كل الناس يبكوكا

 


 

 


أساطير صغيرة
منصور الصُويّم

يحكى أن الحكاية الشعبية الأمثولة تروي قصة تحدي بين رعايا إحدى الممالك السودانية القديمة وأحد دهاة هذه المملكة من الرعايا أنفسهم، فالرجل تحدى بقية مواطني المملكة بقدرته على الدخول إلى الملك في عرشه وبين وزرائه وحراسه ووصفه بالمرض الذي يعاني منه ويخجل منه كثيرا؛ ويعدم على الفور كل من يشير إليه من بعيد أو قريب سواء في مجلسه أو في أي مكان آخر من مملكته السودانية مترامية الأطراف. والملك كان يعاني من مرض تناسلي يعرف في ذلك الزمان بـ(الكوكا)، ويبدو أنه بصورة من الصور كان مدعاة للخجل وينتقص من رجولة حامله لو كان رجلا عاديا ناهيك أن يكون ملكا. ولأن الملك كان ظالما متعسفا جبارا.. لم يجد رعاياه ما يخففون به عن غبنهم سوى السخرية من مرضه فكانوا يلقبونه سرا بـ(أبكوكا)!
قال الراوي: حكاية الملك (أب كوكا) شائعة ومعروفة، وربما نسبة ضئيلة جدا من أبناء الأجيال الجديدة لم يسمعوا بها، والقصة ذات مستويين؛ الأول سطحي يشتغل على مبدأ الطرافة وإظهار ذكاء وشجاعة مواطن عادي في مقابل سلطة وجبروت ملك مدجج بالسلاح ومحاط بالمستشارين وعرف عنه حساسيته الشديد تجاه موضوع التحدي (المرض)، أما المستوى الأعمق فيتمثل في صورة (الديكتاتور) وإلى أي مدى يمكن أن تتمدد وتستفحل مقابل استكانة وخوف الشعب، رغم معرفته بعلة هذا الديكتاتور (المرض في هذه الحالة)، ورغم قدرتهم على الاتحاد السري (السخرية) من هذا الديكتاتور إلا أنهم يفشلون في مواجهته (علنا) إلا عبر الحيلة والدهاء والمكر وعن طريق فرد واحد لا غالبيتهم.
قال الراوي: في الحكاية يدخل الرجل المتحدي إلى بلاط الملك ويحدثه أن البلاد ستحزن كبيرا في حال لا قدر الله (مات!)، ويقول له بشكل باك أن (ناس الشرق يبكوكا، وناس الغرب يبكوكا، وناس الجنوب يبكوكا، وناس الشمال يبكوكا)، فيكسب الرهان بوصفه للملك بـ (أبكوكا) وينال جائزتين؛ جائزة الرهان ومكافأة الملك. ورغم أن القصة تبدو (ضعيفة) في مسألة تقبل الملك لنعيه وهو حي إلا أنها تروى بتشويق وطرافة جاذبين.
ختم الراوي؛ قال: حكاية أبكوكا تدعو في قراءة فاحصة لها إلى الارتفاع بالاحتجاج من مستوى الهمس والسخرية إلى مستوى الفعل والتحدي، وإن دهاءً!
استدرك الراوي؛ قال: نعم، هناك فيل وهناك ظله وهناك طعن خارج إطار اللوحة.
*زاوية يومية بصحيفة (اليوم التالي)



mansourem@hotmail.com

 

آراء