكل أداء الأجر المتفق عليه للوكيل متى قام بالعمل، فإن لم يتفق على الأجر، فله أجر المثِل وإلا كان متبرعاً". انتهى. أي إذا لم يثبت أجر المثِل لا يستحق الوكيل شيئاً، والمعلوم أن أجر المثل يحدد بحكم العرف أو العادة المتبعة في الحالات المماثلة. (المترجم).

عبد المنعم عجب الفَيا – 27 سبتمبر 2022

 

abusara21@gmail.com
///////////////////////////

 

آراء