كورال اقتصاد عندما يكون الابداع تظاهرة ضد السلطة!! قصيدة البنك الدولي .. وعبقرية المقاومة الطلابية (2)

 


 

 

الحلقة الثانية

تحدثنا في الحلقة الاولي عن كورال كلية الاقتصاد بجامعة الخرطوم فكرة التأسيس والرواد الاوائل ودورهم التاريخي المشهود في ارساء دعائم هذا العمل التاريخي والنضالي والذي لعب دورا بارزا في نشر الوعي السياسي والنضالي في تلك الفترة الهامة من تأريخ السودان الحديث
في هذه الحلقة نواصل السرد ونتعرض لعكس حقيقة الاجواء السياسية داخل وخارج الجامعة في تلك الايام
والحركة الطلابية في مواجهة حادة مع نظام مايو الديكتاتوري في ايامه الاخيرة الاجواء السياسية في الجامعة كانت مشحونة للغاية في فترة منتصف الثمانيات ونظام مايو يواجه معارضة شرسة من الجميع عدا تنظيم الكيزان والذي كان في تحالف انتهازي مع النظام وأمتد هذا التحالف الي داخل الجامعة واصبحت عناصر تنظيم الاخوان داخل الجامعة عناصر ومصادر أمنية بإمتياز وكانت لاتتورع في استدعاء والتعاون مع جهاز الأمن ضد اي تحركات او تظاهرات طلابية وقمعها في مهدها بكل السبل!!
خلق هذا الجو التآمري من تنظيم الكيزان وتعاونهم المفضوح مع سلطة النظام المايوي قناعة من جميع التنظيمات السياسية الاخري بضرورة التعاون والتحالف وعزل الكيزان عملاء النظام وذراعه الامني داخل الجامعة وهذه الخطوة تمثل قمة النضوج والوعي السياسي والاستراتيجي وبالفعل تم تكوين تحالف سياسي واسع ضم كل التنظيمات السياسية عدا تنظيم الاتجاه الاسلامي المتحالف مع السلطة وبدأت التحالفات السياسية تتوالي وتكتسح الروابط والجمعيات الأكاديمية مرورا بالروابط الإقليمية وامتدت هذه التحالفات حتي اكتسح التحالف الوطني اتحاد طلاب جامعة الخرطوم وكان ذلك في فترة تاريخية حرجة من عمر النظام المايوي وهو يلفظ أنفاسه الآخيرة
ثم جاءت القشة التي قصمت ظهر البعير عندما قام النطام وبمؤامرة دنيئة من تنظيم الترابي بإعدام شهيد الفكر الاستاذ محمود محمد طه له الرحمة والمغفرة وادي هذا العمل الإجرامي الي اشتعال الأوضاع في ظل ظروف ضائقة اقتصادية خانقة وعزلة سياسية للنظام داخليا وخارجيا كل هذه الاحداث دفعت للإسراع بتكوين وتفعيل عمل التجمع الوطني الديموقراطي لقيادة العمل النضالي اليومي والاستراتيجي بهدف إسقاط النظام وقد كان وتم ذلك بثورة شعبية عارمة في ابريل 1985 لعبت فيها الحركة الطلابية دورا بارزا ومشرفا تحت قيادة اتحاد طلاب جامعة الخرطوم والذي كان عضوا مؤسسا في التجمع الوطني الديموقراطي والذي قاد العمل النضالي اليومي وأدي لإسقاط النظام المايوي في ابريل 1985 بثورة شعبية عارمة
وشهادة للتأريخ كإن لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم "اتحاد الانتفاضة" بعد انتزاعه من تنظيم الكيزان بواسطة تحالف قوي الانتفاضة داخل الجامعة دورا عظيما في انتفاضة إبريل المجيدة وكان التحالف الطلابي يضم تنظيمات الجبهة الديمقراطية ومؤتمر الطلاب المستقلين وحزب الأمة والاتحاديين والناصريين والبعثيين وأيضا تنظيم الجبهة الوطنية الافريقية ANF وهو تنظيم يمثل الاخوة من جنوب السودان
وكان اتحاد الانتفاضة ولجنته التنفيذية بقيادة عمر الدقير!! عن مؤتمر الطلاب المستقلين وكذلك المجلس الاربعيني برئاسة ابراهيم الشيخ!!! وكان في اللجنة التنفيذية ايضا الاخ ساطع الحاج والاخ صلاح الفادني والاخت ناهد جبر الله في السكرتارية العامة وعلي ماذكر كان قد تم اعتقال الاخت ناهد جبرالله وبعض اعضاء اللجنة اثناء اجتماع لتحديد مساهمة الاتحاد والحركة الطلابية في الانتفاضة وكان ذلك في أواخر ايام النظام وتم تسليط ابواق إعلام نظام نميري بأنهم كانوا يخططون لإسقاط النظام في مؤامرة مدعومة من الخارج وانهم مجرد عملاء يتآمرون ضد ثورة مايو المجيدة!!!
علي الرغم من الدور التاريخي المشهود للأخ عمر الدقير وقيادته لاعظم دورة لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم واعظم دورة في تاريخ الحركة الطلابية ومساهمته في الوقوف ضد سلطة العسكر وحكم الفرد نجده ألان يتنكر لكل هذا الإرث التاريخي ويقف موقفًا متخاذلًا مع العسكر ومتنازلا ومهادنا عن اعظم مطالب ثورة ديسمبر الا وهي القصاص لدماء الشهداء الغالية و متواطئا في صفقة الهبوط الناعم من خلال مايسمي بالإتفاق الاطاري وتسوية الدم المنهزمة حتما وكذلك الأخ ابراهيم الشيخ والذي كأن يرأس المجلس الاربعيني لاتحاد الانتفاضة وهو شرف لايدانيه شرف ارتضي ألان ان يدنس كل ذلك التاريخ ويصبح بوقا يقول الشعر في مدح العسكر ووفائهم في الالتزام بعودة الحكم المدني!!!
عقب سقوط نظام مايو الديكتاتوري في ثورة ابريل 1985 العظيمة كانت البلاد تعيش في اجواء احتفالية عارمة وامتد ذلك الي الجامعة ورغم حالة الاغلاق وتوقف الدراسة والنشاط الاكاديمي الا ان الطلاب كانوا داخل الجامعة في حالة نشاط وتواجد مستمر ساعد في ذلك إستمرار تقديم خدمات الداخليات الأساسية من سكن وإعاشة وهذا يعكس ميزة ذلك الزمان حينما كان حق السكن والإعاشة من الحقوق الأساسية والخطوط الحمراء التي لايستطيع اي نظام مهما كان ديكتاتوريا من الاقتراب منها والعبث بها مقارنة بما يحدث اليوم من انتزاع تلك الحقوق في سنة ابتدعها نظام المتأسلمين الذي تعدي علي تلك الحقوق والمكاسب والتي نالتها الحركة الطلابية عبر نضالها الطويل وأصبحت الجامعات ألان في زمن مأمون حميدة عبارة عن متاجر ربحية والخدمات الأساسية للطلاب سلعا تباع فيها وتشتري
ألان نعود للكورال حيث تجري الاستعدادات للاحتفال بذكري ثورة اكتوبر المجيدة وهو اول احتفال بهذه الذكري العظيمة عقب ثورة ابريل وعلي الرغم من اغلاق الجامعة أكاديميًا الا ان هناك عدد لابأس به من الطلاب كان يواظب علي التواجد في الجامعة والعمل مع الإتحاد لتنظيم الاحتفال بذكري اكتوبر ساعد في ذلك كما ذكرنا إستمرار نشاط الداخليات وتقديم الخدمات الأساسية وتم الإتفاق علي تكوين كورال الجامعة والذي تأسس من كورال اقتصاد كنواة اساسية علي ان يتم التطعيم بعدد من الطلاب من الكليات الاخري فكانت هناك مساهمة قوية من طلاب الهندسة والاداب والعلوم والقانون اضافة لمساهمات طلاب معهد الموسيقي
وجرت التجهيزات والبروفات في اجواء احتفالية عظيمة عكست روح التضامن الطلابي في ابهي صورة
وبدات البروفات في قاعات كلية الهندسة والمعمار وفي بعض الأحيان في قاعات كلية الاقتصاد قسم ادارة الاعمال وتم اختيار الأعمال الفنية التي يقوم الكورال بتقديمها فكانت قصيدة تحية اكتوبر للشاعر محمد المكي ابراهيم والتي كان يتغني بها الفنان العملاق محمد وردي واستخدم الكورال المطلع من قصيدة للشاعر علي عبد القيوم يقول المطلع

أيُّ المشارقِ لم نغازل شمسها
ونميط عن زيف الغموض خمارها
أى المشانق لم نزلزل بالثبات وقارها
أى الأناشيد السماويات لم نشدد
لأعراس الجديد
بشاشة أوتارها
……………………..
إنني أؤمن بالشعب
حبيبي وأبي
وبأبناء بلادي الشرفاء
الذين اقتحموا النار
وكانوا بيد الشعب مشاعل
وبأبناء بلادي البسطاء
الذين انتفضوا في ساحة المجد
فزدنا عددا
وبأبناء بلادي الشهداء
الذين احتقروا الموت
وعاشوا أبدا
ولأبناء بلدي سأغني
للمتاريس التي شيدها الشعب نضالا وصمودا
ولأكتوبر مصنوعا من الدم
شهيدا فشهيدا ..
وله لما رفعناه أمام النار
درعا ونشيدا
وله وهو يهز الأرض من أعماقها
ذكرى وحيدا

ولتكن عالية خفاقة
راية أكتوبر فينا
ولتعش ذكراه في أعماقنا
حبا وشوقا وحنينا
وليكن منطلق الشعب
بإيمان جديد بالفدا
وبإيمان جديد بالوطن
وتم تقديم هذا العمل الرائع في احتفالية اكتوبر في الميدان الشرقي وكان احتفالا مشهودا شارك فيه الموسيقار العملاق محمد وردي وكان الطالب والدبلوماسي الحالي المناضل علي الجندي والذي كان يتمتع بصوتا رائعا شبيها بصوت الأستاذ محمد وردي كان يقود اغاني الكورال الرائعة خاصة القصيدة سالفة الذكر وقدم الكورال ايضا قصيدة شاعر الشعب والثورة محجوب شريف

رسالة حب للشعب السوداني
والذي يقول مطلعها

يا شعبنا يا والداً أحبنا
يا من منحت قلبنا ثباتك الأصيل
اليك هذه الرسالة القصيرة الطويلة
اليك من زنزانة تخاصم الفصول
اليك رغم أنف كل بندقية
وحقد بربرية
وكلمة شقية..
اليك منا الحب والسلام والتحية
ودمت يا أبي حبيبنا وبعد
أدبتنا
أحسنت يا أبي
فلم نتابع الهوى
وكأنما هابيل ما ارعوى
وكم غوى وتاه فى الأنا
أراد للدماء ان تسيل
ونحن مثلما عرفت يا أبي بفضلك الكريم
أشرس الرجال حينما نقاوم
نموت لا نساوم
ندوس كل ظالم
ونفتح الصدور للمدافع الثقيلة
ومن هنا أبناؤك الرفاق باسمك العظيم أقسموا
فصيلة فصيلة
أن يثأروا لصرخة الأمومة الجليلة
لطفلة جميلة.. تنفست قليلا.. تمددت قتيلة
رصاصة فى جنبها وطعنة فى قلبها
لم تعش طويلا
لكن مليون مثلها سينجب النضال
يا أبي حقيقة
ثم بعد مرور العام علي الثورة كانت التجهيزات تجري علي قدم وساق داخل أروقة كلية الاقتصاد حيث الاستعدادات للاحتفال بالذكري الأولي لانتفاضة ابريل المجيدة وقد كان الاحتفال معدا له ان يقدم في الميدان الغربي بمشاركة الفنان المبدع فنان ملحمة اكتوبر الموسيقار الأستاذ محمد الأمين وبعد ان قدم الكورال وصلته الغنائية ونشيد مليون سلام ياشعبنا وقصيدة البنك الدولي اعجب الأستاذ محمد الامين باداء الكورال وانسجامه وطلب مشاركة الكورال في تقديم وصلته وقد كان والمفاجأة ان الاستاذ محمد الامين كان قد استهل أعماله بقصيدة اكتوبر الممهور بالدم لشاعر الشعب محجوب شريف

اكتوبر الممهور بالدم
صباح الخير
اهلاً مساء النور
زمنًا تجي وبتمر
عبر النشيد المُر
تحت الغنا المحظور
تنده تنادي الشعب
الصامد المقهور
هُب من ظلامك هُب
الشمس جوه الجب
والحكمة خلف السور
ضمِّد جراح الحب
والخاطر المكسور
وكانت هذه القصيدة تقدم لأول مرة ولم يجري الكورال بروفة لها بل لم يكن يحفظها آحد ولكن بمساعدة المايسترو الأستاذ صالح عركي وحنكته الموسيقية ساعد في الكورال وتم تجاوز ذلك المأزق الكبير وكان اداء الكورال قمة الروعة
ثم واصل الاستاذ محمد الامين تقديم أعماله الرائعة وكانت قصيدة الشاعر محجوب شريف السودان الوطن الواحد والتي تقول

مارس حارس ليس يخون
الألف
اللام
السين
الواو
الدال
الألف
النون
السودان الوطن الواحد
ما قد كان وما سيكون
مارس ماسك كتف ابريل
أعظم شعب
وأعظم جيل
نعمَ بنادق لا ترتد
لصدر الشعب
الغدر دخيل
اعظم شعب واعظم جيل
شعباً صمم فرداً فرد
هبّ وهدّم حكم الفرد
وجاهو عديل
إعصار إعصار
خطوه بخطوه
وايد على ايد
وسِلّم سِلّم
ما بنسلم
وشعب معلم
قال اصرار
عصينا عصينا
وشلنا عصينا
على الحريه منو بوصينا؟
نحن الشعب المابحتار
اختار اختار
ديمقراطيه
بلا أميّه
بأيدى قويه
نحفر أعمق
نرمى الساس
للسودان الوطن الحر
مرفوع الراس
للحريه بلا دوريّة
ولا تفتيش
ولا حق ينداس
نحفر اعمق
نرمي الساس
ديمقراطية بنين وبنات
نغني ونهتف باطمئنان
لحكم الشعب
صمود وثبات
وهنا يجدر الاشارة والإشادة بالدور العظيم والواعي لطلاب كلية الآقتصاد ودورهم الرائد في ارساء ثقافة العمل الكورالي النضالي والذي كان له الدور الفعال في التلاحم الطلابي ودفعه الي الامام في مواجهة اعتي الديكتاتوريات مستخدمين سلاح الكلمة الرصاصة والوتر المناضل والموسيقى الملهمة
وانتشرت بعد ذلك ثقافة الكورال وانتظمت في كل كليات الجامعة والجامعات الاخري ولعبت دورا بارزا في الهام الطلاب وإلهاب حماسهم في الوقوف في وجه الظلم والديكتاتورية في كل مكان وزمان

د. محمد محمود الطيب
فبراير 2023

wesamm56@gmail.com

 

آراء