كارناج في كناكري
9 October, 2009
في دار الرياضة وأمام خمسين ألفا من المشاهدين (بينهم 157 قتيلا وألفي جريح) في عاصمة بلد غالبية سكانه من المسلمين هل تستطيع أمام أولئك الشهود أن تفكر- مجرد تفكير- بإقامة علاقة جنسية مع امرأة؟؟
ستكون مشغولا بالرعب المستولي على ذلك الجمهور
ستكون مهموما بمصير القتلى وإسعاف الجرحى
ستكون معنيا بتطمين الأطفال المروعين والنساء الخائفات
ولو أثار احد الناس الموضوع الجنسي لتقززت منه وقلت له أن يتقي الله وان لا يكون بهيمة من البهائم ووحشا بدائيا من وحوش ما قبل التاريخ.
إلا أن الجيش الغيني وصل ذلك الدرك من السفالة والانحطاط وبين رعب المرعوبين ورائحة الدماء المراقة من القتلى والمجروحين قام أفراده باغتصاب بعض النساء الحاضرات بينهن عواجيز في سن جداتهم ونساء محترمات في عمر أمهاتهم.
ظهرت إحداهن في برنامج إذاعي وحين سألوها ماذا جرى لها أطلقت زفرة تشبه وحيح الملدوغ وسكتت وحين سألوها مرة ثانية أطلقت زفرة أخرى وقالت إنها بين الدهشة والاستغراب أحست أنهم ينتهكونها (بالتعبير الفرنسي عن الاغتصاب) . وظهرت أخريات في برامج تلفزيونية فرفضن أن يعطين الكاميرا وجوههن ولكنهن أبدين الأذرع والسيقان حيث الكدمات والسجحات بما يؤكد تعرضهن لدرجة عالية من العنف البدني.
ودعك من هذا الدرك السحيق الذي وصله الجيش الغيني وتأمل من الناحية الأخلاقية فكرة إطلاق النيران الكثيفة على جمهور محصور في إستاد لا يملك مخرجا للهرب ولا مجالا للمقاومة. أي جيش من القتلة هذا الذي يبيح لنفسه إطلاق النار في حالة كتلك. ولو أنهم طلبوا من الجمهور أن يتفرق لما تردد في الاستجابة مدركا لوضعه كمحاصر لا يستطيع الهرب ولو أنهم القوا على الناس قنبلة واحدة من الغاز المسيل للدموع لتفرق الناس أيدي سبأ.
ولكن ما الحكمة من تفريق الناس وهم جلوس محصورين في مقاعد الإستاد ولا يخشى منهم على السلام العام ولا على المنشئات العامة. ليس هنالك أي حكمة وكل ما هنالك أن الانقلابي القذر الذي يتسلط على البلاد يريد أن يروع الناس ويسكت أصواتهم ليقبلوا بشخص لم يهبه الله القبول فهو زري الهيئة فظ الملامح لا يصلح إلا كمنفذ إعدامات أو كتال كتلا ولكنه يريد ان يصبح حاكما بقوة البطش والترويع.
لقد بقي الاستعمار في إفريقيا مئات السنين فلم نشهد منه مجزرة كهذه المجزرة التي تمت بأيدي الوطنيين من جيش بلد إفريقي مستقل بل أن مذبحة شاربفيل في جنوب أفريقيا العنصرية تتضاءل أمام هذه الأرقام القياسية الفظيعة التي سجلها جيش قوامه من الأفارقة السود المسلمين.ففي المذبحة العنصرية سقط 69 قتيلا ومائة وثمانين جريحا ولكن غينيا تفوقت على العنصريين ب 180 قتيلا وأكثر من ألفين من الجرحى وقرابة الثلاثين من المغتصبات. وهنالك فروق أخرى فقد تجمهر ضحايا المجزرة السود أمام مركز الشرطة مطالبين باعتقالهم لأنهم لا يحملون أذون التجول التي دأبت السلطة العنصرية على صرفها للسود ومع تأييدنا للمحتجين إلا أن عملهم يعتبر تحرشا بسلطات الشرطة بينما خلا تصرف الغينيين من أي تحرش حيث جلسوا على مقاعدهم داخل الإستاد الرياضي دون أن يمثلوا تهديدا أو تحرشا بأحد
علق مهووس ابيض على تلك الفظاعة قائلا:"هكذا يتصرف السود عندما لا يكون هنالك رجل ابيض لكبح هياجهم." ولسنا معه في هذه الشماتة ولكنها تفصح عن رأي عام دولي بدأ يتكون حول حكم العسكرتاريا في أفريقيا وما يتميز به من فظاظة وانعدام إنسانية وواحدا بعد واحد سيتحول أولئك الحكام إلى منبوذين لا يريد احد أن يتعامل معهم أو يساعد بلدانهم على الخروج من وهدة التخلف والفقر والشحاذة.
ماذا جرى لإفريقيا؟كيف يأتي عسكر جهلاء ليحتلوا المقاعد التي جلس عليها ذات يوم سيكوتوري وموديبو كيتا؟ وما هي مؤهلات أولئك الأفظاظ بل ما هو دور المؤسسة العسكرية الإفريقية في الكفاح ضد الاستعمار وتحقيق الاستقلال؟
باستثناء عبد الفضيل الماظ في السودان ليس هنالك عسكري واحد رفع السلاح على الاستعمار بل –في معظم الحالات –كانوا يشهرون أسلحتهم في وجه شعوبهم وفي وجه المطالبين بالحرية والاستقلال والآن يشهرون سلاح الإذلال الرهيب على شعوب القارة ويمصون دمائها بشكل لم يفعله الاستعمار حديثه وقديمه وبصورة تعيد إلى الأذهان أعمال البربرية الأولي على أيدي المستكشفين الأوربيين الأوائل.
حسنا فعلت المعارضة الغينية وهي ترفض أي حديث أو تفاوض مع القتلة وتطالب بذهابهم فحسب .وحسنا فعلت الدول المتقدمة وهي تستنكر الفعلة الجبانة وتعلن نيتها مقاطعة النظام ولكن أجاويد إفريقيا بدأوا ينشطون لإخفاء معالم الجريمة والتوصل إلى الحلول الوسط التي من شانها استدامة فظاعات العسكر ومسامحة غدرهم بأفريقيا وشعوبها بينما كان من الواجب أن تتحد كل الأصوات في صرخة واحدة لإنهاء الدكتاتورية واستعادة الحكم المدني الدستوري وإعادة العسكر إلى الثكنات وخفض أعدادهم إلى اقل مستوى اكتفاء بالشرطة وتعزيزا لقدراتها لحفظ الأمن الداخلي فمن الخارج لا يأتي أي تهديد سوى التهديدات التي يخلقها العسكر بحماقاتهم والعداوات غير المبررة التي يخلقونها عمدا بين دول إفريقيا وشعوبها.
*الكارناج في اللغة الفرنسية (التي تعتمدها غينيا أداة للتعبير)هو المذبحة الرهيبة التي تسفر عن أعداد كبيرة من القتلى وهي مستخدمة في الانجليزية أيضا
Ibrahim Elmekki [ilmekk@yahoo.com]