كردفان بين مبادرة علي عثمان ورحيل يوسف البر وذهبيَّة الأبيض الثانوية
كلام للوطن
النائب الأول أوفى بوعده.. والنهضة التعليمية أول قطرة
الدائرة وحكومة الولاية أحسنتا صُنعاً.. والمطلوب أكثر وأشمل
gamalangara@hotmail.com
لقد فُجعت الأوساط الكردفانية عامةً، وأهل حاضرتهم مدينة الأبيض بصفة خاصَّة برحيل العم يوسف محمد البر آخر جيل العمالقة من أهل البر والإحسان وفعل الخيرات في المدينة.
وبالطبع لم ينقطع البر والإحسان برحيل رجل، ولن ينقطع بموت واحد من أهله، ولكن العم يوسف البر كان حالةً خاصَّةً، وكان اسماً على مُسمَّى رغم اختلاف حركة «الباء» فكان بِرُّه بلا حدود.
ولقد بدأت معرفتي وصلتي المباشرة بالرجل قبل أكثر من أربعين عاماً عندما كُنَّا طلاباً في مدرسة عاصمة كردفان المتوسطة بالأبيض، ولقد مرَّ كل أبنائه بهذه المدرسة في مراحلهم الدراسية فسبقنا إليها إسماعيل وجاء معنا مكي وتبعنا بكري وأحسب أنَّ ميرغني قد مرَّ أيضاً بهذه المدرسة، فصار بيته العامر بالمحبَّة والإيمان والعطاء بيتاً لعاصمة كردفان كما هو بيت لكل أهل مدينة عاصمة كردفان وغيرها من المدن، ولكن حظنا فيه كان أكبر، وكانت معسكراتنا الرياضية والأكاديمية والاجتماعية والثقافية كلها هناك، وكان بيت البر مقرَّاً ومسكناً لبعض زملائنا، وكان العم يوسف والحاجة جليلة آباءً لنا جميعاً، وكانت «حاجة» في مقام أختنا الكبيرة، وكذلك شقيقتها «إخلاص» وصهرهم وابن عمهم عبد القادر سالم البر، وشقيقه محمد والصهر الثاني ابن الأبيض الملازم شرطة فتحي أمين التني.
ولذلك لم يكن غريباً أنَّ يتصل بي لحظة الوفاة الأخ عبد اللَّه الهدي ليبلغني خبر وفاة والدنا يوسف البر، ويلحق به بالاتصال الأخ محمد صالح الدقيل، وهما ممن يعرفون أسرار المحبَّة في بيت آل البر منذ أن كانا طالبين في مدرسة الأبيض الشرقية الأولية «ب» وذلك نصف قرن من الزمان، ولم يكن غريباً أن يتصل بي كثيرون من أهل الأبيض من مدن شتى للعزاء، فهم يعرفون حجم انتمائي لهذه الأسرة، وهي أسرة لا يكتمل البر للأبيض وأهلها إلا بالانتماء لها، ذاك أنَّ مؤسسها الراحل المقيم أنشأها على حبِّ الناس والديار والعطاء لهم وكذلك الوفاء.
وبرغم أنَّي وصلت إلى مدينتنا الأبيض في ساعة مُتأخرة جداً من ليل يوم الوفاة الأحد الماضي، وهي ساعة لا تحسب على الليل إلا لظلامها فهي قد دخلت في اليوم التالي بساعة كاملة، وغادرت عائداً فجراً دون أن أرى شمساً في مدينة أبو قبة فحل الديوم لكنني وجدت كثيرين من أهل المدينة من الذين ظلوا مرابطين في بيت العزاء يتقدَّمهم معتمد المدينة الأخ فتح الرحمن عوض الكريم أبو دومة، وفتح الرحمن لم يأتِ بصفته الدستورية، وإنما جاء بوصفه ابناً باراً من أبناء المدينة، وابناً لكل أبرار كردفان وفي مقدِّمتهم الراحل المقيم العم يوسف البر، ولعلَّ كثيرين لا يعلمون سر توفيق الأخ فتح الرحمن في قيادة محلية شيكان، وسر محبة أهل المحلية له، والسر من بعد توفيق اللَّه أنَّه يتعاطى مع المسؤولية بصفته ابناً لها وليس موظفاً دستورياً عليها، وليت أبناء كردفان الآخرين من الدستوريين يُدركون هذا السر ويتعاطون به، فينجحون كما نجح أخونا فتح الرحمن وفَّقه اللَّه وسدَّد خطاه وأعانه على خدمة أهله.
وفي تلك الساعات المحدودة اجترَّ الناس أحاديث الذكريات، وتحدَّثوا عن رجال البر والإحسان في المدينة الذين رحلوا عن دار الفناء إلى دار البقاء، العم عبد الكريم حسين جعفر، العم مصطفى ناصر، العم الفاتح النور، وغيرهم من الأعمدة والأركان، وتطرَّق الحديث إلى حال المدينة والولاية اليوم، وحاجتها لأهلها وأبنائها فتحدَّث البعض عن مُنظَّمة الأبيض التطوُّعية للتنمية والإعمار، وعن مؤسسيها الراحلين إدريس حسين، محمود شلال، صلاح محمد عثمان يس، وتحدَّثوا كذلك عن رجلين من الأحياء الأخوان أحمد محمد هارون وجوزيف مكين، فأحمد هارون كان الأكثر عطاءً لها من أبناء كردفان الدستوريين، ولم يقف عطاؤه عند حدود المنظَّمة وحدها، وإنما امتدَّ إلى كل الساحات الكردفانية، فلا يكاد يُعرض عليه مشروع كردفاني إلا وضع بصمته عليه، فلم يكن مثله أي واحد غيره من أبناء كردفان الذين تقلَّدوا مناصب دستورية منذ أن عرفت بلادنا الحكومة، ولم يلحق به أحد بعده في العطاء لأهله حتى يومنا هذا.
أمَّا الأخ جوزيف مكين فكان الأكثر عطاءً للمنظمة من رجال الأعمال الكردفانيين ، وتساءل الناس كذلك عن مُنظَّمة كردفان للثقافة والفنون، وخشي بعضهم أن تكون الحركة النشيطة التي أحدثتها الشهور الماضية كانت «فجَّة موت» وقلت لهم إنَّها أصابتها «عين» فتعثَّرت بعض الشيء ولعلَّها «العثرة» التي ينصلح بعدها «المشي»، وتحدَّثوا كذلك عن مدرسة الأبيض الثانوية زهرة المدارس التي تبقَّى عام واحد فقط ليوبيلها الذهبي، ولا تشهد الساحات الكردفانية حراكاً جاداً للإعداد لهذا اليوم الذهبي، وكان الأخ الزميل أسعد الطيب العباسي المحامي قد نشط في ذلك منذ عامين، وقام بفتح «بوستر» في المنبر العام لـ «سودانيز أون لاين» ونشط في هذا البوستر كثيرون من خريجي المدرسة، ولكن خبت جذوة الحماس بعد ذلك، وندعو إلى هبَّة جديدة، لنجعل من هذا اليوم مناسبةً لنعيد بها إلى كردفان أيامها الذهبية، وما أكثرها، وما أسعدها من أيام.
ثم تطرَّق الحديث بعد ذلك لمبادرة النائب الأول لرئيس الجمهورية الأخ الشيخ علي عثمان محمد طه في زيارته الذهبية الأخيرة لولاية شمال كردفان التي طرح فيها مبادرة لنهضة الولاية وعد أن يتبنَّاها، وسألني أهلي عن هذه المبادرة لاعتبارين، أولهما: أنَّني كنت ضمن وفد النائب الأول الذي زار الولاية في تلك الزيارة الذهبية، وثانيها: أنَّني كتبت كثيراً عن مبادرته وتفاصيلها ومتونها وحواشيها ، وما قِيل عنها بعد ذلك،
وكتبت عمَّا ذكره أهل كردفان في المبادرة لتفعيلها، وذكرت كذلك رأيي الشخصي ومقترحاتي لها.
وفكرة مبادرة النائب الأول لنهضة ولاية شمال كردفان لتكون نموذجاً هادياً لكل ولايات السودان تقوم على تكامل الدور الشعبي مع دور الدولة الرسمي، تنبع الأفكار والمشروعات من المجتمع، ويُقدِّم مساهمته فيها ثم تكمل الحكومة ما تبقَّى لقيام المشروع وهذا ما لخَّصته عبارة الأخ علي عثمان «الناقص بنتمو».
ونبدأ الحديث عن تفعيل هذه المبادرة بآخر تطوراتها، وهو الاجتماع الذي دعت له دائرة كردفان بالمؤتمر الوطني بقيادة المهندس فيصل حماد وزير الدولة بوزارة النقل ليلتقي فيه الوالي الأخ معتصم ميرغني حسين زاكي الدين أهل الولاية ليحدِّثهم عن الأوضاع في ولايتهم ويتحاور معهم حول قضايا وهموم شمال كردفان، وهُنا لابد أن نشيد بالفكرة التي نفَّذتها الدائرة وحكومة الولاية، وهي التقاء أهل الولاية والتواصل معهم ومناقشتهم في هموم ولايتهم وأهلهم، ونشهد أنَّ الأخ معتصم أعار جانب التواصل هذا اهتماماً كبيراً، لا سيما مع قطاع الصحافة والإعلام.
ولكن هناك ملاحظات حول هذا الاجتماع لابد أن نقف عندها، وهي أنَّه كان دون قامة الولاية، وهو كان قد خُصِّص لأمر يهم كل أهل كردفان، فكان جانبه الأكبر قد خُصِّص لاعتداءات حركة العدل والمساواة المتمرِّدة على ولاية شمال كردفان وأهلها وكذلك مصرع قائدها الدكتور خليل إبراهيم في أراضيها، ثم خُصِّص الجزء الأخير من الاجتماع للحديث عن مشروع نهضة الولاية الذي يتبنَّاه النائب الأول لرئيس الجمهورية الأخ علي عثمان محمد طه، ونقول إنَّ الاجتماع رغم أهمية انعقاده، وعظمة مبادرته إنَّه كان دون قامة المناسبة، لأنَّه اقتصر على مجموعة محدودة من أهل كردفان، ويُعبِّر عن ذلك استغراب الأخ السفير اللواء عثمان السيد لغياب أهل الأبيض في ذلك الاجتماع، وفي تقديري أنَّ محدودية الاجتماع وغياب كثيرين عنه لم يكن مقصوداً، وإنما جاء لضعف التواصل بين أذرع الولاية السياسية والتنفيذية وبين أهل كردفان في العاصمة، ولعلَّ قلة تجربة الذين يمثِّلون هاتين البوابتين السياسية والتنفيذية في الخرطوم هو أهم أسباب هذا الضعف، وهذا يمكن أن يستعينوا عليه بالرجوع إلى أهل الخبرات والتجارب من أبناء كردفان، وما أكثرهم، وهم لا يبخلون برأي أو مشورة، أو أي نوع من أنواع الدعم.
ومن نماذج أبناء كردفان في الخرطوم المشير عبد الرحمن سوار الدهب الفريق أول عبد الماجد حامد خليل، بكري أحمد عديل، ابراهيم منعم منصور، أبو بكر عثمان محمد صالح، دكتور سيد زكي، علي محمد عثمان يس، آمال حسن التني، ميرغني عبد الرحمن الحاج سليمان، الفريق شرطة عبدالمنعم سيد سلمان اللواء بابكر عبد الرحيم، المهندس سيد أحمد يس، اللواء فضل اللَّه برمة ناصر البروفيسور كمال شداد، الدكتور عبد القادر سالم، الدكتور أبو القاسم قور الدكتور عوض إبراهيم عوض، الدكتور محمد محجوب هارون، معتصم الجعيلي، المسلمي البشير الكباشي، النور أحمد النور،الدكتور فيصل أحمد سعد، عبد اللَّه محمد الحسن، إبراهيم محمد الحسن، عبد الرؤوف بابكر، حسن سعد أحمد ، جوزيف مكين، أولاد مهدي عبد المنعم، أولاد عيدو جورج، آل جحا، آل أبو حسنين ، آل أمير ، البروفيسور علي شمو، الدكتور عمر هارون، عثمان مجذوب، معاوية الفاتح النور، آل القرشي، مختار دفع اللَّه، سارة ابو، علي مهدي، مكي سنادة، أولاد عبد الرحمن الخليفة، حافظ عبد الرحمن مختار، الشيخ يوسف التهامي، الدكتور أحمد بلال عثمان، إبراهيم آدم، آل التني، آل دقق، وكل هؤلاء الذين ذكرتهم وهم قليل من كثير وهم للمثال لا الحصر، كانوا غائبين عن ذاك الاجتماع والأرجح أن يكون غيابهم بسبب عدم توجيه الدعوة إليهم، ولو دُعوا لما غاب منهم أحد، وأهل كردفان «أهل حارة» وهم كما قالت عنهم السيدة فاطمة الإمام حرم النائب الأول لرئيس الجمهورية «لا يدسون المحافير» ولا أحسب أنَّ مبادرة السيد علي عثمان لنهضة كردفان يمكن أن يُكتب لها النجاح لو لم يقف معها هؤلاء وغيرهم من أبناء الولاية هُنا وهُناك، وفي كل ولايات السودان، وفي بلاد المهجر أيضاً.
ولم يكن مقبولاً في حقنا نحن أبناء كردفان، وحق حكومتنا وأجهزتنا السياسية، و«الدائرة» أن يسبقنا النائب الأول في تنفيذ مبادرته، ولعلَّ الناس قد تابعوا إعلان انطلاق مشروع النهضة التعليمية لولاية شمال كردفان، بإنشاء مئة مدرسة على أحدث طراز، وهذا تمَّ بمبادرة شخصية من الأخ علي عثمان، استبق بها الجميع لتنفيذ مبادرته التي كُنَّا نرجو أن نكون فيها أهل سبق، ولكن نحمد للنائب الأول سبقه الذي أكَّد به جديَّة مبادرته، ونرجو أن يكون هذا دافعاً لكل الكردفانيين بقيادة الوالي الأخ معتصم ميرغني ورئيس الدائرة المهندس فيصل حماد، ونرجو أن يدعمهم في ذلك رئيس المجلس الوطني الكردفاني الأخ الأستاذ أحمد إبراهيم الطاهر.
وأرجو أن يتحلَّل أبناء كردفان الدستوريون من عُقدة «القومية» التي يُبرِّرون بها عجزهم عن العطاء لأهلهم مثلما يفعل رصفاؤهم الآخرون، وأتمنى أن نراهم قريباً يقودون قوافل التنمية والإعمار لولايتهم التي تستحق ذلك أكثر من غيرها.