قلب العالم ينبض مصري … بقلم: د. حسن بشير محمد نور – الخرطوم

 


 

د. حسن بشير
1 February, 2011

 


أصبحت حركة الشارع المصري الضابط الأساسي للإيقاع العالمي في السياسة والاقتصاد. ارتفعت نبضات قلوب الناس في معظم العواصم والأصقاع العربية ومناطق اخري من العالم الثالث أملا في سطوع شمس الحرية والديمقراطية وفعل الشعوب وصولا الي العيش الكريم ونيل الحقوق المشروعة في الحياة والمشاركة الفاعلة في صنع مصيرها بيدها بدلا عن الأيدي الخفية في الداخل والخارج، التي تحرك دفة الحياة وسط عواصف الفقر والمعاناة والبطالة والضياع. اما في الدول الغربية التي تدعي الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان فقد ارتفعت ضربات القلوب خوفا من (انقلابات) الشعوب وليس الانقلابات العسكرية وحالات الطوارئ في هذه المرة. ارتجفت تلك القلوب خوفا علي مصالحها التي تحافظ عليها أنظمة مفروضة علي الشعوب مكروهة منها تحكم العلاقة بينهما جسور وأسوار من انعدام الثقة والتوجس والخوف. كيف لا والمنطقة ترقد فوق براميل من البارود وأخري من النفط. ان الخوف علي مصير اتفاقيات كامب ديفيد وتطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول المنطقة قد أصبح طاغيا في علاقة متداخلة مع التأييد الطويل لقمع الأنظمة المستبدة والطغيان الإسرائيلي مجتمعة. لذلك ساد الارتباك المواقف العربية التي أصبحت تلهث خلف مجريات الأحداث دون ان تلحق بها إذ أن الشعوب التي انتفضت في تونس ومصر وحراك شعوب دول اخري في المنطقة لا زال يسجل الهدف تلو الأخر في مفاجآت بلا نهاية رغم كل الدفاعات المستحكمة التي توضع في طريقها. هذه السيناريوهات لم ترصدها حواسيب المخابرات في دول المنطقة والدول الغربية كما لم تتوقعها شياطين انسها وجنها مما شكل كابوسا لا علاج له.
لم يختلف نبض الأسواق عن ذلك الواقع فقد سجلت البورصات خسائر رأسمالية قدرت بمليارات الدولارات مما يصب المزيد من النيران فوق اللهب المشتعل للازمة الاقتصادية العالمية التي لم تصل الي خواتيم فصولها بعد. الخسائر امتدت من مصر الي بورصات دول المنطقة المعلن منها والمستتر خاصة وان هناك عدد من الأسواق المالية العربية ذات الحركة النشطة التي لا تتوفر فيها شروط الإفصاح والشفافية اللازمة، لكن التعتيم لا يقف عند هذا الحد وإنما يصل الي بيانات أسواق المال الغربية التي أصبحت تخفف من حقائق البيانات السالبة للتخفيف من اضطراب الأسواق وانفلاتها. لا يظن احد ان ارتفاع أسعار البترول يمكن ان يعوض الخسائر الرأسمالية حتي بالنسبة للدول المصدرة للبترول. يحدث ذلك نسبة لجسامة الخسائر في القيم الرأسمالية للأسهم والسندات والأصول المورقة كما ان خسائر الكثير من القطاعات الاخري تجر وراءها سلسلة من الآثار السالبة المعمقة لحالات الركود وتراجع معدلات النمو وتحقيق الأرباح. يحدث ذلك ايضا بسبب خسائر قطاعات مثل النقل للركاب والبضائع بمختلف إشكاله، ركود قطاع السياحة، خسائر قطاعات التمويل والمصارف ، تدفقات رؤوس الأموال تراجع الإنتاج والاستهلاك، خاصة وان السوق المصرية هي اكبر الأسواق في منطقة الشرق الأوسط مما يجعل أثرها علي المنطقة حاسما مما يجر تداعيات عالمية طالت حتي أسعار الذهب الذي سجل تراجعا هو الأكبر منذ ستة اشهر. يضاف ذلك الي حقيقة تحكم مصر في 7% من حجم التجارة العالمية عبر ممر قناة السويس فقط، مع ملاحظة ارتفاع ثقل تلك النسبة اذا علمنا ان جزءا مهما من تلك النسبة هو من المواد البترولية بالغة الحيوية للاقتصاد العالمي.
من الآن فصاعدا لن يستطيع احد التكهن بمآل الأمور والعاقل من اتعظ بغيره. هذا الحراك كان امتدادا لما حدث نهايات القرن الماضي وبداية الألفية الثالثة عند شروق شمس العولمة الاقتصادية وانتشارها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. كانت اول التحركات الدراماتيكية في ذلك الوقت تحرك النظم في دول أمريكا اللاتينية في اتجاه أنظمة ذات توجه اشتراكي يغلب الجوانب الاجتماعية في سياساته كما حدث في فنزويلا، بوليفيا ، البرازيل، الأرجنتين ، سلفادور ، نيكاراغوا والعديد من دول أمريكا اللاتينية والوسطي التي تحدت التوجه العالمي نحو سياسات التحرير الاقتصادي وانفتاح الأسواق والخصخصة، النتيجة كانت ان سجلت تلك الدول استقرار كبيرا واستطاعت امتصاص الضغوط الأمريكية عليها كما استطاعت التخفيف الي حد كبير من صدمة الأزمة المالية العالمية. أكثر من ذلك فقد حققت بعض تلك الدول تقدما اقتصاديا واجتماعيا مذهلا كما هو الحال في البرازيل في عهد الرئيس السابق لولا داسيلفا وفي تشيلي، الي درجة جعلت من الاقتصاد البرازيلي واحدا من اكبر الاقتصاديات الصاعدة في العالم وأصبحت دولة فاعلة في مجموعة العشرين.
أما بالنسبة لنا في السودان فقد تراجع الاهتمام العالمي بنا خاصة في المجال الإعلامي، منذ انفجار البركان الشعبي في تونس الذي لم يتوقف بعد ذلك. واحدا من أسباب تراجع الزخم الإعلامي حول السودان هو عدم حدوث الإثارة المتوقعة لاستفتاء الجنوب الذي مر بسلاسة وتنظيم وحسن إدارة غير متوقعة وقطع ذلك الطريق علي توقعات المجازر والإبادة وان يذبح السودانيون في الشمال والجنوب بعضهم البعض. لم يحدث شيء من ذلك وبالتالي فان العالم قد فهم ان ما يدبر ويحاك لنا يتم في سلام وبدون مشاكل تذكر فكر عائدا الي مواقعه للاهتمام بقضايا تسجل سخونة أكثر في ترمومتر مطابخه. بهذا فان العالم يقدم لنا كل يوم درس جديد وأمثلة للاستفادة منها عسي ان نفعل شيئا نبدل به واقعنا، في حالة سودانية استثنائية كما هو حال السودان الذي يعتبر في كثير من الحالات استثناءا لقواعد عالمية وإقليمية. غض النظر عن ما ستتمخض عنه الثورة المصرية في مخاضها العسير وواقعها الملتبس حتي الآن إلا أنها ستسطر تاريخا جديدا ستتبدل بعده الكثير من ثوابت المنطقة التي نعيش فيها وستكون النتائج هذه المرة اكبر ومختلفة نوعية عن نتائج نكسة العام 1967م، وأكثر عمقا من نتائج انتصار أكتوبر 1973م الذي أجهض في كامب ديفيد، هذا حدث له ما بعده وعلينا التأمل وانتظار النتائج والاستمتاع بالإثارة والتشويق التي تفوق أفلام (الاكشن) ومباريات كرة القدم الساخنة.
hassan bashier [hassanbashier141@hotmail.com]

 

آراء