كيزان الجن .. والبيت المسكون

 


 

 

abuawablawfirm@gmail.com

في بداية حياتي الزوجية، عندما تمردت على حياة العزوبية، فقد كانت حالتي تشبه حالة السودان الى حد بعيد. جالت بي الايام وحارت بي الليالي، فتكرم علي احد الاصدقاء بمأوى في صورة بيت مسكون مملوك لأخيه المغترب خارج السودان في احد احياء الخرطوم. كان يسكن في ذلك البيت ابناء جنوب السودان (الاقليم آنذاك)، العاملين مع صديقي المتبرع بالبيت المسكون. سكنت في ذلك البيت مع زوجتي، وكان الاخ الجنوبي يسكن في جزء منفصل من البيت. بعد مدة بدأت تحدث اشياء غريبة شدت انتباهي تمثلت في كمية من الحجارة التي كانت تلقى على سقف البيت المسقوف بالزنك، وقد سبب ذلك لنا الهلع والازعاج الشديد. وبالملاحظة وجدت ان هذه الحجارة لا ترمى على السقف الا اذا كان الجنوبي غائبا عن البيت، حيث انه كان يبيت في بعض الليالي خارج البيت. وبعد مدة علمت ان هذا الجنوبي لم يكن سعيدا بمشاركتي له هذا البيت المتواضع والمسكون. وبالمراقبة عرفت ان البيت لا يشاركنا فيه الجنوبي وحده، بل يشاكرنا الجن تلك السكنى، نعم الجن عديل كده. ذلك الجن الذي كان يصبح هادئا وساكنا في وجود الجنوبي ويقوم علي جنه في غيابه، للدرجة التي اصبحنا فيها نتمنى ان يبقى جارنا الجنوبي بجوارنا كل الليالي، والا يغيب ابدا حتى نتمتع بنوم هادئ بدون حجارة، وذلك على الرغم من اننا في البداية كنا لا نشعر بالامان في وجوده، لكن جنا تعرفه ولا جنا ما بتعرفه.

تذكرت هذه الواقعة هذه الايام بمناسبة مرور عام كامل على انقلاب البرهان في الخامس والعشرين من اكتوبر ٢٠٢١، حيث جالت ذاكرتي بحال السودان قبل الانقلاب ايام الديمقراطية والازمات التي كانت في رغيف الخبز والبنزين والغاز وتسعة طويلة وطريق بورتسودان وغيرها من المشكلات التي اختفت بعد رجوع العسكر وقبضتهم الحديدية، مع رجوع الرموز واسترداد اموال كيزان (الجن)، تحدث تلك الوفرة رغم توقف كل شيء في البلاد وانعدام السيولة وكثرة الضرائب لدرجة عزوف التجار وكساد التجارة، الا ان الشعب ينعم بالحد المعقول من الامن ووفرة رغيف الخبز، وهذا كله لان الجن ساكن في اركان السودان.

اما الآن وقد انقلب السحر على الساحر، واعلنها البرهان داوية وبلغة فصيحة وعبارات صريحة، فهل سيختفي الكيزان ويرسلوا للشعب جنهم، ام انهم وجنهم سيكونون حاضرين في المشهد قابضين بتلابيب السلطة متشبسين بكراسي الحكم ومكتسبات الثلاثين العجاف. وهل سيكون حال هذا الشعب المسكين مثل حالتي بالرضا برحوع العسكر وكيزانهم حتى ينعم الشعب برغيف خبز بلا صفوف ومصفوفة أمن بلا تسعة طويلة، ام ان الشعب سينتفض ويعيد صياغة المستقبل بعيدا عن البيت المسكون.

والله المستعان ...

 

آراء