كمال الجزولي (همسات من ضمير الغيب)

 


 

 

صنع لنفسه اسما وظيتا فهو الاديب الاريب والكاتب واحد اعظم الذين امتهنوا صناعة الفكر والبيان رفد المشهد الثقافي السوداني بنصوص غاية في الامتاع والمؤانسة كتب القصة القصيرة واثري ديوان الشعر السوداني بعشرات القصائد وترجم روائع الادب الروسي ونقلها للعربية كان احد رواة ومدوني الواقع السوداني في عموده الباذخ (الرزنامة ) ينتج فيها افكارا تحمل في أحشائها رؤي وحلول لأزماتنا المتلاحقة التي امسكت برقاب بلادنا .
كان كمال رجل استثائي تشده عبقرية المكان فينفث يراعة في امدرمان سيدة لوعته القهورة ويرعف قلمه لاجلها شغفا وغراما كان احد ابناء حاراتها وازقتها يهوي اشعار ابوصلاح ويسافر مع سيد عبد العزيز يمسي مع عبد الرحمن الريح ويصبح مع علي المك في مدينته الترابية كانت الحان ابوداؤود تطلق تيارانها علي صدره واقدامه (همسات من ضمير الغيب تشجي مسمعي (
كمال الجزولي اعطي لمهنة المحاماة بعدا اخلاقيا كان يتبرع بالدفاع عن سجناء الراي وضحايا الانظمة الباطشة لشعوبها فقد كانت له صولات وجولات في ساحات المحاكم السودانية فكسب احترام الناس له وكرمته مؤسسات العدالة الدولية كواحد من ابرز المدافعين والمرافعين عن حقوق الانسان في السودان
اثري عليه الرحمة مكتبتي الاذاعة والتلفزيون بحوارات مترعة بالجماليات رحمه الله كان احد صناع النضال ومنتجي البطولات في بلادنا صاحب لسان قؤول وقلب عقول كان يجمع الناس ويجتمع بهم في فضاء الحوار ومنتديات الديمقراطية كان احد اشهر رود الاستنارة ظل يسبب صداعا دائما لكل الانظمة الشمولية من لدن عبود جرد سيفه وامتشق رمحه ونازل دكتاتورية الانقاذ حتي اصابت طعناته العجلي جرماز البشير الذي انهار في ديسمبر فقد كان رمح كمال هو الافتك وسيفه هو الانجل
كمال الجزولي استخدم جميع كسوباته الانسانية من ادب وشعر ودبلوماسية وتصحيف وعداله ووظفها لمصلحة شعبه وامته كان احد فرسان المنابر في بلادنا كان لسانه الذرب ترجمانا صادقا لاشواق الضعفاء والمتهضدين الذين سامتهم الانقاذ خسفا وبؤسا وشماته
اول مرة التقيته كفاحا كان في منزل الراحل بروفسور عبد الرحمن الزاكي ومن اثناء الحديث ذهلت لغزارة معلوماته عن حادثه انتحار الشاعر عبد الرحيم ابوذكرى في موسكو وكيف انهم حالوا اقناعه للخروج من عزلته المجيدة تلك ولكنهم فشلوا في اقناعه وقرر ابوذكرى وضع حد لسقف حياته فراح مأسوفًا علي شبابه وترك وراءه ارثا ضخما من انتاجه الفكري والادبي والذي ضاع الكثير منه
ثانيا التقيت كمال الجزولي في ملفات سودانية بدبنقا وكان موضوع الحلقة تحديات العدالة الانتقالية مابعد الانقاذ وبعد انتهينا من تسجيل الحلقة كنت قد سالته عن بعض الاراء والكتابات الثقافية التي كتبها عن دارفور وعرفت انه عاش مع اسرته ردحا من الزمن بالفاشر فقد كان والده موظفا يتنقل من مصر الي مصر وله حفريات تستحق المراجعة خاصة مقالته عن زيارة خليل فرح للفاشر مع صديقه سليمان كشه ومشاركتهم في احياء ليالي الافراح بالفاشر وذكر بالتحديد ان قصيده عازه في هواك لحنها الخليل في الفاشر وغناها هناك واللحن ماخوذ من جلالات السلطان علي دينار الموقعة بيد قائد سلاح الموسيقي بالبلاط الديناري احمد ود حنضل وقد اكد الاستاذ الموسيقار اسماعيل عبد المعين هذه المعلومات ووثقها في حواراته الاذاعية
رحم الله الاستاذ كمال الجزولي فان موته خسارة فادحة فقدته المنابر ومجالس المتادبة ورواد التغير فقد رحل في ظرف بالغ التعقيد والسودان في اشد الحاجه لامثاله فقد ترك فراغا يصعب سده ولن يتكرر شخص مثله وهيهات ان يجود الزمان بصنو له اومثيل فملكته امدرمان صار عرشها بلا سيف ولتذهب فهو دينار من الصك القديم
باريس
ms.yaseen 5@gmail.com

 

آراء