قوات الدعم السريع: قراءة في الإطار السياسي والقانوني (3/4)

 


 

 

1
تطرّقنا في المقال الأول في هذه السلسلة من المقالات إلى الملابسات السياسية والعسكرية التي نشأت من خلالها قوات الدعم السريع، والخلفية لإصدار قانون قوات الدعم السريع لعام 2017. وناقشنا بصورةٍ موجزة مواد القانون المختلفة وشرحنا الكيفية التي أكّد القانون من خلالها استقلالية هذه القوات، وبروزها كقوةٍ موازيةٍ للقوات المسلحة السودانية. وكانت خاتمة ذلك المقال أن قوات الدعم السريع قد خرجت، في حقيقة الأمر، من رحم الحركة الإسلامية الحاكمة وقتها، ورضعت من ثديها، ونمت واستطالت في حضنها.
وتناول المقال الثاني التعديل الأول لقانون قوات الدعم السريع الذي أصدره الفريق عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس العسكري الانتقالي في شهر يوليو عام 2019. وقد أوضحنا في ذلك المقال التمدّد في عدد قوات الدعم السريع منذ إنشائها عام 2013، لتصل إلى أكثر من 70 ألف فرد عام 2019، والتوسّع الكبير في مهامها. كما أوضحنا الترقيات السريعة التي حصل عليها حميدتي ووصل بموجبها إلى رتبة فريق، والتحالف الوطيد بين الرهان وحميدتي. وجادلنا أن تلك الحقائق على الأرض هي التي قادت إلى التعديل الأول للقانون الذي توسّعت وتمدّدت بموجبه مهام قوات الدعم السريع وقائدها الفريق حميدتي.K
سوف نتناول في هذا المقال التعديل الثاني لقانون قوات الدعم السريع لعام 2017 الذي أصدره الفريق البرهان في نفس الشهر الذي أصدر فيه التعديل الأول. وسوف نوضح في هذا المقال الكيفية التي تم بموجبها إلغاء مسألة دمج قوات الدعم السريع مع القوات المسلحة. وسوف نختتم المقال بمناقشة انعكاسات قانون قوات الدعم السريع، وهذين التعديلين، على الطريقة التي تعاملت معها الوثيقة الدستورية لعام 2019 مع قوات الدعم السريع.

2
صدر التعديل الثاني لقانون قوات الدعم السريع في 30 يوليو عام 2019، بعد أقل من ثلاثة أسابيع من التعديل الأول (والذي صدر في 11 يوليو عام 2019)، وقبل أقل من ثلاثة أسابيع من الاتفاق على الوثيقة الدستورية وصدورها في 20 أغسطس عام 2019، كما سنناقش لاحقاً.
ومثل التعديل الأول فقد صدر هذا التعديل من ما تمت تسميته المجلس العسكري الانتقالي، وانبنى على المادة 11 (هاء) من المرسوم الدستوري رقم 8 لسنة 2019. وقد تمّت تسمية التعديل "المرسوم الدستوري رقم 34 لسنة 2019"، ووقّع عليه الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان عبد الرحمن، رئيس المجلس العسكري الانتقالي. دخل التعديل حيز النفاذ يوم صدوره – 30 من شهر يوليو عام 2019. ويقرأ التعديل:
"1. تُلغى المادة 5 من قانون قوات الدعم السريع لسنة 2017 (الخضوع لقانون القوات المسلحة) بجميع فقراتها.
2. يُعاد ترقيم قانون قوات الدعم السريع لسنة 2017 تبعاً لذلك."
ونعيد أدناه نص المادة 5 من القانون، والتي ناقشناها من قبل، من أجل إنعاش الذاكرة. تقرأ تلك المادة:
"5 (1) عند إعلان حالة الطوارئ أو عند الحرب بمناطق العمليات الحربية تخضع قوات الدعم السريع لأحكام قانون القوات المسلحة لسنة 2007 وتكون تحت إمرتها.
(2) يجوز لرئيس الجمهورية في أي وقتٍ أن يدمج قوات الدعم السريع مع القوات المسلحة وفقاً للدستور والقانون وتخضع عندئذٍ لأحكام قانون القوات المسلحة لسنة 2007."

3
وهكذا وبهذه البساطة المذهلة والوضوح التام، اختفت المادة 5 من قانون قوات الدعم السريع. لم تعد قوات الدعم السريع تخضع لقانون القوات المسلحة لسنة 2007 عند أعلان حالة الطوارئ أو عند الحرب بمناطق العمليات الحربية، وإنما يحكمها القانون الخاص بها – قانون قوات الدعم السريع لسنة 2017.
لكن الأهم من هذا، بل الأهم من كل فقرات التعديل الأول والثاني، هو إلغاء سلطة رئيس الجمهورية (والذي انتقلت صلاحياته إلى القائد العام للقوات المسلحة بموجب التعديل الأول) الخاصة بدمج قوات الدعم السريع مع القوات المسلحة.
انكسر السيف الذي كان مسلّطاً على رقبة قوات الدعم السريع، وتنفّس قادتها الصعداء. فقد نجحوا أخيراً في مسعاهم الأساسي ببقاء قوات الدعم السريع مُؤمَّنةً، مثلها مثل القوات المسلحة السودانية. لم تعد قوات الدعم السريع بعد ذلك التعديل التاريخي الهام مليشيا تتبع للقائد العام للقوات المسلحة (ومن قبله رئيس الجمهورية) يستطيع قانونياً أن يدمجها في القوات المسلحة متى ما شاء. بل أصبحت منذ ذلك اليوم جيشاً مستقلاً وقائماً قانونياً مثله مثل الجيش السوداني. وهكذا اكتملت كل أوجه المساواة بين الجيشين، وأصبحا جيشين متوازيين ومتساويين.
بل يمكن في حقيقة الأمر المجادلة أن قوات الدعم السريع تملك استقلاليةً أكبر في أمورها المالية والإدارية ومسائل التجنيد والعمليات. فليس عليها سلطاتٌ من وزير الدفاع أو من الجهاز التنفيذي كما هو الحال مع القوات المسلحة السودانية. بل يملك تلك الصلاحيات قائدها الذي أصبح عضواً في المجلس العسكري الانتقالي الذي يدير البلاد، بل ونائبأ لرئيس المجلس.
أصبح التحدّي المتبقّي لقوات الدعم السريع هو الكيفية الي سوف تتعامل بها الوثيقة الدستورية مع قوات الدعم السريع ومع مسألة الدمج، والبقاء مستقلةً ومنفصلةً عن القوات المسلحة. وكان إعداد الوثيقة الدستورية قد شارف نهايته عندما وقّع الفريق البرهان على التعديل الثاني لقانون الدعم السريع في شهر يوليو عام 2019. وكانت المسافة متباعدةً في عدة قضايا بين القوات المسلحة وحليفها قوات الدعم السريع من جهة، والقوى المدنية من الجهة الأخرى.

4
بعد جريمة فض الاعتصام في 3 يونيو عام 2019 بوقتٍ وجيز بدأت المفاوضات بين القوى المدنية التي كانت تقود الثورة والحكام العسكر الجدد الذين ظلوا يحكمون البلاد منذ 11 أبريل عام 2019 تحت مسمى "المجلس العسكري الانتقالي."
تمخّضت تلك المفاوضات عن قيام شراكة بين القوات المسلحة السودانية وقوى الحرية والتغيير والتي كانت تمثل المدنيين الذين قادوا الثورة. وقد نظمت وقننت تلك الشراكة بين العسكر والمدنيين الوثيقة الدستورية لعام 2019 التي تم التوافق والتوقيع عليها في 17 أغسطس عام 2019 ودخلت حيز النفاذ يوم 20 أغسطس عام 2019. شملت الوثيقة الدستورية المبادئ الأساسية لهذه الشراكة، ولطريقة ومؤسسات إدارة البلاد في الفترة الانتقالية التي ستنتهي، بمقتضى الوثيقة الدستورية بقيام الانتخابات.

5
تم التوقيع على الوثيقة الدستورية بواسطة الفريق أول محمد حمدان دقلو "نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي والمفوّض عن المجلس العسكري الانتقالي." ووقّع على الوثيقة السيد أحمد ربيع سيد أحمد المفوض من قوى الحرية والتغيير.
عكَسَ توقيعُ حميدتي على الوثيقة الدستورية حقائقَ وتطورات عسكرية ودستورية جديدة في غاية الأهمية. فقد أصبح حميدتي "فريق أول" مثل الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان (الفرق الوحيد بينهما أن البرهان فريق ركن). ووقّع حميدتي على الوثيقة الدستورية بوصفه نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي. وهذه الوظيفة الدستورية غير موجودة في أيٍ من المراسم التي كان الفريق البرهان قد أصدرها بوصفه رئيساً للمجلس العسكري الانتقالي.
لا بد من التساؤل: لماذا وقّع الفريق حميدتي على الوثيقة الدستورية ولم يوقّع عليها الفريق البرهان بنفسه؟ هل حاول البرهان الاختباء خلف حميدتي في ذلك التوقيع من مسئولية التنازلات التي قدمها العسكر للمدنيين في تلك الوثيقة، أم أن التوقيع كان تأكيداً للتمدد الكبير ولقوة حميدتي المتزايدة؟

6
ألغت الوثيقة الدستورية المجلس العسكري الانتقالي وحلّ مكانه مجلس السيادة. وقضت المادة 11 من الوثيقة الدستورية أن مجلس السيادة يتكون من احد عشر عضواً، خمسة من المدنيين وخمسة من العسكريين، وتختار المجموعتان العضو الحادي عشر.
كما منحت الفقرة الثانية من نفس المادة رئاسة مجلس السيادة في الوحد وعشرين شهراً الأولى من الفترة الانتقالية للعضو الذي يختاره الأعضاء العسكريون، ويرأس المجلس في الثمانية عشر شهراً المتبقية من الفترة الانتقالية عضوٌ مدني من الأعضاء الخمسة تختاره قوى الحرية والتغيير.
تم اختيار البرهان رئيساً لمجلس السيادة. ولم تمضِ أيامٌ حتى برز الفريق حميدتي وهو يحمل لقب "نائب رئيس مجلس السيادة" على الرغم من أنه لا توجد إشارة في الوثيقة الدستورية إلى وظيفة "نائب رئيس السيادة" كما ذكرنا أعلاه.
من الواضح أن البرهان وحميدتي تفاوضا واتفقا على هذا المنصب الدستوري "نائب رئيس مجلس السيادة" ليقوم بملئه الفريق حميدتي. كما يبدو أن توقيع الفريق حميدتي على الوثيقة الدستورية بوصفه "نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي" رغم عدم وجود ذلك المنصب الدستوري في المراسم الدستورية الخاصة بالمجلس العسكري الانتقالي، قُصِد منه تعبيد الطريق وتهيئة الأجواء السياسية للإعلان عن المنصب الدستوري الجديد الخاص بنائب رئيس مجلس السيادة، رغم عدم وجود أية إشارة لهذا المنصب في الوثيقة الدستورية.
ولا بد من المجادلة أن الشراكة بين العسكر والمدنيين التي قادت إلى توقيع الوثيقة الدستورية، وإلى تعيين الفريق البرهان رئيساً لمجلس السيادة، كان يجب أن تقضي أن يكون نائب رئيس مجلس السيادة من بين المدنيين (على افتراض وجود هذا المنصب). إذ لا يعقل أن يحتل العسكر المنصبين، على أن يحدث العكس في الجزء الثاني من الفترة الانتقالية – رئيس لمجلس السيادة من المدنيين ونائب له من العسكر.
وهذا يقودني إلى المجادلة مرةً ثانية أن عدم ذكر المنصب في الوثيقة الدستورية، وملئه رغم ذلك بعد التوقيع على الوثيقة، كان أمراً منظماً قُصِد منه حرمان المدنيين من هذا المنصب، وملء المنصب بواسطة الفريق حميدتي لتقوية التحالف بين الرجلين في مواجهة المدنيين، ولإعداد حميدتي لمهام جديدة في الأشهر القادمة.
وهكذا خطا الفريق حميدتي خطوةً تاريخيةً وهامةً في طريقه السياسي، ليماثل وضعه الدستوري الجديد وضعه العسكري – الرجل الثاني في الدولة في الحالتين، برتبة فريق أول، وعمره لم يصل الخمسين عاماً بعد.

6
هذه هي الإنجازات التي حققها حميدتي لنفسه بعد صدور الوثيقة الدستورية – تعيينه نائبأ لرئيس مجلس السيادة، بعد ترقيته إلى رتبة فريق أول، بعد أن كان نائباً للمجلس العسكري الانتقالي. فماذا عن قوات الدعم السريع نفسها، وكيف تعاملت معها الوثيقة الدستورية؟
أشارت المادة 35 (1) من الوثيقة الدستورية إلى أن "القوات المسلحة وقوات الدعم السريع مؤسسة عسكرية وطنية حامية للوطن ولسيادته تتبع للقائد العام للقوات المسلحة وخاضعة للسلطة السيادية."
انتهى عهد التوازي والمساوة وأصبحت القوات المسلحة وقوات الدعم السريع مؤسسة عسكرية واحدة، (روح واحدة في جسدين) كما وصفها أحد الأصدقاء العسكريين الساخرين.
ولا تنتهي مسألة الوضعية الدستورية والقانونية لقوات الدعم السريع ومساواتها بالقوات المسلحة في الجزء الأول من المادة 35. فالفقرة الثانية من تلك المادة تقرأ "ينظم قانون القوات المسلحة وقانون قوات الدعم السريع علاقة المؤسسة العسكرية بالسلطة التنفيذية." من الواضح أن الغرض من هذه المادة تأكيد الاعتراف بقانون قوات الدعم السريع لعام 2017، ومعاملته كقانونٍ مساوٍ لقانون القوات المسلحة.
لا بد من التذكير أن قوات الدعم السريع كان عددها قد تجاوز ال 70 ألف فردـ عند توقيع الوثيقة الدستورية، تتساوى في العدة والعتاد مع القوات المسلحة. وكانت قوات الدعم السريع قد بدأت برنامجاً متكاملاً لزيادة عدد أفرادها. فقانونيها يعطيها حق التمدد دون الحاجة لموافقة أية جهة. وقد تعدى هذا العدد عند اندلاع الحرب في أبريل 2023 المائة ألف فرد.

7
كما ذكرنا أعلاه فقد قضت المادة 35 أن المؤسسة العسكرية التي تضم القوات المسلحة وقوات الدعم السريع تتبع للقائد العام للقوات المسلحة. ثم ذهبت الوثيقة الدستورية خطوةً أخرى ووضحت أن هذه المؤسسة العسكرية "خاضعة للسلطة السيادية."
اعتقدتُ بدايةً (مثل الكثيرين غيري) أن خضوع قوات الدعم السريع للقائد العام تعني خضوعها للبرهان، كما كان الوضع قبل صدور الوثيقة الدستورية. غير انني لاحظت أن المادة 35 تذهب خطوةً أبعد من هذه وتعلن أن المؤسسة العسكرية (القوات المسلحة وقوات الدعم السريع) تخضع للسلطة السيادية. فمن هي هذه السلطة السيادية؟؟
تُعرٍّف المادة 11 من الوثيقة الدستورية مجلس السيادة كالآتي:
"مجلس السيادة هو رأس الدولة ورمز سيادتها ووحدتها وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة وقوات الدعم السريع والقوات النظامية الأخرى."
بغض النظر عما كانت تعنيه المادة 35 من تبعية القوات المسلحة وقوات الدعم السريع إلى القائد العام، إلا أن المادة 11 أعلنتها بوضوح أن مجلس السيادة هو "القائد الأعلى للقوات المسلحة وقوات الدعم السريع والقوات النظامية الأخرى" – مجلس السيادة ككل بأعضائه الأحد عشر وليس رئيس مجلس السيادة وحده.
عليه فإن هاتين المادتين من الوثيقة الدستورية قد قضيتا أن القوات المسلحة وقوات الدعم السريع مؤسسة عسكرية وطنية حامية للوطن ولسيادته، وأن مجلس السيادة هو القائد الأعلى لهذه القوات.

8
من الواضح أن القوات المسلحة وقوات الدعم السريع قد أصبحتا، بموجب الوثيقة الدستورية لعام 2019، قوتين متساويتين في الوضعية القانونية والعسكرية، ولا سلطة للقوات المسلحة أو لقائدها أو لوزير الدفاع على قوات الدعم السريع.
من الواضح أيضاً أن الوصول لهذه الصيغة من المساواة بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع أتى نتيجة التحالف بين البرهان وحميدتي. كما أن التخوّفات من القوى المدنية قد ساعدت في تقوية العلاقات بين الرجلين. وهذا يفسر في رأيي تخطيط الرجلين لانقلاب 25 أكتوبر وتنفيذه بدقة معاً، كما سنناقش في المقال القادم.

9
تواصلت تقوية وحماية قوات الدعم السريع بواسطة الوثيقة الدستورية. فقد أعطت المادة 15 من الوثيقة الدستورية رئيس الوزراء سلطة اختيار الوزراء على أن يتم اعتمادهم بواسطة مجلس السيادة. لكن نفس المادة استثنت وزيري الدفاع والداخلية اللذين يرشحهما الأعضاء العسكريون بمجلس السيادة. من الواضح أن لهذه الفقرة أغراض عدة، أهمها تحصين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع من السلطات المدنية.

10
كانت الأشهر التي تلت إصدار الوثيقة الدستورية فترةً لمزيدٍ من التمدّد لقوات الدعم السريع ولقائدها. فقد أصبح حميدتي الرجل الثاني في الوضع الدستوري الذي كان نتيجة شراكة بين العسكر والمدنيين. وأصبح يملك بتلك الصفة – نائب رئيس مجلس السيادة – صلاحيات واسعة على المدنيين في مجلس السيادة ومجلس الوزراء. وكما ذكرنا أعلاه فقد أشارت عددٌ من التقارير أن قوات الدعم السريع تقترب من المائة الف مقاتل بنهاية عام 2021.
وامتدت علاقات حميدتي فشملت خلق تحالفاتٍ مع قيادات الإدارة الأهلية والطرق الصوفية، والصرف بسخاءٍ عليها. كانت تلك أول مرة تدخل الطرق الصوفية فيها ساحة السياسة السودانية بذلك الوضوح.
والتقى حميدتي بالمعلمين المضربين عن العمل مطالبين بزيادة أجورهم، وصرف عليهم بسخاءٍ من ماله (أو مال الدعم السريع؟؟)، وفعل نفس الشيئ مع أعضاء نقاباتٍ أخرى.
ولا بد من التذكير أن حميدتي، بالإضافة إلى منصبه الدستوري كنائب رئيس محلس السيادة، عمل رئيساً للجنة الاقتصادية التي شملت في عضويتها رئيس الوزراء ووزير المالية ومحافظ بنك السودان في الحكومة التي تشكلت في 21 أغسطس عام 2019، بعد يومٍ من التوقيع على الوثيقة الدستورية. وهكذا ترأّس حميدتي رئيس الوزراء ووزير ماليته، ليس فقط دستورياً من منصبه نائباً لرئيس مجلس السيادة، وإنما إدارياً وفنياّ أيضاً من منصبه رئيساً للجنة الاقتصادية.
ثم ترأس حميدتي الوفد الحكومي الذي تفاوض مع الحركات المسلحة في دارفور وتنج عنه "اتفاق جوبا" (أو ما عُرٍف أيضاً باتفاق السلام السوداني) في 3 أكتوبر عام 2020. وأفادت عدّة تقارير أن حميدتي اتخذ بنفسه معظم القرارات خلال تلك المفاوضات في المسائل المُختلف عليها، ولم يقم بالاتصال بمجلس السيادة إلا اسنثناءً. ويبدو أن حميدتي استند على سلطاته كنائب لرئيس مجلس السيادة في اتخاذ ما رآه مناسباً من قرارات خلال تلك المفاوضات.
على المستوى الخارجي فقد زار حميدتي بصفته نائباً لرئيس مجلس السيادة عدداً من الدول الأفريقية والعربية، وشارك في مناسباتٍ رسمية في تلك الدول ممثلاُ لحكومة السودان. هذا بالإضافة إلى زيارته روسيا التي استقبلته كرئيس دولة، وليس كقائد مليشيا أو نائب رئيس لمجلس السيادة. وقد التقى حميدتي خلال تلك الزيارة بالرئيس بوتين، كما ذكرنا من قبل.
لقد كان تمدّد حميدتي في الفترات السابقة منذ عام 2013 عندما تم إنشاء قوات الدعم السريع تمددا في غالبه في الساحتين العسكرية والاقتصادية. فقد كانت أول رتبةٍ عسكرية له هي رتبة عميد في عام 2013. ووصل إلى رتبة فريق أول في أقل من عشر سنوات. وأصبح في عام 2019 يدير امبراطورية اقتصادية ضخمة، انبنت على معدن الذهب (وفي بعض التقارير على اليورانيوم أيضاً). غير أن تمدد حميدتي بعد ثورة ديسمبر شمل الساحة السياسية والدستورية، وحتى النواحي الفنية، كما ناقشنا أعلاه.

11
غير أن هذا التمدّد والتوسّع داخلياً واقليمياً ودولياً لقوات الدعم السريع وقائدها واجهته هزةٌ عنيفةٌ عند بدء التفاوض عام 2022 على الاتفاق الإطاري بين العسكر (القوات المسلحة وقوات الدعم السريع) والمدنيين، كما سنناقش في المقال الرابع والأخير من هذه السلسلة من المقالات.

Salmanmasalman@gmail.com
www.salmanmasalman.org

 

آراء