كلمة (نافع) لو عنينا بها اسم مساعد رئيس جمهورية السودان ونائب رئيس المؤتمر الوطني الدكتور نافع علي نافع، فإن الكلام الذي نعنيه هو ما أدلي به مؤخراً وقال به أن الجنوبيين لو اختاروا الانفصال في استفتاء حق تقرير مصير الجنوب، فإن الشمال سوف يكسب أيضاً بذلك، رغم أن الشماليين عموماً والمؤتمر الوطني بصفة خاصة، وحكومة السودان التي يقودها كانوا يتمنون أن يظل السودان بلداً واحداً موحداً.. ولو عنينا بكلمة (نافع (مفيد) فإن ما قاله الدكتور نافع في تلك التصريحات التي أشرنا لها كان كلاماً مفيداً جداً لإخراج كثيرين من أهل الشمال ومنسوبي المؤتمر الوطني من حالة التوهان والذهول التي دخلوا فيها بمجرد احساسهم بأن السودان صار قاب قوسين أو أدني من الانفصال. فكان حديث الدكتور بمثابة صعقة مفيقة، لعلها ترد التائهين إلي الحالة الطبيعية التي تعين علي التعاطي مع متغيرات المرحلة بما يحقق مصالح الجميع، ومصلحة الوطن العليا.
صحيح أن السودانيين لم يكن الانفصال خيارهم، وكان شيئاً بغيضاً لهم أن ينقسم بلدهم إلي دولتين، ولو أنهم استقبلوا من أمرهم ما استدبروا لما وقعوا في ما وقعوا فيه من أخطاء باعدت بينهم، ولكن عسي أن يكره الناس شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً. والمطلوب من السودانيين أن يعملوا لاصتياد الخير من كل ما يحدث، وأدني الخير أن يحافظوا علي مكتسب السلام، إذا عجزوا عن الحفاظ علي وحدة بلدهم.
وبرغم أن كل القوي السياسية السودانية أسهمت في أن ينتهي السلام إلي فصل الجنوب عن الجنوب، إلا أن الحركة الشعبية بدت في المرحلة الأخيرة تراهن علي فصل الجنوب الذي أسمته (استقلال) وقد تكون فعلت ذلك ناشدة تحقيق مكسب تاريخي لأهل الجنوب، بأن تسجل في صحائفها أنها حققت لهم استقلالاً من الشمال، وكونت لهم دولة مستقلة، أو أن تكون قد فعلت ذلك اضطراراً بعد أن عجزت عن تحقيق مطالب أهل الجنوب في ظل دولة واحدة، أو أنها تستخدم الانفصال سلاحاً تطلب من ورائه المزيد من التنازلات والعطاءات من الشمال، والمؤتمر الوطني، لا سيما وأنها قد حققت كثيراً من المكاسب بمثل هذه المساومات. وفي كل هذه الاحتمالات نجد أن كلام الدكتور نافع، هو النافع، فلو أن أهل السودان أخفقوا في ترجيح خيار الوحدة، فالمحافظة علي السلام تكون بقبول اختيار أهل الجنوب، ولو أن الحركة الشعبية أرادت أن تساوم بمسألة تقرير المصير، فلنفوت عليها هذه الفرصة، أما لو أن أهل الجنوب يرون أن الانفصال بأرضهم أفضل من البقاء مع الشمال في وطن واحد، لأنهم يرون أن الثروة النفطية التي استخرجت من الجنوب تكفيه عن أخوانه في الشمال، فإن علي الشماليين أن يلتفتوا إلي ثرواتهم العديدة المتعددة، ويكفيهم أنهم سوف يمزقون فاتورة الحرب التي أثقلت كاهلهم نصف قرن من الزمان، بسبب منازعات المتمردين الجنوبيين للحكومات الاتحادية منذ الاستقلال وحتى سلام نيفاشا الأخير. ثم أن الفراق بالحسني ــ إذ لم نجد لغيره سبيلاً ــ هو الذي يحافظ علي حالة السلام التي حققناها، ويحول دون أن تكون الدولتان الناشئتان في الجنوب والشمال دوليتن عدوتين. بل نسعي لأكثر من ذلك، وهو ألا يتجاوز الانفصال بعده السياسي، ولا يتنزل إلي الشعب، ونريد للانسان في الجنوب والشمال إذا سئل عن دولته بعد الانفصال ــ إذا وقع لا قدر الله ـــ أن يحدد الشمال أو الجنوب، أما إذا سئل عن جنسيته، فهو (سوداني) فقط. ومثل هذه الروح لو سادت فإن احتمال عودة الوحدة مرة ثانية سيكون كبيراً جداً بإذن الله الواحد الأحد الفرد الصمد، ولو لم تعد، فسيبقي الجنوب والشمال سمن علي عسل.
وبرغم أن مستقبل وحدة السودان ليس مكان للتباهي أو المزايدات، ولكن يجب لفت الانتباه إلي ما تحاول أن تقود إليه بعض القوي المعارضة في الشمال، التي تريد أن تجعل من انفصال الجنوب قاصمة ظهر بالنسبة للمؤتمر الوطني، بأن تسجل عليه انقسام السودان في عهد حكمه، وعلي المؤتمر الوطني أن يتعامل مع هذه الجزئية بوعي شديد. فيكفي المؤتمر الوطني أن حقق السلام الذي عجز عنه الجميع، وأقر بحق تقرير المصير لجنوب البلاد وأنفذه، والتزم بنتائجه، وهذا ماقال به غيره نظرياً ولم يتجرأ أحد علي تنزيله علي أرض الواقع. فلو أن الانفصال صار هو ثمن السلام، فإن ذلك أيضاً سوف يسجل في دفاتر انجازات المؤتمر الوطني للسودان وأهله. وأهم ما في ادراك هذه الحقيقة أنها ترفع عن البعض ما يتوهمون من حرج بالانفصال إذا وقع، وتجعلهم يتعاملون بواقعية، فلا يتمادون في معاكسة الحركة الشعبية حتي لا يقع الانفصال، وسوف يعملون علي حل القضايا العالقة بالتي هي أحسن حتى يكون الانفصال آمناً، ويكون خيره لكل أهل السودان، في الشمال والجنوب علي حد سواء
Gamal Angara [gamalangara@hotmail.com]